الموت التراجيدي للسياسيين.. هكذا‭ ‬يتذكر‭ ‬المغاربة‭ ‬نهايات‭ ‬مأساوية‭ ‬ لرجالات‭ ‬الدولة‭ ‬ورموزها

0 638

لم‭ ‬تكن‭ ‬النهاية‭ ‬المأساوية‭ ‬لوزير‭ ‬الدولة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬صدمت‭ ‬المغاربة‭ ‬وأدخلتهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذهول‭ ‬والتساؤلات،‭ ‬فعلى‭ ‬مر‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬الحديث‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬للموت‭ ‬طريقة‭ ‬خاصة‭ ‬يتصيد‭ ‬بها‭ ‬السياسيين‭ ‬والشخصيات‭ ‬الفكرية‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي‭ ‬تطبع‭ ‬معه‭ ‬ذكراهم‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬المغربية‭ ‬المشتركة‭.‬

ويعج‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعشرات‭ ‬القصص‭ ‬لمسؤولين‭ ‬وسياسيين‭ ‬مازال‭ ‬موتهم‭ ‬التراجيدي‭ ‬يستفز‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجماعية‭ ‬للمغاربة‭ ‬ويدخلها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬بدفن‭ ‬الميت،‭ ‬بل‭ ‬تستمر‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬استحضار‭ ‬متواصل‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬التراجيديا‮»‬،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬يراها‭ ‬أرسطو‭  ‬متعلقة‭ ‬‮«‬باستعراض‭ ‬أحداث‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬ونتيجة‭ ‬مؤسفة‭ ‬في‭ ‬النهاية‮»‬‭.‬

وتأتي‭ ‬وفاة‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬ووزير‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬بنفس‭ ‬مكان‭ ‬وفاة‭ ‬القيادي‭ ‬اليساري‭ ‬أحمد‭ ‬الزايدي،‭ ‬الذي‭ ‬فارق‭ ‬الحياة‭ ‬داخل‭ ‬سيارته‭ ‬رباعية‭ ‬الدفع‭ ‬بعدما‭ ‬غمرتها‭ ‬المياه‭ ‬أثناء‭ ‬محاولته‭ ‬المرور‭ ‬من‭ ‬ممر‭ ‬يقع‭ ‬تحت‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭ ‬لا‭ ‬يبعد‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬واد‭ ‬الشراط‭.‬

‮«‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‮»‬،‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬الزايدي‮»‬،‭ ‬‮«‬علال‭ ‬الفاسي‮»‬،‭ ‬‮«‬الزرقطوني‮»‬،‭ ‬‮«‬ابراهيم‭ ‬الروداني‮»‬،‭ ‬‮«‬ثريا‭ ‬الشاوي‮»‬،‭ ‬أسماء‭ ‬مغربية‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬طرق‭ ‬موتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬انتهت‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي‭ ‬انطبع‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬المغاربة‭ ‬بسبب‭ ‬فجائيته‭ ‬وتفاصيله‭ ‬الغامضة‭ ‬والمأساوية‭.‬

فلم‭ ‬يتخيل‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬الزعيم‭ ‬الاستقلالي‭ ‬‮«‬علال‭ ‬الفاسي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬سلطات‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسية‭ ‬وأرق‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬قلبه‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬ديكتاتور‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬الشرقية،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬توقف‭ ‬قلب‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬السملالي‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬سهر‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬لسنوات‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المصحات‭ ‬بعدما‭ ‬تعرض‭ ‬لنزيف‭ ‬داخلي‭ ‬بالمخ،‭ ‬كما‭ ‬أنهت‭ ‬رصاصات‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬حياة‭ ‬ثريا‭ ‬الشاوي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬امرأة‭ ‬مغربية‭ ‬وعربية‭ ‬تغزو‭ ‬مجالات‭ ‬كانت‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬الرجل،‭ ‬وتصبح‭ ‬أول‭ ‬طيارة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب،‭ ‬وبعد‭ ‬محاولات‭ ‬عديدة‭ ‬لاغتيالها،‭ ‬ترصدها‭ ‬الموت‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬عتبة‭ ‬منزلها‭ ‬وانتهت‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي،‭ ‬كما‭ ‬ترسم‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬لموت‭ ‬الجنرال‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬الدليمي‮»‬‭ ‬صورة‭ ‬تراجيدية‭ ‬لموت‭ ‬الجنرال‭ ‬القوي‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تحت‭ ‬عجلات‭ ‬شاحنة‭ ‬مجهولة‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية‭ ‬ولم‭ ‬يوقفها‭ ‬تهشم‭ ‬عظام‭ ‬الجنرال‭ ‬عن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬سرعتها‭ ‬الجنونية‭.‬

ويأتي‭ ‬الموت‭ ‬التراجيدي‭ ‬لوزير‭ ‬الدولة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬والقيادي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬ليضيف‭ ‬حلقة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬موت‭ ‬السياسيين‭ ‬والشخصيات‭ ‬المغربية‭ ‬ويفتح‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬التساؤلات‭ ‬والتأويلات‭ ‬التي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تتزامن‭ ‬مع‭ ‬مآسي‭ ‬مشابهة‭.‬

بالنسبة‭ ‬لأستاذ‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬عمران‭ ‬فإن‭ ‬الرحيل‭ ‬المفاجئ‭ ‬لعبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬وأحمد‭ ‬الزايدي‭ ‬شكل‭ ‬صدمة‭ ‬للمغاربة‭ ‬بالنظر‭ ‬لمكانة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتميزة‭ ‬ومنهجيتهما‭ ‬في‭ ‬مقاربة‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬وطريقة‭ ‬وفاتهما‭ ‬التراجيدية‭. ‬وبخصوص‭ ‬انتشار‭ ‬التأويلات‭ ‬والإشاعات‭ ‬والأقاويل‭ ‬المشككة‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬حول‭ ‬ظروف‭ ‬وملابسات‭ ‬وفاة‭ ‬القياديين،‭ ‬أكد‭ ‬عمران‭ ‬أن‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الثقة‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬أمام‭ ‬انتشار‭ ‬التأويلات‭. ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬بأنه‭ ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬تسود‭ ‬به‭ ‬ثقافة‭ ‬تشكيكية‭ ‬سياسيا،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬لتاريخنا‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬بريئا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مليء‭ ‬بحوادث‭ ‬الاغتيال،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة‭ ‬وعمر‭ ‬بنجلون‭. ‬فالثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والتمثلات‭ ‬والوجدان‭ ‬المجتمعي،‭ ‬ونظرا‭ ‬للظروف‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬جعلت‭ ‬منطق‭ ‬الشك‭ ‬هو‭ ‬السائد‭.   ‬

 

في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬تعود‭ ‬‮«‬المساء‮»‬‭ ‬لحالات‭ ‬الموت‭ ‬التراجيدي‭ ‬لسياسيين‭ ‬وشخصيات‭ ‬مغربية،‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬وعسكريين‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬فكرية‭ ‬طبعت‭ ‬بمسارها‭ ‬الفكري‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬الحديث،‭ ‬وتلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬موتهم‭ ‬موتا‭ ‬تراجيديا‭ ‬بامتياز‭.‬

 

مشاهير‭ ‬مغاربة‭ ‬رحــــلوا‭ ‬بصورة‭ ‬صادمة

 

غيبهم‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬اقوتهمب‭ ‬وحكايا‭ ‬رحـــــــــيلهم‭ ‬تناقلتها‭ ‬الألسن‭ ‬ونسجت‭ ‬حولها‭ ‬الروايات

 

إبراهيم‭ ‬الروداني‭.. ‬رصاص‭ ‬مجهول‭ ‬يرديه‭ ‬قتيلا‭ ‬أمام‭ ‬المارة

إبراهيم‭ ‬الروداني‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسمه‭ ‬اليوم‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬شوارع‭ ‬العاصمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬كان‭ ‬أيضا‭ ‬ممن‭ ‬ظل‭ ‬موتهم‭ ‬التراجيدي‭ ‬عالقا‭ ‬بين‭ ‬تفاصيل‭ ‬روايات‭ ‬مختلفة،‭ ‬المشترك‭ ‬بينها‭ ‬أن‭ ‬إبراهيم‭ ‬أردته‭ ‬رصاصات‭ ‬غادرة‭ ‬أمام‭ ‬المارة‭ ‬وفي‭ ‬شارع‭ ‬بالبيضاء،‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬سكنته‭ ‬واتخذها‭ ‬مستقرا‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬الدنيا‭. ‬

يتحدر‭ ‬إبراهيم‭ ‬الروداني‭ ‬من‭ ‬نواحي‭ ‬مدينة‭ ‬تارودانت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يرحل‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للمملكة‭ ‬امتهن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬منها‭ ‬بيع‭ ‬الكتب‭ ‬وميكانيكي‭ ‬وبائع‭ ‬‮«‬الخردة‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬صاحب‭ ‬معمل‭ ‬لبيع‭ ‬ماء‭ ‬جافيل،‭ ‬وينتقل‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬متجر‭ ‬لبيع‭ ‬اللحوم‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الأوربي‭ ‬قرب‭ ‬ساحة‭ ‬‮«‬بوندونغ‮»‬‭ ‬بشارع‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬حاليا،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬له‭ ‬علاقات‭ ‬متميزة‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬والمغاربة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬المدينة‭. ‬

وكغيره‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬طالتهم‭ ‬يد‭ ‬الموت‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي،‭ ‬التحق‭ ‬الروداني‭ ‬بالحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬وكان‭ ‬منزله‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬درب‭ ‬اليهودي،‭ ‬ملتقى‭ ‬لاجتماعات‭ ‬سياسية‭ ‬تنظيمية‭ ‬متواصلة،‭ ‬كان‭ ‬يحضرها‭ ‬ممن‭ ‬سيصبحون‭ ‬رموز‭ ‬ورجالات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭. ‬

كما‭ ‬أصبح‭ ‬عضوا‭ ‬نشيطا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وبالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬ربط‭ ‬علاقة‭ ‬وثيقة‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المسلح‭ ‬الشهيد‭ ‬محمد‭ ‬الزرقطوني،‭ ‬تركزت‭ ‬العلاقة‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العمل‭ ‬السري،‭ ‬وكان‭ ‬الاثنان‭ ‬من‭ ‬المخططين‭ ‬والمنفذين‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬القوات‭ ‬المستعمرة،‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬وكبدت‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭. ‬

ذاق‭ ‬الروداني‭ ‬طعم‭ ‬الاعتقال‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬المناضلين‭ ‬الشباب‭ ‬أكبر‭ ‬تهديد‭ ‬لوجوده،‭ ‬فقد‭ ‬اعتقل‭ ‬بعد‭ ‬موجة‭ ‬الاستنكار‭ ‬التي‭ ‬عمت‭ ‬مدن‭ ‬ومناطق‭ ‬المغرب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تجرأت‭ ‬السلطات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬على‭ ‬نفي‭ ‬الأسرة‭ ‬الملكية‭ ‬في‭ ‬غشت‭ ‬عام‭ ‬1953‭.‬

