أزمة المدينة وتدخل الدولة لمواجهتها أية حصيلة

1 940

تعد أزمة المدينة من الإشكالات الراهنة التي لا زالت تواجه دول العالم الثالث بشكل كبير ،في ضل تزايد الطلب على المجال . والظاهر أن هاجس تجاوز هذه الأزمة يفرض نفسه يوما بعد يوم .

فبعدما ظهرت سياسة اعداد التراب في فرنسا سنة 1947 بفضل المؤلف jan francois cravi  الشهير ب  paris et le desert francais الذي عكس خطورة التفاوتات المجالية الكبيرة في فرنسا اذ تم تداول افكاره من قبل وزير البناء petit Cloudois  حيث اعتبر هذا المؤلف من الدوافع الاساسية للشروع في سياسة تهيئة التراب.

إلا انه لقي معارضة من طرف رجال القانون الذين اعتبروا ان اعداد التراب لا ينتمي للقانون بل هو اختصاص الجغرافيين والاقتصاديين.

ونفس الشيء ينطبق على المغرب حيث ان الدراسات التي تناولت اعداد التراب من الناحية القانونية محدودة جدا ،وقد تبنت الدولة المغربية سياسة اعداد التراب نظرا للاختلالات والتفاوتات المجالية التي عرفها المغرب بشكل خاص منذ فترة ما بعد الحماية ،حيث اضحى قطاع اعداد التراب مسألة جوهرية يعتمد عليه بالأساس للحد من التفاوتات والاختلالات المجالية بالإضافة الى الحد من اللاتوازن الذي يهيمن على الجهات وكذا بين الفئات الاجتماعية وآلية للتصدي لكل التحديات التي تطرحها العولمة.

ان مسار التمدين بالمغرب  وتطور سكان المدن قد عرف انتقالا سريعا من معدلات محتشمة الى معدلات تفوق الكم الذي يجب ان تكون عليه، لكن بفعل مكانة المدينة خاصة جعل هذا المسار في تصاعد مستمر.

وحسب أستاذ للتعليم العالي (محمد امدافعي ) : “فقد انتقل معدل التمدين في المغرب من حوالي 7 في المئة  في البداية القرن العشرين الى  29.3  في المئة سنة 1971، ثم الى  51 في المئة سنة 1994  ، ليصل إلى حوالي 55 في المئة سنة 2004 ، ومن المنتظر حسب التوقعات الديمغرافية أن يصل إلى 64 سنة 2030. ومع التطور السريع للتمدين بالمغرب، فان عدد السكان وخاصة ساكنة المدن تطور بوثيرة متسارعة .

فما بين سنة 1900 و 2004 تضاعف عدد سكان المدن بأكثر من 39 مرة خلال قرن من الزمن ولم تتضاعف ساكنة الأرياف إلا ب 3 مرات خلال نفس الفترة. وشكلت الهجرة الريفية مصدرا مهما في زيادة سكان المدن حيث قدر عدد الوافدين من الريف الى المدن بحوالي 100 الف شخص سنويا خلال سنوات الستينات  والسبعينات من القرن الماضي وعلى الرغم من تراجع دور الهجرة. إلا انها لازالت تلعب دورا مهما في تزايد ساكنة المدن.

وتؤثر هذه الزيادة السريعة لساكنة المدن على حجم المشاكل التي تواجه المغرب سواء على مستوى التحكم في الانفجار الحضري ، أو على مستوى الحاجيات الضرورية المصاحبة في بلد سائر في طريق النمو ويتميز بمحدودية الموارد وتشكل حاجيات  المدن المجالية اهم الحاجيات التي تتزايد باستمرارية  . كما ان التراكم المتوالي للحاجيات الاخرى أدى إلى الضغط القوي على المجالات الحضرية ، وذلك ما افرز اشكالا متنوعة من التطور الحضري خاصة اشكال التوسع الضحوي الذي يمثل واقعا  معقدا ومتشعبا يتداخل فيه الاقتصادي والاجتماعي ، والسياسي والثقافي ” . لتكون هذه المفاهيم عناوين كبرى لإكراهات عديدة تطبع واقع حال المدينة المغربية.

ولا يكفينا في مقاربتنا هذه الرجوع إلى كل مرحلة تاريخية في ميدان التعمير على حدى ، إذ يجدر بنا أولا الوقوف عند ما تعانيه المدينة المغربية من عشوائية ،وهذا لا ينفي وجود مخططات للتهيئة المجالية سواء على المستوى الحضري أو القروي .

وما يهمنا في هذه الدراسة هو ملامسة أهم مستنقعات المشاكل التي سقطت فيها المدينة المغربية على وجه الخصوص .

