طقوس الاستسقاء بتسركات بين الاحتفالي والخرافي (2)

0 1٬128

3- فوبيا الجفاف وطقوس الاستسقاء بدرعة

يتبين من خلال المقيدات المحلية وكتب المناقب أن الماء كان ولايزال يشكل الهاجس الاساس لسكان وادي درعة ،بل ان الخوف من الجفاف وقلة الماء ظل يسيطر على عقلية وسلوك السكان خصوصا بالواحات الجنوبية فكانوا اذا داهمهم الجفاف واصبحوا مهددين بالجوع يلجئون الى من يعتقدون صلاحه من أهل التصوف وأصحاب الزوايا من الاشراف والمرابطين فيقدمون لهم العطايا ويتنازلون لهم عن أجزاء كبيرة من أراضيهم ،وكانوا أحيانا يلتزمون لبعض المرابطين بخدمة سواقيهم واراضيهم مقابل التوجه الى الله تعالى والتضرع اليه ليرفع عن أهل درعة الجفاف ويكشف عنهم عذاب الجوع وقد ورد في تقييد محلي  وجد بلكتاوة كما يبين ذلك د احمد البوزيدي في كتابه  السابق ص 37 أن قحطا وقع بدرعة خلال ق16 “فكان الصالحون مهتمين بذلك متضرعين الى الله تعالى في كشف مانزل بهم عند قبور الصالحين والاولياء منهم والاموات ملتمسين رحمته وغيثه الى ان وصلوا الى شيخ الطريقة ابي العباس سيدي احمد بن علي الحاجي (توفي 1598م)وهو اذاك على قيد الحياة .اذ امرهم بان يذهبوا بصدقة الى ضريح الشيخ الحاج علي بن عمرو برباط تفجروت وحدد لهم الصدقة في “مدي ” من القمح بشرط كيله لاينقص حبة واحدة  أو جمعه عند الناس قبيلة قبيلة حتى يجمع كاملا على نية الصدقة، وثور يكون لحما .ويؤكد صاحب التقييد أن كل القبائل التزمت بجمع القمح حسب شرط سيدي احمد بن علي وجاءوا به الى رباط تفجروت حيث اقيمت صدقة كبيرة للفقراء والمساكين بحضور الشيخ سيدي احمد بن علي .

اما الشيخ سيدي محمد بن ناصر (توفي سنة 1774م) فقد تنازل له اهل  بافل درعة عن مساحات كبيرة من الارض مقابل احياء ساقيتهم فخرج اليها الشيخ في جملة من اصحابه “فحركها وسلمها الله فطلعت “المرجع نفسه ص171

4 – طقوس الاستسقاء بتسركات بين الاحتفالي والخرافي

تعد  تسركات  من الواحات التي تستفيد من مياه وادي درعة، لكن الطابع الصحراوي القاري جعل القرية تعرف حالات جفاف قد تطول الى عشر سنوات ، مما جعل السكان يتعايشون مع هذا القحط بطقوس يتمفصل فيها الاحتفالي بالخرافي  وسوف أركز على تلاث منها:

  • في انتظار معروف تسركات على ايقاع الكسكس المفتول.

بعد جمع المحصول السنوي من قمح وثمر وفصة….يتم التفكير في المعروف ، وهو شكل احتفالي جماعي يقام بالدوار ،حيث يحدد يوم الاحتفال عبر “التبراح” في المسجد العتيق من طرف “البراح” وهو شخص ينحدر عرقيا من المرابطين .وفي يوم الاحتفال الذي  يصادف  يوم الجمعة لقداسته ،تشمر النساء و العجائز عن سواعدهن بتهييء قصاعي الكسكس المضمخ بالخضر المحلية ،كما يقمن بتنظيف حواري الدوار، وبعد صلاة العصر يتوجه الرجال والشباب والاطفال من الذكور الى البيادر التي لاتبعد عن ضريح  الولي الصالح سيدي علي بن يوسف التمازيري، كما يتم ايفاد قلال الماء البارد ، كما يحج الى عين المكان  سكان الدواوير المجاورة والمستدعاة من طرف اهل تسركات.وقبيل غروب الشمس تتقاطر الى مكان الاحتفال قصاعي الكسكس محمولة على الاكتاف من طرف الشباب ، كما تحضر النساء لكن بشكل قليل جدا ،وما ان يتبين ان الجميع حضر حتى  تعطى الاشارة من طرف اعيان القبيلة من أجل تناول المعروف جماعة.