ويعد‭ ‬إبراهيم‭ ‬الروداني‭ ‬من‭ ‬مؤسسي‭ ‬الاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1955،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المحجوب‭ ‬بن‭ ‬الصديق،‭ ‬والطيب‭ ‬بن‭ ‬بوعزة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬لم‭ ‬يمهله‭ ‬طويلا،‭ ‬فكان‭ ‬‮«‬ضحية‭ ‬مجهوده‭ ‬لتوحيد‭ ‬صفوف‭ ‬المقاومة‮»‬‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬القيادي‭ ‬أيت‭ ‬يدر‭. ‬

 

تربص‭ ‬الموت‭ ‬بإبراهيم‭ ‬الروداني‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أحياء‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬حيث‭ ‬أقدم‭ ‬مسلحون‭ ‬على‭ ‬تصفيته‭ ‬جسديا‭ ‬بالرصاص‭ ‬الحي،‭ ‬وفي‭ ‬تفاصيل‭ ‬الموت‭ ‬أن‭ ‬المهاجمين‭ ‬انتظروه‭ ‬حتى‭ ‬خرج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمر‭ ‬منه،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬ظهر‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليه‭ ‬النار‭ ‬ولفظ‭ ‬أنفاسه‭ ‬الأخيرة‭ ‬جراء‭ ‬الرصاص‭ ‬الذي‭ ‬اخترق‭ ‬جسده،‭ ‬كما‭ ‬مات‭ ‬شقيقه‭ ‬أيضا‭ ‬متأثرا‭ ‬بجراحه،‭ ‬وطال‭ ‬رصاص‭ ‬المهاجمين‭ ‬بعض‭ ‬المارة‭ ‬أيضا،‭ ‬إذ‭ ‬تكشف‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬أرخت‭ ‬للهجوم‭ ‬أن‭ ‬الرصاص‭ ‬أصاب‭ ‬أحد‭ ‬المارة‭ ‬وأرداه‭ ‬قتيلا،‭ ‬وفي‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬سريع‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬المسلح،‭ ‬رد‭ ‬مرافقوه‭ ‬على‭ ‬المسلحين،‭ ‬ونجحوا‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬أحد‭ ‬المهاجمين‭ ‬بينما‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الثاني‭ ‬وفر‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الجريمة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعثر‭ ‬عليه‭ ‬أصدقاء‭ ‬الروداني‭ ‬ويردونه‭ ‬قتيلا‭ ‬بسلاح‭ ‬إبراهيم‭ ‬الروداني‭ ‬نفسه‭.‬

الدليمي‭.. ‬نهاية‭ ‬مأساوية‭ ‬للجنرال‭ ‬القوي

ترسم‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬لموت‭ ‬الدليمي‭ ‬صورة‭ ‬تراجيدية‭ ‬لموت‭ ‬الجنرال‭ ‬القوي‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تحت‭ ‬عجلات‭ ‬شاحنة‭ ‬مجهولة‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية،‭ ‬ولم‭ ‬يوقفها‭ ‬موت‭ ‬الجنرال‭ ‬عن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬سرعتها،‭ ‬أحمد‭ ‬الدليمي‭ ‬الجنرال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قائدا‭ ‬ميدانيا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية‭ ‬المغربية‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭  ‬موته‭ ‬عن‭ ‬قاعدة‭ ‬الموت‭ ‬التراجيدي‭ ‬للسياسيين‭ ‬والزعماء‭ ‬حسب‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬أذاعها‭ ‬البيان‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬بثته‭ ‬التلفزة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1981‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬الروايات‭ ‬القائلة‭ ‬بأنه‭ ‬قتل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حاول‭ ‬القيام‭ ‬بانقلاب‭ ‬ضد‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬قـتل‭ ‬لتنامي‭ ‬قوته‭ ‬ونفوذه‭ ‬بدرجة‭ ‬تهدد‭ ‬العرش‭.‬

ولد‭ ‬الجنرال‭ ‬الدليمي‭ ‬سنة‭ ‬1931‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سيدي‭ ‬قاسم،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭  ‬أصبح‭ ‬أحد‭ ‬أقوى‭ ‬رجلين‭ ‬بالمغرب‭ ‬مع‭ ‬إدريس‭ ‬البصري‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية،‭ ‬وذلك‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬إعدام‭ ‬قائده‭ ‬المباشر‭ ‬محمد‭ ‬أوفقير‭ ‬الذي‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬انقلابه‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1972‭.‬

توفي‭ ‬الجنرال‭ ‬أحمد‭ ‬الدليمي‭ ‬جراء‭ ‬حادثة‭ ‬سير‭ ‬في‭ ‬مساء‭ ‬22‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1983،‭ ‬وحسب‭ ‬البلاغ‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬التلفزة‭ ‬المغربية‭ ‬فإن‭ ‬شاحنة‭ ‬ذات‭ ‬حاوية‭ ‬دهست‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬سيارة‭ ‬الجنرال‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬يعبر‭ ‬حديقة‭ ‬مراكش،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬الجنرال‭ ‬عائدا‭ ‬من‭ ‬القصر‭ ‬الملكي‭ ‬نحو‭ ‬منزله،‭ ‬وفي‭ ‬التفاصيل‭ ‬أن‭ ‬الجنرال‭ ‬دهس‭ ‬تحت‭ ‬عجلات‭ ‬الشاحنة،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬سائق‭ ‬الجنرال‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬محروقا‭ ‬لتوه،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لاذ‭ ‬فيه‭ ‬سائق‭ ‬الشاحنة‭ ‬بالفرار‭.‬

يومها‭ ‬استنفرت‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬والقوات‭ ‬المساعدة‭ ‬والدرك‭ ‬الملكي‭ ‬ورجال‭ ‬المطافئ‭ ‬بعد‭ ‬وقوع‭ ‬الحادثة،‭ ‬لتنظيف‭ ‬المكان‭ ‬وطمس‭ ‬كل‭ ‬معالم‭ ‬الحادثة،‭ ‬استمر‭ ‬ذلك‭ ‬طوال‭ ‬ليلة‭ ‬وقوع‭ ‬الحادثة‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭. ‬

في‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭ ‬حضر‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬إلى‭ ‬فيلا‭ ‬الجنرال‭ ‬أحمد‭ ‬الدليمي‭ ‬بالرباط‭ ‬لتقديم‭ ‬العزاء‭ ‬لعائلته،‭ ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬المغاربة‭ ‬حينها‭ ‬يتداولون‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬باغتيال‭ ‬مدبر‭ ‬ومخطط‭ ‬له‭ ‬وليس‭ ‬بحادثة‭ ‬سير‭ ‬عادية‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭. ‬

 

وسرعان‭ ‬ما‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬‭ ‬لوموند‮»‬‭ ‬الفرنسية‭  ‬تفاصيل‭ ‬أخرى‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدليمي‭ ‬تعرض‭ ‬لاغتيال،‭ ‬وأوردت‭ ‬أن‭ ‬شهودا‭ ‬سمعوا‭ ‬انفجارا‭ ‬فأسرعوا‭ ‬إلى‭ ‬عين‭ ‬المكان‭ ‬لاستطلاع‭ ‬سبب‭ ‬الانفجار،‭ ‬حينها‭ ‬رأوا‭ ‬سيارة‭ ‬الجنرال‭ ‬محروقة،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬شاحنة‭ ‬تهرب‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الحادث‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية‭ ‬وأضواؤها‭ ‬منطفئة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬رؤيتها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬سائق‭ ‬الجنرال،‭ ‬وحسب‭ ‬رواية‭ ‬الصحيفة‭ ‬فإن‭ ‬الجنرال‭ ‬لما‭ ‬شعر‭ ‬بالخطر،‭ ‬قفز‭ ‬من‭ ‬سيارته‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تدهسه‭ ‬الشاحنة‭.‬

 

باها‭.. ‬رحيل‭ ‬صادم‭ ‬لـاالحكيم

وزير‭ ‬الدولة‭ ‬والقيادي‭ ‬البارز‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية،‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها،‭ ‬يلقى‭ ‬حتفه‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬قطار‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬بوزنيقة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬بصدد‭ ‬تفقد‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬غرقت‭ ‬به‭ ‬سيارة‭ ‬الاتحادي‭ ‬أحمد‭ ‬الزايدي‭ ‬قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭. ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬بضع‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬هوية‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬دهسه‭ ‬القطار،‭ ‬أصاب‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬دهشة‭ ‬دفعت‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬حول‭ ‬ظروف‭ ‬وملابسات‭ ‬الوفاة‭. ‬فلأسباب‭ ‬مجهولة،‭ ‬قام‭ ‬الوزير‭ ‬بالمجيء‭ ‬لوحده،‭ ‬وترجل‭ ‬من‭ ‬سيارته‭ ‬وراح‭ ‬يقترب‭ ‬مشيا‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬قضى‭ ‬به‭ ‬الزايدي‭ ‬نحبه،‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬تحت‭ ‬ممر‭ ‬سفلي‭ ‬يخترق‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭ ‬بعدما‭ ‬غمرت‭ ‬المياه‭ ‬سيارته‭ ‬رباعية‭ ‬الدفع‭.‬

وفي‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬يوصف‭ ‬بعلبة‭ ‬أسرار‭ ‬بنكيران،‭ ‬بصدد‭ ‬عبور‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭ ‬مشيا‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬باغته‭ ‬القطار‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬البيضاء‭ ‬والرباط،‭ ‬ولم‭ ‬يترك‭ ‬أمامه‭ ‬فرصة‭ ‬للنجاة‭ ‬بعدما‭ ‬انشطر‭ ‬جسده‭ ‬إلى‭ ‬نصفين‭ ‬تحت‭ ‬عجلات‭ ‬القطار‭ ‬الحديدية‭. ‬فارق‭ ‬الوزير‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬ولم‭ ‬تتعرف‭ ‬عناصر‭ ‬الدرك‭ ‬الذين‭ ‬حلوا‭ ‬بالمكان‭ ‬على‭ ‬هوية‭ ‬صاحب‭ ‬الجثة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬عثورهم‭ ‬على‭ ‬بطاقة‭ ‬التعريف‭ ‬الوطنية‭ ‬ليتخذ‭ ‬الحادث‭ ‬أبعادا‭ ‬جديدة،‭ ‬ما‭ ‬تطلب‭ ‬إخضاع‭ ‬سائق‭ ‬القطار‭ ‬للتحقيق‭ ‬الأمني‭.‬

وحتى‭ ‬حدود‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬إعطاء‭ ‬أي‭ ‬تفسيرات‭ ‬أو‭ ‬حجج‭ ‬قوية‭ ‬حول‭ ‬دواعي‭ ‬تواجد‭ ‬باها،‭ ‬لوحده‭ ‬وبعدما‭ ‬بدأ‭ ‬الليل‭ ‬يسدل‭ ‬أستاره‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬بالذات‭. ‬جميع‭ ‬الأوساط‭ ‬والأشخاص‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬القيادي‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬يشهدون‭ ‬بأن‭ ‬الرجل‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الكفاءة‭ ‬والحكمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬منذ‭ ‬التحاقه‭ ‬بمعهد‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬للبيطرة‭ ‬والزراعة‭ ‬بالرباط‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬قادما‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬سوس‭. ‬

