الفيضانات وعزلة أسامر .. ولكن !
تسببت التساقطات الأخيرة التي عرفتها مجموعة من مناطق المغرب وخاصة في الجنوب والجنوب الشرقي الكبير في حدوث خسائر مادية ومعنوية فادحة لحقت البنيات التحتية الهشة بسبب السيول والفيضانات التي أتلفت الأراضي الزراعية وانهيار مجموعة من القناطر في أول امتحان لها مع الأمطار والتي شيدت في الأونة الأخيرة وبأموال طائلة ، بالإضافة إلى عزلة عشرات الدواوير بمختلف القرى . وهذه الفيضانات لم تستثني أحدا ، إذ كان الموت حليف مجموعة من الناس ، كما أن تلك التساقطات الغزيرة أدت إلى تساقط أسقف أغلب البيوت على مجموعة من الأسر ..
إن ما وقع هذه الأيام إذا من دمار وخراب وموت وإعلان لمناطق منكوبة ومعزولة بسبب الفيضانات والتي لم يعرفها الجنوب وأسامر ( الجنوب الشرقي) منذ سنين نتجت عنها خسائر جسيمة في الأرواح وكذا الممتلكات ، تتحمل فيه الدولة بمؤسساتها ومسؤوليها القسط الأكبر من المسؤولية ، كما أن الحكومة لم تتجاوب مع النشرة الجوية الإنذارية إذ تعاملت في أول الأمر مع ما يقع بنوع من التهاون واللامبالاة ، ففي شخص رئيسها السيد بنكيران الذي كنا ننتظر منه أن يتعامل مع الأمر بنوع من الإيجابية إلا أنه كان يحكي في حفل أقامه حزبه بوجدة حادثة نجاته من الموت بسبب تعرض الطائرة التي كان على متنها لبعض الإهتزازات القوية . وبما أننا في دولة لها مؤسسات فقد كان لزاما عليها اتخاذ كافة الإحتياطات والتدابير والإجراءات الإستباقية لحماية المواطنين وتنظيم المجتمع قبل وقوع الكارثة ، إذ أننا في حاجة إلى أمن وسلطات ومساعدات …
وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون من إعلامهم تغطية الفيضانات وإرشاد المواطنين لتوخي المزيد من الحيطة والحذر وإيصال الرسالة إلى من يهمهم الأمر إن كانوا فعلا يهتمون ، لتقديم المساعدات وإنقاذ ما يمكن إنقاده ، فقد تخلف هذا الإعلام المغربي الرسمي في إظهار الحقائق كنا ننتظرها ، وفي الوقت الذي كان يموت فيه مغاربة المغرب العميق والمنسي بسبب الفيضانات والثلوج والبرد القارس ، فضلت القناة الثانية ( دوزيم) بث سهرة فنية يوم السبت الماضي ( 29-11-2014 ) ربما تتضامن بها مع ضحايا الفيضانات و الكوارث الطبيعية بصفة عامة ، وهو ما خلق سخطا كبيرا لدى المغاربة على مواقع التواصل الإجتماعي التي تعتبر المنفذ الوحيد ربما لتبليغ رسالتهم والتعبير عن سخطهم بسبب تقصير الدولة وإعلامها تجاه المواطنين . وهذا ما هز كيان ومشاعر الناس خاصة بعد مكوث عدد من الضحايا لأربعة أيام وسط مياه الأودية ( حالة يدير غنمي مثلا ) ومكوث ضحايا أخرى لساعات، وتخلف المصالح الأمنية والسلطات المحلية في إنقاذهم، واعتماد وسائل تقليدية في انقاد البعض الأخر وانتشال جثت الموتى وحملها في شاحنات مخصصة لنقل النفايات في مغرب الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهو ما أظهرته عدسات وكاميرات الذين عاينوا ما يجري من أحداث . بينما طائرة الدرك الملكي خصصت لإنقاذ السياح الأجانب .
وهكذا سلطت التساقطات الأخيرة الضوء على المستور في كافة المناطق عامة والجنوب الشرقي خاصة ليتضح أن الناس يعانون يوميا من مختلف مظاهر الإقصاء والتهميش بشتى أشكالها ومن ”الحكرة” الممنهجة التي تمارسها الدولة في حقهم والتي نصبت نفسها ممثلة لهم بينما لا تقدر على أن توفر لهم أدنى شروط العيش الكريم ، في ظل قساواة الظروف الطبيعية وفقر السكان والبطالة …وهو ما يؤكده السوسيولوجي المغربي الدكتور عبد الرحيم العطري ، حيث يقول : “ماذا ﻋﻦ ﺃﺷﻘﺎﺋﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ؟ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻣﻊ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺿﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ، ﻫﻨﺎﻙ ﺣﻴﺚ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻷﺳﺮ، ﻣﺠﺒﺮﺓ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﻗﺮﺍﺑﻴﻦ ﻟﻤﻮﺳﻢ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ، ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺍﻷﻗﺴﻰ ، ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺑﺎﻟﺘﻘﺴﻴﻂ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻮﺀ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺟﻮﻳﺔ ﻭ ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﺗﺤﻴﺔ ﻟﻜﻢ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﻣﺪﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺑﺮﺩ ﺍﻷﻋﺎﻟﻲ ، ﻭ ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﺎﺳﻴﻮﻧﺎ ﺳﻴﻨﺘﻬﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﻘﻄﻴﺮ ﺍﻟﺸﻤﻊ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺍﻟﺒﻌﺾ ، ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﺒﻬﻮﺍ ﻟﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﻮﻧﻜﻢ” “
فمن يحمي هولاء الفقراء من ويلات الفقر ومن قساوة الكوارث الطبيعية إذن؟ وكيف السبيل للخروج من هذا الوضع الكارثي ؟ رغم أن الجنوب الشرقي الكبير يتوفر على موارد معدنية مهمة تؤهله لإقامة مشاريع تنموية واقتصادية وإنشاء مراكز صحية .. إذ يعتبر ( أسامر) الحاضن لثاني أكبر منجم للفضة بإفريقيا (منجم إيميضر ) بإقليم تنغير والذي ما تزال ساكنة إميضر تعتصم لأزيد من ثلاث سنوات ، بالإضافة إلى مناجم أخرى كمنجم ” إيميني ” بوار زازات ” ومنجم ” تيويت ” لاستخراج الذهب بإكنيون ( إقليم تنغير) ثم منجم “تورزا ” و ” بوالنحاس ” بألنيف وكذا منجم ” بوازار ” بأكدز…
هذه فقط أسماء لبعض المناجم التي يتوفر عليها الجنوب الشرقي والتي لا يستفيذ من ترواثها إلا الرسماليين الكبار . وهكذا يظل ” أسامر ” رغم كل هذه الثروات التي يتم استنزافها أمام أعين الساكنة الجهة الأكثر هشاشة على مستوى البنيات التحتية بكل مكوناتها والأكثر تهميشا وإقصاء وخاصة على المستوى الإعلامي .
وهنا سأختم بقول لنيلسون مانديلا ” :” ليس حرا من يهان أمامه إنسان ويظل صامتا” و أتممه بكلام للمناضل الأمازيغي ” حميد أعظوش” حيث يقول ” وسط اليأس تنبعث الإنسانية وتتقوى المقاومة …” لعل ذلك يكون نداء لفك العزلة وتحقيق الحقوق … ولكن يبقى وجه أسامر ذو النضال والكفاح صامدا .