ينتهي الاحتفال بجمع ما تبقى من الكسكس من طرف سكان القبائل المجاورة للتبرك به ،ثم يقف الجميع للفاتحة وهو دعاء يركز فيه الداعي ،وهو من أصل مرابطي على “طول عمر السلطان وتهدئة الاوطان واطلاق سراح المسجونين و الدعوة الى تماسك أهل الدوار ويختتم  الدعاء بالتوجه الى سي علي بن يوسف  والله تعالى ان يغيثا البلاد والعباد بالغيث النافع .

ب  – تاغنجا يا ام االرجا في اتجاه الوادي.

اذا كان الاحتفاء بموسم المعروف هو مناسبة سنوية يلتقي فيها أهل الدوار خاصة الاباعد منهم ،فان تاغنجا غير مرتبط بيوم أوشهر ، بل مرتبط بسنوات الجفاف الذي تعرفها المنطقة أحيانا،فكلما انحبس المطر ويبس الزرع  وجف الضرع،يتم التفكير في تاغنجا

و هو احتفال تشرف عليه النساء خاصة الشابات غير المتزوجات اشرافا وطهيا وتنفيذا.وتاغنجا هو مصطلح أمازيغي تعني المغرفة الخشبية وقد عرب فحذفت لواحقه .تجتمع النساء في منزل خاص ،اذ يقمن بنزيين عروس جسدها من قصب أما رأسها فهو عبارة عن مغرفة خاصة للطهي ، ثم يلبسونها قفطانا وحزاما “عصابة”يحيط بخصرها ،في حين تتكلف أخريات بتهييء طعام العصيدة ،وبعد الطهي ،يتوجهن صحبة الرجال و الاطفال الصغار في جو احتفالي مرددين لازمة “تاغنجا يا أم الرجا حلي راسك ها الواد جا “وحين الوصول تهدى العروس الى واد درعة بوضعها وسطه ،في حين توضع العصيدة على الاحجار الملساء فيتناولها الاطفال الصغار .

ج  – مطاردة زاوية سيد البغداد لمرابطي تسركات

اذا كانت عملية الاستسقاء سواء في موسم المعروف او تاغنجا تمر في ظروف هادئة ،فان مطاردة ال سيد البغداد للمرابطين بحواري تسركات لا يخلو من طرافة وأحيانا من عنف .اذ يحدث حينما يشتد القحط أن يدخل تسركات جماعة من سكان زاوية سيد البغداد متنكرين في صورة عابري سبيل ،وما أن يشار بالبنان الى مرور أحد اتباع سيدي علي بن يوسف  ،حتى يتم اختطافه فيجد نفسه امام كومندو من الرجال غلاظ شداد حيث يتم تصفيده في رقبته بعمامة بيضاء ،فيتوجهون به الى مرقد الولي الصالح علي بن يوسف التمازيري ،حيث يلجئون الى الاخذ بخناقه بواسطة تلك العمامة حتى يكاد يغمى عليه ،في عمليه اشبه بالتحقيق البوليسي ، ولا يطلق صراحه الى بعد يجيب عن سؤال : متى سياتي الواد؟؟؟؟ سؤال من الصعب الاجابة عنه خاصة وان الظنين في حالة اختناق ، ومع ذلك ما ان يجيبهم يوم كذا…حتى يطلق صراحه ،وتنهمر دموعه وهو قد وصل الى مرحلة التطهير الروحي أو الكتارسيس بمفهومه الارسطي ،فيتبركون ببركة الولي الصالح ثم ترفع الايدي الى السماء بالدعاء الى الولي الصالح والله تعالى ان يسقيا البلاد والعباد ،ثم تقدم للمرابط بعض القرابين كالحناء والقمح ، وتحكي الرواية الشعبية ان الله تعالى يستجيب لعباده في التاريخ المحدد.       (يتبع)

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.