باها،‭ ‬الذي‭ ‬تصفه‭ ‬الصحافة‭ ‬المغربية‭ ‬بالعلبة‭ ‬السوداء‭ ‬لرئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران،‭ ‬رأى‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬أسرة‭ ‬سوسية‭ ‬سنة‭ ‬1954‭ ‬بمنطقة‭ ‬جماعة‭ ‬إفران‭ ‬الأطلس‭ ‬الصغير‭ ‬بإقليم‭ ‬كلميم،‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الباكالوريا‭ ‬سنة‭ ‬1975‭ ‬بثانوية‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬بأكادير،‭ ‬وأكمل‭ ‬تكوينه‭ ‬العالي‭ ‬بمعهد‭ ‬الزراعة‭ ‬والبيطرة،‭ ‬ليتوج‭ ‬مشواره‭ ‬التعليمي‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬دبلوم‭ ‬مهندس‭ ‬تطبيق‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1979‭.‬

قبل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬باها،‭ ‬في‭ ‬مراهقته،‭ ‬شديد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بحركة‭ ‬جماعة‭ ‬الدعوة‭ ‬والتبليغ،‭ ‬التي‭ ‬سيصبح‭ ‬أحد‭ ‬أتباعها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬أية‭ ‬نوايا‭ ‬بالانخراط‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬بالمغرب‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬صفيح‭ ‬ساخن‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬السبعينيات،‭ ‬بسبب‭ ‬التجاذبات‭ ‬بين‭ ‬القصر‭ ‬والتنظيمات‭ ‬اليسارية‭ ‬والإسلامية‭. ‬رويدا‭ ‬رويدا‭ ‬سيجد‭ ‬باها‭ ‬السند‭ ‬في‭ ‬نشطاء‭ ‬الشبيبة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتلقون‭ ‬بصدر‭ ‬رحب‭ ‬كل‭ ‬هموم‭ ‬الشاب‭ ‬السوسي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سهل‭ ‬على‭ ‬نشطاء‭ ‬الشبيبة‭ ‬عملية‭ ‬استقطابه‭ ‬وضمه‭ ‬في‭ ‬صفوفهم‭. ‬شكل‭ ‬هؤلاء‭ ‬النشطاء‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬لبروز‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬البارزين،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬العثماني،‭ ‬ومحمد‭ ‬يتيم،‭ ‬وعبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران،‭ ‬الذي‭ ‬ستربطه‭ ‬بعبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬صداقة‭ ‬عميقة‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭.‬

هذه‭ ‬الصداقة‭ ‬ستظل‭ ‬قوية‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬رفيق‭ ‬درب‭ ‬بنكيران‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬خلالها‭ ‬الناصح‭ ‬والأمين‭ ‬على‭ ‬أسراره،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬بنكيران‭ ‬يستشيره‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كبيرة‭ ‬وكل‭ ‬صغيرة،‭ ‬لدرجة‭ ‬جعلت‭ ‬العارفين‭ ‬بكواليس‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬يؤكدون‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬بأن‭ ‬بنكيران‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬قبل‭ ‬استشارته‭. ‬

قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬1975‭ ‬سيتم‭ ‬اتهام‭ ‬حركة‭ ‬الشبيبة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون،‭ ‬ليتم‭ ‬اعتقال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬رموزها،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬فيه‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الفرار‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬كمؤسس‭ ‬الحركة‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬مطيع‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬فراغ‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمنتسبين‭ ‬للحركة‭. ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬تم‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬بداية‭ ‬الثمانينيات‭ ‬بتأسيس‭ ‬إطار‭ ‬سياسي‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الجماعة‭ ‬الإسلامية‮»‬،‭ ‬سيترأسه‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬محمد‭ ‬يتيم،‭ ‬وبعده‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران،‭ ‬وسيكون‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬أحد‭ ‬الوجوه‭ ‬البارزة‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭.‬

بعد‭ ‬الجماعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬سيشارك‭ ‬باها‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي،‭ ‬إذ‭ ‬تدرج‭ ‬في‭ ‬تقلد‭ ‬عدة‭ ‬مسؤوليات‭ ‬داخل‭ ‬حركة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتجديد،‭ ‬ثم‭ ‬حركة‭ ‬التوحيد‭ ‬والإصلاح،‭ ‬قبل‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬الخطيب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينيات،‭ ‬الذي‭ ‬سيولد‭ ‬من‭ ‬رحمه‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭. ‬دخول‭ ‬باها‭ ‬إلى‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القياديين‭ ‬بالعدالة‭ ‬والتنمية،‭ ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬2002‭ ‬سيفوز‭ ‬بمقعد‭ ‬انتخابي‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬الرباط‭ ‬شالة،‭ ‬وسيتم‭ ‬انتخابه‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬العدل‭ ‬والتشريع‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب،‭ ‬ورئيسا‭ ‬لفريق‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬من‭ ‬2003‭ ‬حتى‭ ‬2006،‭ ‬ثم‭ ‬نائبا‭ ‬لرئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬من‭ ‬2007‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬2008‭.‬

هذا‭ ‬المشوار‭ ‬السياسي‭ ‬الطويل‭ ‬حاز‭ ‬بفضله‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المقربين‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬عدة‭ ‬ألقاب،‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الحكيم‮»‬،‭ ‬و«رجل‭ ‬الظل‮»‬،‭ ‬و«المهادن‮»‬،‭ ‬و«رجل‭ ‬التوافق‭ ‬والحوار‮»‬،‭ ‬و«رجل‭ ‬التوازنات‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬الحزب،‭ ‬و«علبة‭ ‬أسرار‮»‬‭ ‬بنكيران‭.‬

 

 

كما‭ ‬أن‭ ‬الرحيل‭ ‬المفاجئ‭ ‬والصادم‭ ‬لوزير‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬بنكيران‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬تتقوى‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬المناضلين‭ ‬ولدى‭ ‬باقي‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬المغاربة‭.‬

 

الزايدي‭.. ‬رحيل‭ ‬مفاجئ‭ ‬للقيادي‭ ‬الاتحادي

قبل‭ ‬أسابيع‭ ‬على‭ ‬رحيل‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬المباغت،‭ ‬تفاجأ‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬بخبر‭ ‬موت‭ ‬البرلماني‭ ‬الاتحادي‭ ‬أحمد‭ ‬الزايدي‭ ‬داخل‭ ‬سيارته‭ ‬رباعية‭ ‬الدفع،‭ ‬بعدما‭ ‬غمرتها‭ ‬المياه‭ ‬أثناء‭ ‬محاولته‭ ‬المرور‭ ‬من‭ ‬ممر‭ ‬يقع‭ ‬تحت‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭. ‬وقبل‭ ‬رحيله‭ ‬المفاجئ‭ ‬كان‭ ‬الزايدي‭ ‬يعد‭ ‬خصما‭ ‬قويا‭ ‬لإدريس‭ ‬لشكر،‭ ‬الكاتب‭ ‬الأول‭ ‬لحزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬منذ‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الأخير‭ ‬للحزب،‭ ‬حيث‭ ‬أسس‭ ‬الزايدي‭ ‬جبهة‭ ‬ممانعة‭ ‬لهيمنة‭ ‬لشكر‭ ‬على‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للحزب،‭ ‬واستقل‭ ‬بمجموعة‭ ‬نيابية‭ ‬عن‭ ‬الفريق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭.‬

القيادي‭ ‬الاتحادي‭ ‬الراحل‭ ‬ازداد‭ ‬ببوزنيقة‭ ‬سنة‭ ‬1953،‭ ‬وكان‭ ‬والده‭ ‬فلاحا‭. ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬ببوزنيقة‭ ‬تابع‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬ثانوية‭ ‬مولاي‭ ‬يوسف‭ ‬بالرباط،‭ ‬ثم‭ ‬جامعة‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬وكلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بالجزائر‭ ‬العاصمة،‭ ‬وبعدها‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بالرباط‭. ‬وبعد‭ ‬تجربة‭ ‬قصيرة‭ ‬بسلك‭ ‬المحاماة،‭ ‬اختار‭ ‬الزايدي‭ ‬ممارسة‭ ‬مهنة‭ ‬المتاعب،‭ ‬حيث‭ ‬اشتغل‭ ‬بالإذاعة‭ ‬والتلفزة‭ ‬المغربية‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1974‭. ‬بعدها‭ ‬سيحصل‭ ‬على‭ ‬تفرغ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬بالمركز‭ ‬الفرنسي‭ ‬لتكوين‭ ‬واستكمال‭ ‬تكوين‭ ‬الصحفيين‭ ‬بباريس،‭ ‬ليعود‭ ‬مجددا‭ ‬لمتابعة‭ ‬المشوار،‭ ‬ليحلق‭ ‬عاليا‭ ‬بمكاسب‭ ‬مهنية‭ ‬أهلته‭ ‬لتسيير‭ ‬قسم‭ ‬الأخبار،‭ ‬إذ‭ ‬احتكر‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬ذروة‭ ‬المشاهدة‭ ‬لمدة‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬كرئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مركزي‭ ‬ومقدم‭ ‬للنشرة‭ ‬الإخبارية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬العمومي‭. ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬والتميز‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي‭ ‬دفعت‭ ‬أحمد‭ ‬الزايدي‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬نادي‭ ‬الصحافة‭ ‬بالمغرب‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬بدأ‭ ‬القيادي‭ ‬الراحل‭ ‬مساره‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الكتابة‭ ‬الإقليمية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬بالرباط،‭ ‬وخاض‭ ‬غمار‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجماعية‭ ‬لسنة‭ ‬1976‭  ‬كأصغر‭ ‬مرشح‭ ‬باسم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ ‬بوزنيقة‭ ‬آنذاك‭. ‬كما‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬الجماعة‭ ‬القروية‭ ‬لسيدي‭ ‬خديم،‭ ‬التي‭ ‬ستحمل‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬اسم‭ ‬جماعة‭ ‬الشراط،‭ ‬وبعدها‭ ‬نائبا‭ ‬برلمانيا‭ ‬عن‭ ‬بوزنيقة،‭ ‬فنائبا‭ ‬عن‭ ‬إقليم‭ ‬بنسليمان‭. ‬

ودخل‭ ‬الزايدي‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1993،‭ ‬وتولى‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2007‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬السنة‭ ‬الحالية‭ ‬مسؤولية‭ ‬رئاسة‭ ‬الفريق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭.‬

 

الزرقطوني‭.. ‬حكاية‭ ‬موت‭ ‬رمز‭ ‬المقاومة‭ ‬المغربية

ارتبط‭ ‬اسم‭ ‬محمد‭ ‬الزرقطوني‭ ‬بتاريخ‭ ‬مقاومة‭ ‬الاستعمار‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬تشبع‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬ولعل‭ ‬حضوره‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الكتابات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الشرارات‭ ‬الأولى‭ ‬للمقاومة‭ ‬جعلته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المقدمات‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬التفاصيل،‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشوارع‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬المملكة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬لموته‭ ‬التراجيدي‭ ‬حضور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الشهادات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬حياته‭.‬

يشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المقربين‭ ‬للراحل‭ ‬أنه‭ ‬أتقن‭ ‬فن‭ ‬التنكر،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬المقاومين‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬سريةـ‭ ‬ليتحول‭ ‬إلى‭ ‬فدائي‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬المغربية‭.‬

تتحدر‭ ‬عائلته‭ ‬من‭ ‬بن‭ ‬زرقطوني‭ ‬بضواحي‭ ‬مدينة‭ ‬الصويرة،‭ ‬لكنه‭ ‬ولد‭ ‬سنة‭ ‬1927‭ ‬بأحد‭ ‬أحياء‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬بالبيضاء،‭ ‬حيث‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬الابتدائي‭ ‬بالكتاب‭ ‬القرآني‭ ‬بحي‭ ‬‮«‬السوينية‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬يتعلم‭ ‬ترتيل‭ ‬القرآن‭ ‬وحفظه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬الزاوية‭ ‬وعمره‭ ‬7‭ ‬سنوات،‭ ‬وحين‭ ‬قدمت‭ ‬وثيقة‭ ‬المطالبة‭ ‬بالاستقلال‭ ‬سنة‭ ‬1944،‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬يومها‭ ‬17‭ ‬سنة‭.‬

شكلت‭ ‬المدرسة‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬لبداية‭ ‬احتكاكه‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬وتفتح‭ ‬وعيه‭ ‬السياسي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬امتعاضه‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسلم‭ ‬منها‭ ‬المغاربة‭.‬

في‭ ‬سن‭ ‬18‭ ‬أصبح‭ ‬محمد‭ ‬الزرقطوني‭ ‬عضوا‭ ‬فاعلا‭ ‬في‭ ‬الكشفية‭ ‬الحسنية‭ ‬التابعة‭ ‬لحزب‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وكان‭ ‬وعيه‭ ‬الوطني‭ ‬ناضجا‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1948،‭ ‬سيؤسس‭ ‬محمد‭ ‬الزرقطوني‭ ‬فرقة‭ ‬‮«‬مولودية‭ ‬بوطويل‮»‬‭ ‬بالمدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطة‭ ‬وطنية‭ ‬لإنشاء‭ ‬فرق‭ ‬الأحياء‭.‬

في‭ ‬سنة‭ ‬1948‭ ‬ترسخت‭ ‬قناعة‭ ‬العمل‭ ‬المسلح‭ ‬لدى‭ ‬الشاب‭ ‬محمد‭ ‬الزرقطوني‭ ‬رفقة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬وزملائه‭ ‬من‭ ‬الوطنيين‭ ‬بالمدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬حيث‭ ‬بدؤوا‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬خلية‭ ‬مقاومة‭ ‬مسلحة،‭ ‬وتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسدسات،‭ ‬كما‭ ‬باشروا‭ ‬تدريبهم‭ ‬في‭ ‬غابة‭ ‬وادي‭ ‬‮«‬النفيفخ‮»‬‭ ‬بضواحي‭ ‬المحمدية‭.‬

وبعد‭ ‬عدة‭ ‬تطورات‭ ‬جاءت‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬والأخيرة،‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬توجيه‭ ‬الضربات‭ ‬لمصالح‭ ‬السلطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتكبيدها‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة،‭ ‬وهي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬غشت‭ ‬1953،‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬عمل‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬ورفاقه‭ ‬المجاهدون‭ ‬نسف‭ ‬القطار‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والدار‭ ‬البيضاء‭.‬

 

يعود‭ ‬سبب‭ ‬موته‭ ‬التراجيدي‭ ‬إلى‭ ‬اختياره‭ ‬للموت‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬رفاقه‭. ‬واقتنع‭ ‬الزرقطوني‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬التعذيب‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬سقوطه‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬سلطات‭ ‬المستعمر،‭ ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬هو‭ ‬وزملاؤه‭ ‬أن‭ ‬يحملوا‭ ‬معهم‭ ‬‮«‬حبات‭ ‬سم‮»‬‭ ‬يتناولونها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬منهم،‭ ‬وذلك‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬تنظيمهم‭ ‬السري،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬عندما‭ ‬قبضت‭ ‬عليه‭ ‬سلطات‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ليسلم‭ ‬الروح‭ ‬في‭ ‬مخفر‭ ‬الشرطة‭.‬

 

المؤدن‭.. ‬موت‭  ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق

تجتمع‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬المؤذن‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬الغرابة‭ ‬بسبب‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬غادر‭ ‬بها‭ ‬الحياة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬المستشفى‭ ‬للعلاج،‭ ‬ليلقى‭ ‬حتفه‭ ‬في‭ ‬حادثة‭ ‬سير‭ ‬مروعة‭ ‬ببوقنادل‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1992‭.‬

عبد‭ ‬السلام‭ ‬المؤذن‭ ‬هو‭ ‬زعيم‭ ‬من‭ ‬زعماء‭ ‬اليسار‭ ‬المغربي،‭ ‬كان‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الشعبي،‭ ‬التي‭ ‬اندمجت‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الاشتراكي‭ ‬الموحد‭. ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬معتقلا‭ ‬سابقا‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬23‭ ‬مارس،‭ ‬ويجمع‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬وبعض‭ ‬ممن‭ ‬تعرفوا‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬أنه‭ ‬حول‭ ‬زنزانته‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬المركزي‭ ‬بالقنيطرة،‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬للكتابة‭ ‬والإبداع‭ ‬ولعل‭ ‬أبلغ‭ ‬ما‭ ‬عبر‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬سجنه‭ ‬هي‭ ‬مقالة‭ ‬كتبها‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الزنزانة‭ ‬28‮»‬‭  ‬استحضر‭ ‬فيها‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬اعتقاله،‭ ‬يشهد‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬‭ ‬أن‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬اكتشفه‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬السجن‭ ‬كأداة‭ ‬ووسيلة‭ ‬لتدمير‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‮»‬‭.  ‬وفي‭ ‬تفاصيل‭ ‬وفاته‭ ‬التراجيدية‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬سيارة‭ ‬إسعاف‭ ‬باتجاه‭ ‬المستشفى‭ ‬بعد‭ ‬مضاعفات‭ ‬صحية،‭ ‬

لكن‭ ‬سائق‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقله‭ ‬قرر‭ ‬التوقف‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬مدينة‭ ‬سلا‭ ‬لشرب‭ ‬كأس‭ ‬من‭ ‬القهوة،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬شخصا‭ ‬مريضا،‭ ‬توقف‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬أثار‭ ‬فضول‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬المؤدن،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نزل‭ ‬من‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬ليستطلع‭ ‬بنفسه‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬توقفها‭ ‬تلك‭ ‬المدة‭ ‬الطويلة‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬تفسيرات‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬سائقها‭. ‬

 

لكن‭ ‬الموت‭ ‬كان‭ ‬يتربص‭ ‬به‭ ‬مباشرة‭ ‬خارج‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬نزل‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬السيارة،‭ ‬حتى‭ ‬صدمته‭ ‬سيارة‭ ‬كانت‭ ‬قادمة‭ ‬بالقرب‭ ‬منه‭ ‬وأردته‭ ‬قتيلا‭.  ‬نزل‭ ‬الموت‭ ‬التراجيدي‭ ‬للزعيم‭ ‬اليساري‭ ‬كالصاعقة‭ ‬على‭ ‬رفاقه‭ ‬الذين‭ ‬شككوا‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬للحادث،‭ ‬كما‭ ‬جعلت‭ ‬جريدة‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬منه‭ ‬شهيدا‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬صدورها‭. ‬

 

الشاوي‭..  ‬نهاية‭ ‬تراجيدية‭ ‬لأول‭ ‬طيارة‭ ‬مغربية‭ ‬

تعد‭ ‬ثريا‭ ‬الشاوي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬النساء‭ ‬المغربيات‭ ‬اللواتي‭ ‬طبعن‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬المعاصر،‭ ‬فهي‭ ‬امرأة‭ ‬عنوان‭ ‬لقصة‭ ‬نجاح‭ ‬المرأة‭ ‬المغربية‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬نجاحها‭ ‬باهرا‭ ‬وتجاوز‭ ‬صداه‭ ‬الحدود‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬موتها‭ ‬تراجيديا‭ ‬ومأساويا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنهت‭ ‬حياتها‭ ‬رصاصات‭ ‬غادرة‭ ‬تلقتها‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬وهي‭ ‬تهم‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬والداتها‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1956‭.  ‬

وكان‭ ‬الموت‭ ‬قد‭ ‬أخطأها‭ ‬مرات‭ ‬قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬مجموعة‭ ‬أحمد‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬حياتها‭ ‬بشكل‭ ‬مأساوي‭ ‬أمام‭ ‬بيتها،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مستهدفة‭ ‬بسبب‭ ‬وطنيتها‭ ‬وبسبب‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬تكسير‭ ‬عقدة‭ ‬السلطات‭ ‬الاستعمارية‭.‬

ففي‭ ‬أوائل‭ ‬نونبر‭ ‬1954،‭ ‬استهدفها‭ ‬فرنسيون،‭ ‬إذ‭ ‬قاموا‭ ‬بوضع‭ ‬قنبلة‭ ‬بباب‭ ‬الفيلا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسكنها،‭ ‬لكن‭ ‬القنبلة‭ ‬انفجرت‭ ‬ولم‭ ‬يصب‭ ‬أي‭ ‬أحد‭ ‬ونجت‭ ‬ثريا‭ ‬من‭ ‬استهداف‭ ‬فرنسي‭ ‬لها،‭ ‬وتكررت‭ ‬المحاولة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬دجنبر،‭ ‬حيث‭ ‬انهال‭ ‬عليها‭ ‬الرصاص‭ ‬وهي‭ ‬رفقة‭ ‬والدها‭ ‬من‭ ‬رشاش‭ ‬أوتوماتيكي،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬تقطنه‭ ‬رفقة‭ ‬والديها،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬إصابتها،‭ ‬وتكرر‭ ‬الأمر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬غشت‭ ‬1955،‭ ‬وفي‭ ‬التفاصيل‭ ‬أن‭ ‬شرطيين‭ ‬فرنسيين‭ ‬توجها‭ ‬نحوها‭ ‬وهي‭ ‬بداخل‭ ‬سيارتها‭ ‬رفقة‭ ‬والدتها‭ ‬وأطلقا‭ ‬عليها‭ ‬النار،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬المهاجمون‭ ‬انتباه‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬احتشدوا‭ ‬قرب‭ ‬السيارة‭ ‬فهربوا‭. ‬ولم‭ ‬يكتفي‭ ‬الراغبون‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬حياتها‭ ‬بذلك‭ ‬بل‭ ‬كرروا‭ ‬محاولتهم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬‮«‬شتنبر‮»‬‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1955،‭ ‬وحسب‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحادث‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬سيارتها‭ ‬عندما‭ ‬اقترب‭ ‬منها‭ ‬شرطيان‭ ‬وأمراها‭ ‬بالوقوف،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يطلبا‭ ‬منها‭ ‬نقلهما‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬كانا‭ ‬يرغبان‭ ‬في‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه،‭ ‬لكنها‭ ‬رفضت‭ ‬طلبهما‭ ‬مما‭ ‬جعلهما‭ ‬يهددانها،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اجتمع‭ ‬المارة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الشرطيين‭ ‬إلى‭ ‬العدول‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬مهاجمتها،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبادرا‭ ‬إلى‭ ‬اتهامها‭ ‬بمخالفة‭ ‬مرورية،‭ ‬وتبين‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬الشرطيين‭ ‬مزيفين‭ ‬وأنهما‭ ‬استعانا‭ ‬بزي‭ ‬الشرطة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اغتيالها‭. ‬

