نحو تأهيل حكامة التدبير العمومي بالمغرب

0 2٬556

شهد العالم مند فترة تحولات سياسية و اقتصادية و اجتماعية عميقة انبنت أساسا على استراتيجية خاصة بإعادة ترتيب الخريطة العالمية من جديد، و العزم على تجاوز الخلافات السياسية الدولية و الاتجاه نحو دعم الاهتمام بالمجالات الترابية و تأهيل التنمية بمختلف مستوياتها. و في هذا السياق سعت السلطات السياسية بالمغرب نحو تحقيق هذا الهدف و قد ترجم ذلك الإصلاح الدستوري الأخير لسنة 2011، كما انخرطت الحكومة – و منذ فترة –  في مسلسل إصلاح كبير للإدارة العمومية عبر عصرنتها و تأهيل حكامة التدبير العمومي بشكل عام.

إن تأهيل التدبير العمومي بالمغرب يجد أسسه و منطلقاته الأولى في صلب الدستور و في الخطب الملكية باعتبارها مرجعية أساسية لكل إصلاح، و بهذا تضمن الدستور الجديد العديد من المقتضيات و الأسس الدستورية التي من شأنها دعم حكامة التدبير العمومي، كما يعتبر دستور 2011 مناسبة جديدة لتحديد اختيارات مختلف الفاعلون في الحياة السياسية بالمغرب ( الملك، الحكومة و البرلمان، المجتمع المدني…)، حيث تم حصر الاختصاصات الأصلية لكل المؤسسات الدستورية و في علاقتها أيضا بالمؤسسات الأخرى.

و على العموم، بعد رصد الدستور كمرجعية أساسية لأي إصلاح يمكن القول أن تأهيل حكامة التدبير العمومي بالمغرب ينبني على اعتماد عدة قواعد و مبادئ تتمثل أساسا فيما يلي :

  • إعادة تحديد أدوار الإدارة في ضوء الدور الجديد للدولة :

عرف دور الدولة تطورا ملحوظا على مدى مرور الزمن في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، و ذلك من منطق الدولة الحارسة أو الدركية إلى منطق الدولة المتدخلة و قد صاحب هذا التطور أيضا تحول هام في الجانب الخاص بأدوار الإدارة، و يتجسد ذلك خصوصا في الجانب المتعلق بتدبير المرافق العمومية حيث انتقل من الاستغلال المباشر للإدارة إلى خصوصة هذا التدبير وذلك بإشراك الخواص في تدبير المرافق العمومية. إذن فتطور و ظائف الدولة  سيلازمه طبعا تطور في أدوار الإدارة.

  • تقوية أسلوب عدم التركيز الإداري :

إن اعتماد سياسة عدم التركيز الإداري بالمغرب يكمن الهدف منها أساسا في تخفيف عبء أعمال الإدارات المركزية و تحويل البعض منها للمصالح اللاممركزة على المستوى الترابي، وقد عمل المشرع الدستوري على تقوية أسلوب عدم التركيز الإداري انطلاقا من دستور 2011 و ذلك في الفصل 145 و ذلك بتعزيز مكانة مؤسسة الوالي و العامل داخل التنظيم الإداري، حيث يعملون باسم الحكومة على تطبيق القانون و تنفيذ النصوص التنظيمية  و ممارسة الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية و العمل على تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة و السهر على حسن تسييرها.

  • تبسيط المساطر الإدارية :

يشمل هذا الإجراء تبسيط المساطر الإدارية التي تتسم بالتعقيد و تعرقل مختلف الأنشطة داخل الإدارة العمومية، مما يؤثر على جودة الخدمات العمومية التي تقدمها الإدارة للمرتفقين. كما من شأن هذه التعقيدات أن تساهم في إضعاف حجم الاستثمارات داخل الدولة خاصة الأجنبية منها، نظر لكون المستثمر يصطدم بواقع إداري بيروقراطي و معقد و يتمثل ذلك خصوصا في ما يتعلق بإنشاء المقاولات و الشركات الخاصة، وهذا ما يحتم على الجهات المعنية تكثيف الجهود و العمل على حذف كل الإجراءات الإدارية المعقدة و إحلال مساطر سهلة و مختزلة.

  • تقوية الإدارة الإلكترونية :

إن من شأن تجاوز التدبير الكلاسيكي للمهام الإدارية و اعتماد أساليب حديثة و متطورة أن ينعكس بشكل إيجابي على جودة الخدمات العمومية التي تقدما الإدارة، و في هذا الشأن تبرز أهمية تغير تقنيات تدبير الخدمات الإدارية داخل الإدارة و اعتماد التقنيات الإلكترونية المتطورة من أجل تقديم خدمة ذات جودة عالية و في وقت وجيز، كما ستمكن هذه التقنيات من خلق نوع من التواصل بين الإدارة و باقي المرتفقين من خلال البوابات الإلكترونية الخاصة بكل إدارة و تمكينهم من إبداء اقتراحاتهم بخصوص الخدمات المقدمة.

  • تخليق الحياة العامة و تحديث إطار تدبير الموارد البشرية :

إن من شأن تخليق الحياة العامة عن طريق اتخاذ الإجراءات القانونية و التنظيمية لذلك أن يساهم في تحيسن و نجاعة تدبير النشاط الإداري داخل الإدارات العمومية وهذا ما يتطلب أجرأت و تفعيل مختلف النصوص القانونية التي من كل الممارسات التي تعيب نشاط الإدارة العمومية . و فيما يخص الجانب المتعلق بتدبير الموارد البشرية فيتطلب الأمر أولا إعادة النظر في النصوص القانونية المنظمة للوظيفة العمومية خاصة ظهير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية و مرسوم 1977 المتعلق بموظفي الجماعات، ثم تكريس مبادئ الشفافية و المساواة في الولوج إلى الوظائف العمومية.

  • تطوير النظام المالي و الجبائي :

تشكل حكامة التدبير المالي أحد الأهداف الرئيسية التي تطمح مختلف الدول إلى تحقيقها، ويعد المغرب من زمرة الدول التي راهنت إلى تحقيق هذا الطموح و ذلك بإقرار مجموعة من النصوص القانونية التي تؤطر  المنظومة المالية ( قانون المالية ، القانون التنظيمي للمالية )، إلا أن مسألة تدبير المالية العمومية بالمغرب تثير مجموعة من الإشكالات و المرتبطة أساسا بتبذير المال العام و ضعف النفقات العمومية مما ينعكس سلبا على الميزانية العامة بشكل عام، و من أجل تجاوز هذا الوضع و الوصول إلى مرحلة التدبير الناجع فالحكومة مطالبة بالإفراج عن القانون التنظيمي للمالية الجديد ، الذي من شأنه أن تأسس لصرح جديد في مجال التدبير المالي بالمغرب، وبالأخص منطق النتائج الذي سيحكم الميزانية في ضل هذا القانون التنظيمي الجديد. إضافة تكييف الميزانية مع سياسية اللاتركيز الإداري و دعمها في بعدها الجهوي، و فيما يخص الإطار الجبائي فبدوه يعتريه عدة إشكالات قانونية تهم الإطار القانون للضرائب و الجبايات المحلية كتعدد النصوص القانونية و عدم توحيدها و إشكالية تمرير النصوص القانونية الخاصة بالضرائب داخل قانون المالية، إضافة إلى إشكالات عملية  أخرى مرتبطة خصوصا بمجال تحصيل الديون العمومية، و هذا ما يستدعي تصنيف النصوص القانونية و تحيينها و فقا لما تتطلبه الحاجيات و الوضعية المالية للدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.