لكن‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1956،‭ ‬لم‭ ‬يخطئها‭ ‬الموت‭ ‬ونجحت‭ ‬مجموعة‭ ‬أحمد‭ ‬الطويل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تابعة‭ ‬للبوليس‭ ‬السري‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬حياتها‭ ‬بشكل‭ ‬مأساوي‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬خطوات‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬منزلها،‭ ‬حيث‭ ‬استهدفها‭ ‬المهاجمون‭ ‬برصاصات‭ ‬استقرت‭ ‬في‭ ‬رأسها‭ ‬مباشرة‭ ‬وأسقطتها‭ ‬جثة‭ ‬هامدة‭ ‬كما‭ ‬أورد‭ ‬ذلك‭ ‬الكاتب‭ ‬عبد‭ ‬الحق‭ ‬المريني‭.‬

 

 

السملالي‭.. ‬نزيف‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬المخ‭ ‬أنهى‭ ‬حياته

لم‭ ‬يسلم‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬السملالي‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدستوري‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬لعنة‭ ‬الموت‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي‭ ‬الذي‭ ‬تربص‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬المغاربة‭.‬‭ ‬وفي‭ ‬رواية‭ ‬موته‭ ‬الرسمية‭ ‬أن‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬السملالي‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬عقده‭ ‬السابع‭ ‬تعرض‭ ‬لنزيف‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬المخ،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظل‭ ‬يعاني‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السكري،‭ ‬وتوفي‭ ‬السملالي‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬الأطباء‭ ‬أن‭ ‬زعيم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدستوري‭ ‬توفي‭ ‬سريريا‭. ‬

تولى‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬السملالي‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الشبيبة‭ ‬والرياضة‭ ‬خلال‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬ويعد‭ ‬أحد‭ ‬قدماء‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬الذي‭ ‬انسحب‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬مع‭ ‬الراحل‭ ‬‮«‬المعطي‭ ‬بوعبيد‮»‬‭ ‬لتأسيس‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدستوري‭ ‬سنة‭ ‬1983‭.‬

وتولى‭ ‬السملالي‭ ‬قيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدستوري‭ ‬إثر‭ ‬وفاة‭ ‬زعيمه‭ ‬الراحل‭ ‬المعطي‭ ‬بوعبيد‭ ‬سنة‭ ‬1996،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وزيرا‭ ‬للشباب‭ ‬والرياضة،‭ ‬حيث‭ ‬اشتهر‭  ‬بشغفه‭ ‬بالرياضة،‭ ‬وسبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ترأس

‭ ‬مكتب‭ ‬الرجاء‭ ‬البيضاوي‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬سنوات‭ ‬عدة،‭ ‬كما‭ ‬استضاف‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬دورة‭ ‬الألعاب‭ ‬المتوسطية‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭.‬

‭   ‬ويعتبر‭ ‬السملالي‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬المؤسسين‭ ‬للاتحاد‭ ‬العربي‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬فيه‭ ‬منصب‭ ‬النائب‭ ‬الأول‭ ‬للرئيس‭ ‬منذ1974‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬وفاته،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تقلده‭ ‬منصب‭ ‬النائب‭ ‬الأول‭ ‬لرئيس‭ ‬الاتحاد‭ ‬العربي‭ ‬للألعاب‭ ‬الرياضية‭.‬

يتحدر‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬متواضعة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬أزمور،‭ ‬وكان‭ ‬المعطي‭ ‬بوعبيد‭ ‬قد‭ ‬أقنع‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬بأن‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬السملالي‭ ‬رجل‭ ‬مناسب‭ ‬للسهر‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الهزيمة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬تلقاها‭ ‬المنتخب‭ ‬المغربي‭ ‬ضد‭ ‬نظيره‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الثمانينيات‭.‬

وحصل‭ ‬المغرب‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬أشرف‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الرياضي‭ ‬المغربي‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬ميداليتين‭ ‬ذهبيتين‭ ‬في‭ ‬الألعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬1984،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬العداءة‭ ‬نوال‭ ‬المتوكل،‭ ‬والعداء‭ ‬العالمي‭ ‬سعيد‭ ‬عويطة‭.‬

 

كما‭ ‬شهدت‭ ‬فترة‭ ‬إشرافه‭ ‬على‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬تشييد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬الرياضية‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬مختلفة،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬يبقى‭ ‬المركب‭ ‬الرياضي‭ ‬الأمير‭ ‬مولاي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭.‬

علال‭ ‬الفاسي‭.. ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬رومانيا ‬وعاد‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬الموتى‭ ‬

لم‭ ‬يتخيل‭ ‬أحد‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬حياة‭ ‬الزعيم‭ ‬الاستقلالي‭ ‬‮«‬علال‭ ‬الفاسي‮»‬‭ ‬بتلك‭ ‬الطريقة‭ ‬التراجيدية،‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬عالقة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬كلما‭ ‬ذكر‭ ‬‮«‬سيدي‭ ‬علال‮»‬،‭ ‬فالرجل‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬وأرق‭ ‬سلطات‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬انتهى‭ ‬بأزمة‭ ‬قلبية‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬ديكتاتور‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬الشرقية‭. ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬نال‭ ‬المغرب‭ ‬استقلاله،‭ ‬عاد‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غاب‭ ‬عنه‭ ‬لعشر‭ ‬سنوات‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬المصرية‭ ‬القاهرة،‭ ‬ليعاود‭ ‬نشاطه‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬تولى‭ ‬رئاسة‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال،‭ ‬واختير‭ ‬عضوا‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الدستور‭ ‬لوضع‭ ‬دستور‭ ‬البلاد،‭ ‬ثم‭ ‬انتخب‭ ‬رئيسا‭ ‬له،‭ ‬وقدم‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي،‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الأسس‭ ‬الأولى‭ ‬لدستور‭ ‬سنة‭ ‬1962م‭.‬

بعد‭ ‬وفاة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬تولى‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬وزارة‭ ‬الدولة‭ ‬للشؤون‭ ‬الإسلامية‭  ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يستقيل‭ ‬منها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬لينضم‭ ‬بحزبه‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬المعارضة،‭ ‬ويرجع‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬مشروع‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشؤون‭ ‬الإسلامية‭ ‬المغربية‭.‬

في‭ ‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ماي‭ ‬سنة‭ ‬1947‭ ‬باغته‭ ‬الموت‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ضيافة‭ ‬رئيس‭ ‬رومانيا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬للعاصمة‭ ‬الرومانية‭ ‬بوخارست،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬وفد‭ ‬حزب‭ ‬الاستقلال‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬رومانيا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الموازية،‭ ‬حيث‭ ‬التقى‭ ‬الرئيس‭ ‬الروماني،‭ ‬لشرح‭ ‬قضية‭ ‬المغرب‭ ‬وصحرائه،‭ ‬ونضال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬نيل‭ ‬حريته‭ ‬وأرضه‭.‬

كان‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬رومانيا‭ ‬‮«‬تشاوشيسكو‮»‬‭ ‬لإقناعه‭ ‬بعدالة‭ ‬قضية‭ ‬المغرب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬زار‭ ‬الكويت‭ ‬ودولا‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬رومانيا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬كان‭ ‬يتربص‭ ‬به‭ ‬داخل‭ ‬قصر‭ ‬تشاوشيسكو‭.‬

 

توفي‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬بأزمة‭ ‬قلبية‭ ‬باغتته‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الزعيم‭ ‬الروماني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يساند‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وكان‭ ‬علال‭ ‬الفاسي‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬إجلاء‭ ‬الغشاوة‭ ‬عن‭ ‬عيون‭ ‬الديكتاتور‭ ‬الروماني،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭ ‬وشاء‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬حياة‭ ‬الزعيم‭ ‬الاستقلالي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬تراب‭ ‬الوطن‭. ‬

 

علي‭ ‬يعتة‭.. ‬سيارة‭ ‬مجنونة‭ ‬أنهت‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬مقر‭ ‬جريدته

علي‭ ‬يعتة‭ ‬زعيم‭ ‬سياسي‭ ‬آخر‭ ‬صدم‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬المغاربة‭ ‬بموته‭ ‬بشكل‭ ‬مفاجئ،‭ ‬وترك‭ ‬الكثيرين‭ ‬يطرحون‭ ‬السؤال‭ ‬تلو‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لفهم‭ ‬موت‭ ‬من‭ ‬لقبوه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بالحاج‭ ‬الشيوعي‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬‮«‬علي‭ ‬يعتة‮»‬‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬تدخله‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬المغربي‭ ‬بالآية‭ ‬الكريمة‭ ‬‮«‬وقل‭ ‬اعملوا‭ ‬فسيرى‭ ‬الله‭ ‬عملكم‮»‬‭ ‬رغم‭ ‬تشبعه‭ ‬بالفكر‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ميزه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تفاصيل‭ ‬موته‭ ‬طغت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وأصبحت‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬مقربيه‭ ‬وخصومه‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬وفي‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬بعد‭ ‬وفاته،‭ ‬أن‭ ‬الزعيم‭ ‬الشيوعي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬الموت‭ ‬بطريقة‭ ‬تراجيدية‭ ‬قرب‭ ‬جريدة‭ ‬الحزب‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتبرها‭ ‬منبرا‭ ‬لإيصال‭ ‬رسالة‭ ‬الحزب‭ ‬النضالية،‭ ‬فقد‭ ‬اختطفه‭ ‬الموت‭ ‬ذات‭ ‬صيف‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬ضحية‭ ‬حادثة‭ ‬سير‭ ‬مؤلمة‭ ‬أمام‭ ‬مقر‭ ‬جريدته‭ ‬سنة‭ ‬1997،‭ ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬الحركة‭ ‬الانشقاقية‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬الديوان‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية‭. ‬

في‭ ‬صبيحة‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ترجل‭ ‬‮«‬علي‭ ‬يعتة‮»‬‭ ‬من‭ ‬سيارته،‭ ‬متوجها‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬الجريدة‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬من‭ ‬الشارع،‭ ‬لكن‭ ‬سيارة‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬الاتجاه‭ ‬الآخر‭ ‬باغتته‭ ‬وصدمته‭ ‬بقوة‭ ‬بسبب‭ ‬سرعتها‭ ‬لترديه‭ ‬قتيلا‭. ‬

علي‭ ‬يعتة‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬جزائري‭ ‬هو‭ ‬‮«‬‭ ‬سعيد‭ ‬يعتة‮»‬‭ ‬يتحدر‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬القبايل‭ ‬الجزائرية،‭ ‬درس‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬وغادر‭ ‬الجزائر‭ ‬بعد‭ ‬خضوعها‭ ‬للاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وتزوج‭ ‬من‭ ‬مغربية‭ ‬ريفية‭ ‬هي‭ ‬فاطمة‭ ‬بن‭ ‬عمار،‭ ‬واستقر‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬سنة‭ ‬1911‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬محمية‭ ‬إسبانية‭ – ‬فرنسية‭ ‬ليصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬مترجما‭ ‬بالمجلس‭ ‬الدولي‭ ‬للتبغ‭.‬

ولأن‭ ‬الحادثة‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬فقد‭ ‬خلق‭ ‬موت‭ ‬الزعيم‭ ‬الشيوعي‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أثار‭ ‬شكوكا‭ ‬حول‭ ‬وفاته،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬دهست‭ ‬الراحل،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬رجليه‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬حيث‭ ‬يركن‭ ‬سيارته،‭ ‬امتدت‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬المقابل‭ ‬لمقر‭ ‬جريدة‭ ‬الحزب‭. ‬

تزامنت‭ ‬الوفاة‭ ‬التراجيدية‭ ‬لعلي‭ ‬يعتة‭ ‬مع‭ ‬الاستعداد‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬المغرب‭ ‬لحكومة‭ ‬التناوب‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬بالمغرب،‭ ‬تزامن‭ ‬جعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة،‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬السياسيين،‭ ‬تطرح‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقع،‭ ‬بين‭ ‬واصف‭ ‬للموت‭ ‬بالقضاء‭ ‬والقدر،‭ ‬وبين‭ ‬لاجئ‭ ‬لنظرية‭ ‬المؤامرة‭. ‬

 

ويقول‭ ‬أحد‭ ‬المشككين‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬ساعات‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬‮«‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬توفي‭ ‬علي‭ ‬يعتة‭ ‬كان‭ ‬المغرب‭ ‬يستعد‭ ‬يومها‭ ‬لتجربة‭ ‬‮«‬التناوب‭ ‬الحكومي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الزعيم‭ ‬الاتحادي‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬اليوسفي،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬التراجيدي‭ ‬لم‭ ‬يمهل‭ ‬‮«‬الحاج‭ ‬الشيوعي‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يلقب‭ ‬حتى‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬ترأسها‭ ‬عبد‭ ‬الرحمان‭ ‬اليوسفي‭ ‬ودعمتها‭ ‬أحزاب‭ ‬الكتلة‮»‬‭. ‬

 

عزيز‭ ‬بلال‭.. ‬شيوعي‭ ‬التهمته‭ ‬النيران‭ ‬بـاشيكاغو‭ ‬الأمريكية

عزيز‭ ‬بلال‭ ‬شيوعي‭ ‬آخر‭ ‬قضى‭ ‬بشكل‭ ‬تراجيدي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬الوطن،‭ ‬ولم‭ ‬يتخيل‭ ‬أقرباؤه‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬طويلا‭ ‬بشكل‭ ‬سري‭ ‬ستنهي‭ ‬حياته‭ ‬النيران‭ ‬بأحد‭ ‬فنادق‭ ‬أمريكا‭ ‬بشكل‭ ‬علني،‭ ‬وكان‭ ‬موته‭ ‬موتا‭ ‬تراجيديا‭ ‬مازال‭ ‬يشغل‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬رفاقه‭ ‬ومقربيه،‭ ‬وتراودهم‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تبحث‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬أجوبة‭ ‬في‭ ‬الكلمات‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬حملتها‭ ‬قصاصة‭ ‬إخبارية‭ ‬صغيرة‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬وفاته‭. ‬

ولد‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بلال‭  ‬أو‭ ‬عزيز‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مقربوه‭ ‬ورفاقه‭ ‬ينادونه،‭ ‬بمدينة‭ ‬تازة‭ ‬بتاريخ‭ ‬23‭ ‬ماي‭ ‬سنة‭ ‬1932‭ ‬وسط‭ ‬عائلة‭ ‬متواضعة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭  ‬الباكالوريا‭ ‬التحق‭ ‬بالرباط‭ ‬ليتابع‭ ‬دراسته‭ ‬ويحضر‭ ‬إجازته‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1951‭ ‬إلى‭ ‬1953،‭ ‬وبعدها‭ ‬التحق‭ ‬بتولوز‭ ‬الفرنسية‭ ‬حيث‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬دبلوم‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭. ‬

انضم‭ ‬في‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشتغل‭ ‬وقتها‭ ‬بشكل‭ ‬سري،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬التحرر‭ ‬والاشتراكية‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬حزب‭ ‬التقدم‭ ‬والاشتراكية،‭ ‬ليصبح‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬قيادييه‭ ‬كعضو‭ ‬بديوانه‭ ‬السياسي‭ ‬ويقوده‭ ‬نضاله‭ ‬بالحزب‭ ‬إلى‭ ‬تولي‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للمملكة‭. ‬

كما‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬الكاتب‭ ‬العام‭ ‬لوزارة‭ ‬التشغيل‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬إبراهيم‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬بحكومة‭ ‬الائتلاف‭ ‬الوطني،‭ ‬درس‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بالرباط‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬القسم‭ ‬الخاص‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وكذا‭ ‬تأسيس‭ ‬النقابة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتعليم‭ ‬العالي‭.‬

عزيز‭ ‬بلال‭ ‬الذي‭ ‬التهمت‭ ‬النيران‭ ‬جسده‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عطلة‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬رحلة‭ ‬علاج،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬رسمية‭ ‬بصفته‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭. ‬

‭ ‬بلال‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬التوأمة‭ ‬بين‭ ‬شيكاغو‭ ‬والدار‭ ‬البيضاء‭ ‬كنائب‭ ‬رئيس‭ ‬لبلدية‭ ‬‮«‬عين‭ ‬الذياب‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتوفي‭ ‬في‭ ‬حريق‭ ‬شب‭ ‬بفندق‭ ‬‮«‬كونراد‭ ‬هيلتون‮»‬‭ ‬بشيكاغو‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1982‭. ‬

 

لا‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬موته‭ ‬التراجيدي‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير‭ ‬اللهم‭ ‬بعض‭ ‬الشذرات‭ ‬التي‭ ‬يرويها‭ ‬بعض‭ ‬المقربين‭ ‬منه،‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬رفاقه‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬الأخيرة‭ ‬تلك‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

 

عمر‭ ‬بنجلون‭.. ‬اغتيال‭ ‬النقابي‭ ‬المزعج

يبقى‭ ‬حادث‭ ‬اغتيال‭ ‬اليساري‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المواضيع‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل‭ ‬داخل‭ ‬المغرب،‭ ‬فبعد‭ ‬مرور‭ ‬قرابة‭ ‬39سنة‭ ‬على‭ ‬حادث‭ ‬تصفية‭ ‬الزعيم‭ ‬اليساري‭ ‬مازالت‭ ‬قضية‭ ‬المناضل‭ ‬اليساري‭ ‬تثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحزازات‭ ‬بسبب‭ ‬تورط‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬الشبيبة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬تصفيته‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬حادث‭ ‬اغتيال‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬قد‭ ‬وافق‭ ‬السنة‭ ‬التي‭ ‬انتخب‭ ‬فيها‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬تقلد‭ ‬مسؤوليات‭ ‬عدة‭ ‬كترأسه‭ ‬بفرنسا‭ ‬أثناء‭ ‬متابعته‭ ‬لدراسته‭ ‬الجامعية‭ ‬لجمعية‭ ‬الطلبة‭ ‬المسلمين‭ ‬لشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬بين‭ ‬1959‭ ‬و1960،‭ ‬واشتغاله‭ ‬كمحامي‭ ‬ونقابي‭.‬

ابن‭ ‬قرية‭ ‬بركم‭ ‬الواقعة‭ ‬نواحي‭ ‬جرادة‭ ‬بدأ‭ ‬مشواره‭ ‬بتلقيه‭ ‬التعليم‭ ‬حتى‭ ‬المستوى‭ ‬الثانوي‭ ‬بمسقط‭ ‬رأسه،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬وجدة،‭ ‬حيث‭ ‬سيبدأ‭ ‬أولى‭ ‬خطوات‭ ‬العمل‭ ‬النضالي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالتنظيمات‭ ‬الحزبية‭ ‬للشبيبة‭ ‬المدرسية‭ ‬بالمدينة‭ ‬نفسها،‭ ‬ليشارك‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬1955‭ ‬في‭ ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التصرفات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تبذر‭ ‬عن‭ ‬المدرسين‭ ‬الفرنسيين‭. ‬

بعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الباكالوريا‭ ‬التحق‭ ‬بكلية‭ ‬الحقوق‭ ‬بالرباط،‭ ‬لينتقل‭ ‬بعدها‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬إلى‭ ‬باريس،‭ ‬حيث‭ ‬سيلتحق‭ ‬بالمدرسة‭ ‬العليا‭ ‬للبريد‭ ‬والمواصلات،‭ ‬بموازاة‭ ‬دراسته‭ ‬بكلية‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الثالثة‭. ‬

مع‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1960،‭ ‬سيتقلد‭ ‬منصبا‭ ‬كبيرا‭ ‬داخل‭ ‬المديرية‭ ‬الجهوية‭ ‬للبريد‭ ‬بالدارالبيضاء،‭ ‬ما‭ ‬سيفتح‭ ‬أمامه‭ ‬المجال‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالعمل‭ ‬النقابي‭ ‬من‭ ‬بابه‭ ‬الواسع،‭ ‬حيث‭ ‬سيصبح‭ ‬حضوره‭ ‬فاعلا‭ ‬داخل‭ ‬جامعة‭ ‬البريد‭ ‬المنضوية‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬الاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لعبه‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬داخل‭ ‬جامعة‭ ‬البريد‭ ‬وحضوره‭ ‬الوازن‭ ‬داخلها‭ ‬سيجعله‭ ‬يصطدم‭ ‬مع‭ ‬قيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬اختطافه‭.‬

واصل‭ ‬نشاطه‭ ‬النقابي‭ ‬داخل‭ ‬جامعة‭ ‬البريد‭ ‬بعد‭ ‬انتقاله‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1962‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬بالمديرية‭ ‬الجهوية‭ ‬للبريد‭ ‬بالرباط،‭ ‬وأصبح‭ ‬ناشطا‭ ‬كذلك‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭. ‬كما‭ ‬عاد‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬لاجتياز‭ ‬امتحان‭ ‬نيل‭ ‬دبلوم‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬العام‭. ‬وفي‭ ‬ماي‭ ‬1962،‭ ‬أصبح‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الإدارية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬إثر‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬الثاني‭ ‬للحزب‭.‬

وفي‭ ‬يناير‭ ‬1963‭ ‬تم‭ ‬انتخاب‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬كمندوب‭ ‬للمؤتمر‭ ‬الثالث‭ ‬للاتحاد‭ ‬المغربي‭ ‬للشغل،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬اختطافه‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬مقر‭ ‬المؤتمر،‭ ‬حيث‭ ‬سيتعرض‭ ‬للتعذيب‭ ‬طيلة‭ ‬يوم‭ ‬كامل،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحسوبين‭ ‬على‭ ‬جامعة‭ ‬البريد‭.‬

بمناسبة‭ ‬الإعداد‭ ‬للانتخابات‭ ‬البلدية‭ ‬والجماعية،‭ ‬سيتم‭ ‬اعتقاله‭ ‬يوم‭ ‬16‭ ‬يوليوز‭ ‬1963‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬بعد‭ ‬اتهامه‭ ‬بالتخطيط‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مؤامرة‭ ‬ضد‭ ‬النظام،‭ ‬وصدر‭ ‬ضده‭ ‬حكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1964،‭ ‬بتهمة‭ ‬تهريب‭ ‬أسلحة‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭. ‬حصل‭ ‬على‭ ‬العفو‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬أبريل‭ ‬1965،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬اعتقاله‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مارس‭ ‬1966،‭ ‬ليتم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬شتنبر‭ ‬1967،‭ ‬بعدما‭ ‬أمضى‭ ‬سنة‭ ‬ونصف‭ ‬السنة‭ ‬داخل‭ ‬أسوار‭ ‬السجن‭.‬

كما‭ ‬نجا‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يناير‭ ‬1973،‭ ‬بعد‭ ‬توصله‭ ‬بطرد‭ ‬ملغوم‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬استهدفت‭ ‬كذلك‭ ‬اليساري‭ ‬محمد‭ ‬اليازغي‭. ‬ففي‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬إعدام‭ ‬الضباط‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬المحاولة‭ ‬الانقلابية‭ ‬الثانية‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬نجا‭ ‬بنجلون‭ ‬من‭ ‬الاغتيال،‭ ‬أما‭ ‬الطرد‭ ‬الملغوم‭ ‬الثاني‭ ‬فانفجر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬اليازغي‭. ‬

وشهدت‭ ‬الثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬نفسها‭ ‬اندلاع‭ ‬مواجهات‭ ‬مسلحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬ووجدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬1973‭ ‬إلى‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬توقيف‭ ‬أنشطة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬وتم‭ ‬إثر‭ ‬ذلك‭ ‬اعتقال‭ ‬عشرات‭ ‬الناشطين‭ ‬وأغلبية‭ ‬الأطر‭ ‬الحزبية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تمكن‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭. ‬تم‭ ‬اعتقال‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬مارس‭ ‬1973،‭ ‬وتسلم‭ ‬إدارة‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬المحرر‮»‬‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬نونبر‭ ‬1974،‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬السجن‭.‬

 

في‭ ‬يناير‭ ‬1975‭ ‬انتخب‭ ‬عمر‭ ‬بنجلون‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬وتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬اغتياله‭ ‬أمام‭ ‬بيته‭ ‬يوم‭ ‬18‭ ‬دجنبر‭ ‬1975،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عناصر‭ ‬يشتبه‭ ‬في‭ ‬انتمائهم‭ ‬إلى‭ ‬الشبيبة‭ ‬الإسلامية‭.‬

 

بنبركة‭.. ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬لف‭ ‬رحيل‭ ‬أشهر‭ ‬معارض‭ ‬المملكة

قبل‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬نحبه‭ ‬بالمكان‭ ‬نفسه‭ ‬تقريبا‭ ‬الذي‭ ‬غرقت‭ ‬فيه‭ ‬سيارة‭ ‬البرلماني‭ ‬الاتحادي‭ ‬أحمد‭ ‬الزايدي،‭ ‬شاءت‭ ‬الصدف‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬واد‭ ‬الشراط‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬بوزنيقة‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬فاشلة‭ ‬للمهدي‭ ‬بنبركة‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭. ‬ففي‭ ‬شريط‭ ‬وثائقي‭ ‬أعدته‭ ‬قناة‭ ‬فرنسية‭ ‬حول‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة،‭ ‬كاد‭ ‬المعارض‭ ‬اليساري‭ ‬أن‭ ‬يلقى‭ ‬حتفه‭ ‬لحظة‭ ‬قيادته‭ ‬لسيارته‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يعبر‭ ‬قنطرة‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬بوزنيقة‭ ‬سوى‭ ‬بسبعة‭ ‬كيلومترات‭. ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الوثائقي‭ ‬فإن‭ ‬بنبركة،‭ ‬الذي‭ ‬ظلت‭ ‬تتعقبه‭ ‬سيارة‭ ‬تابعة‭ ‬للأمن‭ ‬منذ‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬كان‭ ‬متوجها‭ ‬يوم‭ ‬16‭ ‬نونبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1962‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬سيارته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حضور‭ ‬اجتماع‭ ‬تم‭ ‬عقده‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬بمقاطعة‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬الدستور،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬سيتعرض‭ ‬لمحاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬بعدما‭ ‬دفعته‭ ‬سيارة‭ ‬من‭ ‬الخلف،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سقوطه‭ ‬في‭ ‬الهاوية‭. ‬فرت‭ ‬السيارة‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬الحادث،‭ ‬وتعرض‭ ‬بنبركة‭ ‬لجروح‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬رقبة‭ ‬العنق،‭ ‬لكنه‭ ‬استطاع‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬الموت‭.    ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة‭ ‬قد‭ ‬باءت‭ ‬بالفشل،‭ ‬فإن‭ ‬المحاولة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬كانت‭ ‬جد‭ ‬محكمة‭ ‬ولم‭ ‬تترك‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬للنجاة،‭ ‬بعدما‭ ‬تورطت‭ ‬في‭ ‬تنفيذها‭ ‬عدة‭ ‬أجهزة‭ ‬من‭ ‬المخابرات‭. ‬ففي‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬29‭ ‬أكتوبر‭ ‬1965،‭ ‬كان‭ ‬المهدي‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬مخرج‭ ‬سينمائي‭ ‬فرنسي‭ ‬أمام‭ ‬مطعم‭ ‬ليب‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬سان‭ ‬جيرمان‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لإعداد‭ ‬فيلم‭ ‬حول‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭. ‬قبل‭ ‬ولوجه‭ ‬إلى‭ ‬المقهى‭ ‬تقدم‭ ‬شرطيان‭ ‬فرنسيان‭ ‬إلى‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬وطلبا‭ ‬منه‭ ‬مرافقتهما‭ ‬في‭ ‬سيارة‭ ‬تابعة‭ ‬للشرطة‭.‬

ومنذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬اختفى‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬من‭ ‬الوجود،‭ ‬ولم‭ ‬يعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬وكيف‭ ‬تمت‭ ‬تصفيته،‭ ‬باستثناء‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬الشرطيان‭ ‬المتورطان‭ ‬في‭ ‬اختطافه‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬فرنسية،‭ ‬اللذان‭ ‬أقرا‭ ‬بأنهما‭ ‬عمدا‭ ‬إلى‭ ‬اختطاف‭ ‬بن‭ ‬بركة‭ ‬بالاتفاق‭ ‬مع‭ ‬المخابرات‭ ‬المغربية‭ ‬وأنهما‭ ‬أخذاه‭ ‬إلى‭ ‬فيلا‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬ضواحي‭ ‬باريس،‭ ‬التي‭ ‬حضر‭ ‬إليها‭ ‬الجنرال‭ ‬محمد‭ ‬أوفقير،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وزيرا‭ ‬للداخلية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة،‭ ‬وأحمد‭ ‬الدليمي،‭ ‬رئيس‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭. ‬

 

ورغم‭ ‬مرور‭ ‬49‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬اختفاء‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة،‭ ‬فإن‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكاملة‭ ‬لظروف‭ ‬اغتياله‭ ‬مازال‭ ‬يلفها‭ ‬الغموض،‭ ‬خصوصا‭ ‬مكان‭ ‬دفن‭ ‬جثته‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬ذكر‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تصفية‭ ‬بنبركة‭ ‬بأنه‭ ‬دفن‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الفيلا‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬اختطافه،‭ ‬ليتم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نقل‭ ‬الجثمان‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬يقع‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬السين‭. ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬مازالت‭ ‬عائلة‭ ‬بنبركة‭ ‬ورفاقه‭ ‬يطالبون‭ ‬بالكشف‭ ‬عن‭ ‬مصير‭ ‬جثمانه‭ ‬والمكان‭ ‬الذي‭ ‬دفن‭ ‬به‭ ‬أشرس‭ ‬معارض‭ ‬لنظام‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭.‬

 

عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬عمران‭ ‬*‭: ‬الموت‭ ‬الفجائي‭ ‬والمحزن‭ ‬للسياسيين‭ ‬يجعله‭ ‬حدثا‭ ‬ببعد‭ ‬وطني

 

قال‭ ‬إن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬تسود‭ ‬به‭ ‬ثقافة‭ ‬تشكيكية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي

‭- ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬ملابسات‭ ‬وفاة‭ ‬الشخصيات‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬المجتمع؟

‬ينبغي‭ ‬استحضار‭ ‬المكانة‭ ‬المتميزة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬والمناصب‭ ‬الهامة‭ ‬التي‭ ‬تقلدوها،‭ ‬وبالنظر‭ ‬كذلك‭ ‬لمكانتهم‭ ‬المتميزة‭ ‬مجتمعيا‭. ‬كما‭ ‬يتعين‭ ‬ربط‭ ‬ذلك‭ ‬بكون‭ ‬المواطن‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬انشغال‭ ‬دائم‭ ‬ومعني‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التنظيمات،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحدث‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬تطورات‭ ‬سياسية‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فإن‭ ‬وقع‭ ‬الحدث‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مفاجئ‭ ‬وغير‭ ‬منتظر،‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬هنا‭ ‬بحالتي‭ ‬وفاة‭. ‬فوق‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬المكانة‭ ‬المتميزة‭ ‬سواء‭ ‬بالنسبة‭ ‬لعبد‭ ‬الله‭ ‬باها‭ ‬أو‭ ‬أحمد‭ ‬الزايدي‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬يتابع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬بخصوص‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لهؤلاء‭ ‬وغيرهم‭ ‬واللقاءات‭ ‬التي‭ ‬تجريها‭ ‬الوجوه‭ ‬السياسية،‭ ‬كحضور‭ ‬أشغال‭ ‬البرلمان‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الحكومية‭. ‬الثقافة‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬ثقافة‭ ‬متداولة‭ ‬يوميا‭. ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬الاعتبارية‭ ‬تولد‭ ‬نسقا‭ ‬نسميه‭ ‬كمختصين‭ ‬النسق‭ ‬المعرفي‭-‬الاجتماعي؛‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متبادل‭ ‬ومتقاسم‭ ‬ومشترك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التمثلات‭ ‬والمواقف‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الارتباط‭ ‬بالحدث‭. ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬هناك‭ ‬البعد‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬المعرفي،‭ ‬فالمواطن‭ ‬يتداول‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ ‬والمستجدات‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬حياته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬اليومية،‭ ‬ويقوم‭ ‬بمتابعتها‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمرجعية‭ ‬النفسية‭ ‬المعرفية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الوجدانية،‭ ‬نتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬حدث‭ ‬له‭ ‬ثقل‭ ‬بارز‭. ‬

داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬عادة‭ ‬نجتمع‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬والأتراح‭. ‬هذا‭ ‬تقليد‭ ‬مغربي‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الثوابت‭ ‬التي‭ ‬تجمعنا،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يصطلح‭ ‬عليه‭ ‬الوجدان‭ ‬المجتمعي‭. ‬انشغال‭ ‬المواطن‭ ‬المغربي‭ ‬بالحدثين‭ ‬هو‭ ‬بسبب‭ ‬مكانة‭ ‬الشخصين‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان،‭ ‬والحكومة،‭ ‬وداخل‭ ‬حزب‭ ‬عريق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المغربي‭ ‬هو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭. ‬الشيء‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يميزهما‭ ‬هو‭ ‬مرتبط‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬نفسي‭ ‬اجتماعي‭. ‬فكلاهما‭ ‬يمتاز‭ ‬بعدة‭ ‬مواصفات‭. ‬أولا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬المرجعية‭ ‬وانتماء‭ ‬أحدهما‭ ‬لحزب‭ ‬محافظ‭ ‬والثاني‭ ‬لحزب‭ ‬تقدمي،‭ ‬فإن‭ ‬كلاهما‭ ‬يتقاسمان‭ ‬تلك‭ ‬النزعة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الوسطية‭ ‬الاعتدالية‭ ‬والإنسانية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرجلين‭ ‬كانا‭ ‬يحظيان‭ ‬بمكانة‭ ‬خاصة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الحزبين‭ ‬اللذين‭ ‬ينتميان‭ ‬إليهما‭. ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬للتذكير‭ ‬بمكانة‭ ‬الزايدي‭ ‬ومواقفه‭ ‬وحتى‭ ‬صراعه‭ ‬مع‭ ‬إدريس‭ ‬لشكر‭. ‬أما‭ ‬باها‭ ‬فكانت‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة‭ ‬بحكم‭ ‬قربه‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران‭. ‬وبالتالي،‭ ‬إذا‭ ‬استحضرنا‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات،‭ ‬مقابل‭ ‬حضورهما‭ ‬المتفرد‭ ‬وطريقة‭ ‬معالجة‭ ‬المشاكل‭ ‬وتفضيلهما‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الصراع،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬فجائية‭ ‬الحدث‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكلاهما،‭ ‬فكل‭ ‬ذلك‭ ‬جعل‭ ‬حدث‭ ‬الموت،‭ ‬المحزن‭ ‬بطبيعته،‭ ‬يتخذ‭ ‬بعدا‭ ‬وطنيا‭.‬

‭- ‬بالنظر‭ ‬لملابسات‭ ‬الحادثين،‭ ‬سيما‭ ‬وقوعهما‭ ‬بالمكان‭ ‬نفسه‭ ‬تقريبا،‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬يشككون‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬وملابسات‭ ‬وفاة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الفقيدين‭. ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬الارتياب‭ ‬والشك؟

‭‬الإنسان‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬والمواطن‭ ‬العادي‭ ‬لديه‭ ‬تلك‭ ‬النزعة‭ ‬التي‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬الحدث،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الحدثين‭ ‬وقعا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مشاهدتها‭ ‬ومعاينتها‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬فمن‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬ذلك‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الشك‭ ‬والارتياب‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفاجئ،‭ ‬وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬المكانة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للفقيدين‭ ‬فذلك‭ ‬يخلف‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصدمة‭. ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الزايدي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬ومواجهة‭ ‬مع‭ ‬جناح‭ ‬القيادة‭ ‬التابع‭ ‬لإدريس‭ ‬لشكر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭. ‬كيف‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬شخصا‭ ‬بهذه‭ ‬المواصفات،‭ ‬وفي‭ ‬وضع‭ ‬صحي‭ ‬جيد،‭ ‬وفي‭ ‬وضعية‭ ‬نضالية‭ ‬متميزة،‭ ‬أن‭ ‬يختفي‭ ‬فجأة‭ ‬بعدما‭ ‬يقع‭ ‬ما‭ ‬يقع،‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غامضة‭. ‬علينا‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬تسود‭ ‬به‭ ‬ثقافة‭ ‬تشكيكية‭ ‬سياسيا‭. ‬فتاريخنا‭ ‬السياسي‭ ‬ليس‭ ‬بريئا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مليء‭ ‬بحوادث‭ ‬الاغتيال،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬المهدي‭ ‬بنبركة‭ ‬وعمر‭ ‬بنجلون‭. ‬فالثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والتمثلات‭ ‬والوجدان‭ ‬المجتمعي،‭ ‬ونظرا‭ ‬للظروف‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬جعلت‭ ‬منطق‭ ‬الشك‭ ‬هو‭ ‬السائد‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬حادثا‭ ‬مماثلا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬بدون‭ ‬تدخل‭ ‬الأجهزة‭ ‬أو‭ ‬الأيادي‭ ‬الخفية‭. ‬وبالتالي‭ ‬فالتساؤلات‭ ‬مردها‭ ‬لهذا‭ ‬الأمر؛‭ ‬فثقافتنا‭ ‬السياسية‭ ‬غلبت‭ ‬عليها‭ ‬أحداث‭ ‬ووقائع‭ ‬فاجأتنا،‭ ‬وجعلتنا‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشكيك‭. ‬ربما‭ ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬الشفافية‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬وثقل‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬منها‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬كرست‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬مشتركة‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بقياديين،‭ ‬أحدهما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬صراع،‭ ‬توفيا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬وملابسات‭ ‬مجهولة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬التأويلات‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬العقلية‭ ‬التخمينية‭ ‬والتشكيكية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬ثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬تدعم‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬فيها‭ ‬الإشاعة،‭ ‬ولدينا‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الاستعداد‭ ‬السيكولوجي،‭ ‬الذي‭ ‬يسهل‭ ‬ربط‭ ‬الحوادث‭ ‬أو‭ ‬القصص‭ ‬بوجود‭ ‬أيادي‭ ‬تقف‭ ‬وراءها‭. ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬أي‭ ‬كان‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬الوفاة‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬عادية،‭ ‬وتشرع‭ ‬دينامية‭ ‬نقل‭ ‬الخبر‭ ‬والحدث،‭ ‬ورغبة‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬التشكيك‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬فلان‭ ‬أو‭ ‬فلان‭ ‬لم‭ ‬يفارق‭ ‬الحياة‭ ‬صدفة،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬اغتياله،‭ ‬لتتوفر‭ ‬التربة‭ ‬الخصبة‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بسيكولوجية‭ ‬الإشاعة‭. ‬سيكولوجية‭ ‬الإشاعة‭ ‬هي‭ ‬صادقة‭ ‬مادام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تكذيبها،‭ ‬وهذا‭ ‬يسهل‭ ‬ظهور‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التشكيك‭ ‬وانتشاره‭.‬

‭- ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يحيلنا‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬أهم‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الثقة‭ ‬لدى‭ ‬المغربي‭ ‬إزاء‭ ‬الإدارة‭. ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النفسية؟

‭‬الثقة‭ ‬تتأسس‭ ‬حينما‭ ‬تكون‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬تجمعنا‭ ‬بالآخر‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬المودة‭ ‬والوضوح‭ ‬ووضوح‭ ‬التعاقد‭ ‬والالتزام،‭ ‬وعلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭. ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬هذه‭ ‬المواصفات‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الثقة،‭ ‬بما‭ ‬أن‭ ‬الثقة‭ ‬هي‭ ‬سيكولوجية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأحاسيس‭ ‬والمعاملات‭ ‬والتمثلات،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬التعاقد،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الشفافية،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬العوامل‭ ‬الهامة‭ ‬لضمان‭ ‬المصداقية،‭ ‬وربطنا‭ ‬ذلك‭ ‬بتاريخنا‭ ‬السياسي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬بني‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬الشفافية‭ ‬وغياب‭ ‬التعاقد‭ ‬وغياب‭ ‬الوضوح،‭ ‬وانتظم‭ ‬بعلاقة‭ ‬فيها‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التباعد،‭ ‬هناك‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬سواء‭ ‬سميناها‭ ‬المخزن‭ ‬أو‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭. ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬علاقة‭ ‬الإدارة‭ ‬بالمواطن‭ ‬يغيب‭ ‬عنها‭ ‬عامل‭ ‬الثقة،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الإدارة‭ ‬موجودة‭ ‬أصلا‭ ‬لخدمة‭ ‬المواطن‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬بالمغرب‭ ‬انتظمت‭ ‬بطريقة‭ ‬متعالية‭ ‬تجعل‭ ‬المواطن‭ ‬يهاب‭ ‬سلبيات‭ ‬الإدارة،‭ ‬وتعاملها‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬بمرجعية‭ ‬السلطة‭ ‬الآمرة‭. ‬وبالتالي‭ ‬حينما‭ ‬تتداخل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المتعالية‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬الثقة‭ ‬والشفافية‭ ‬وغياب‭ ‬حقوق‭ ‬المواطن،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يولد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتياب‭ ‬والتشكيك‭ ‬تجعل‭ ‬العلاقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭ ‬والمؤسسات‭ ‬حبيسة‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الخوف‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬وعدم‭ ‬الثقة‭ ‬بنفسه‭ ‬وعدم‭ ‬الثقة‭ ‬بالآخر‭.‬

‭- ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬حوادث‭ ‬مماثلة‭ ‬تظهر‭ ‬رواية‭ ‬رسمية‭ ‬تنشرها‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬ورواية‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬موازية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التشكيك‭ ‬والارتياب؟

‭‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬استمرارها‭. ‬حتى‭ ‬نكون‭ ‬صريحين‭ ‬الرواية‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬تجد‭ ‬الأرضية‭ ‬الخصبة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬الشفافية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬والشفافية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتقدمة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كمؤسسات‭ ‬وكحقوق‭ ‬وكممارسات‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭. ‬الديمقراطية‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬شعار،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ناظم‭ ‬يوضح‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬بموازاة‭ ‬وجود‭ ‬سلطة‭ ‬ونقيض‭ ‬السلطة،‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬السلطات‭. ‬إذا‭ ‬غابت‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬والمؤسسات‭ ‬بثقافتها‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬يومية،‭ ‬ستستمر‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الثقة،‭ ‬لأن‭ ‬غياب‭ ‬الثقة‭ ‬مردها‭ ‬الخوف،‭ ‬ووجود‭ ‬طرف‭ ‬بيده‭ ‬القرار‭ ‬ومواطن‭ ‬لا‭ ‬صوت‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الخضوع‭ ‬والمسايرة‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المختلة،‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬طرفا‭ ‬له‭ ‬سلطة‭ ‬مطلقة‭ ‬وطرف‭ ‬ثاني‭ ‬عليه‭ ‬التطبيق‭ ‬والمسايرة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يجعل‭ ‬المواطن‭ ‬دائم‭ ‬التشكيك‭ ‬ولا‭ ‬يتعامل‭ ‬بثقة‭ ‬مع‭ ‬المعلومة‭.  ‬

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.