وتختلف المشاكل الاجتماعية وتتعدد بالمدينة ومساهمة وثائق التعمير في تطور هذه المشاكل تتمظهر من خلال الفوارق المجالية الناتجة عن التهميش الذي خلفه سوء تطبيق  التوجهات التي جاءت بها هذه المخططات ، وذلك بالتهميش الذي طال هذه المجالات داخل الحواضر الكبرى بالمغرب.

واول مشكل مرتبط بتهميش مجالات عدة هو التناقض الحاصل في المشهد الحضري، واستمرار ظاهرة السكن العشوائي الذي يتغدى من الهجرة القروية اساسا وبالتالي يتم نقل عدة عادات وتقاليد ريفية للمجال الحضري , وهذا ما يفرغ المجال الحضري من الصورة التي يجب أن يكون عليها، والحديث هنا عن ظاهرة “ترييف المدن ” و من هنا يتمظهر لنا عدم الاندماج الحضري لفئة عريضة من قاطني المدينة فنصبح أمام مدينة التناقضات بامتياز.

كما أن التحدي الاقتصادي يطرح نفسه  بقوة على المدينة المغربية ، فبعد التطور الذي أصبحت عليه، جعلها امام اشكالية تعد من الإشكالات الكبرى، حيث يجب على المدينة توفير فرص عمل لسكانها المتزايدين باستمرار والواقع أن عدد العاطلين لا يستهان به وذلك لا يعني ان المدينة لا توفر مناصب للشغل , وإنما يرجع السبب لعدم التأهيل المهني والدراسي للشباب، فأعداد الامية مرتفعة وعدد الحاصلين على الشواهد العليا أيضا في استمرار . بالإضافة إلى أن سوق الشغل تعرف تقلبا بشكل مستمر، فحسب رأي أستاذ آخر ” فتارة تنتعش سوق الشغل في ميدان البناء وتارة أخرى في السياحة…”

المشكل البيئي مشكل يهدد المجال الطبيعي للمدينة المغربية والذي يعتبر في تكوينه مجال طبيعي هش من اصله ، حيث تعاني المدن من خصاص كبير في المساحات الخضراء، وشبكة تطهير غير مكتملة ، فضلا عن الفرشاة المائية التي تتعرض للتلوث. بالإضافة الى احتمال حدوث حرائق بالنسبة للأحياء السكنية المرتبطة بأحياء صناعية متركزة في قلب المدن، ومخاطر اخرى كالفيضانات خاصة وأن المدينة تغرق احيانا في حالة حدوث زخات مطرية عنيفة نظرا للضعف الحاصل في قنوات تصريف المياه.-التلوث الهوائي: يطرح نفسه بقوة بقوة داخل المدينة ، فعدد الشركات التي تتركز داخل المجال الحضري والتي لم تعد بعيدة عنه بفعل الزحف العمراني في كل الاتجاهات، بالإضافة الى الحجم الكبير للشاحنات والسيارات التي تجوب شوارع المدينة اصبح الحديث عن مشكل -الاستنشاق- داخل المدينة وانتشار العديد من الامراض التنفسية.

-النفايات الصلبة: يتوفر المغرب على حوالي 6 مليون طن من النفايات الصلبة، وهذا أصبح مشكلا مزعجا لساكنة المدن ،في ضل عدم تحويل المطارح أو إيجاد حلول أخرى لإبعادها عن المناطق الآهلة بالسكان.

-التلوث السمعي : يعد من المشاكل الرئيسية داخل هذه المدينة بسبب الازعاج الناتج عن حركة السير وخاصة اوقات الدروة مما يشكل خطرا على السمع وهدوء المدينة.

وانطلاق من مقاربتنا هذه لأزمة المدينة المغربية يمكننا القول على أنها لازالت مجالا للتناقضات، فسيرها نحو تحقيق استقطاب عالمي،في ضل تزايد تحديات سوسيومجالية تطرح نفسها بقوة ، يستوجب على الحكومات بدل المزيد من المجهودات لتنمية المجالات الحضرية في سبيل تخطيط حضري مندمج، يأخد بعين الإعتبار التحديات القائمة ،ويراعي جل الظروف التي يستوجب أن تتوفر للنهوض بالمدينة المغربية ، من خلال اعتماد مقاربة تشاركية لا تستثني  أي من الفاعلين للمساهمة في تجاوز أهم معيقات التنمية بالمدينة .

تعليق 1
  1. عبد الهادي أقرندو يقول

    يبقى السبب الأول و الرئيس لما تعانيه المدينة المغربية من إشكاليات مستعصية هو تهميش القرية وفقدانها لأبسط شروط العيش الكريم مما أدى إلى إفراغها قهرا من ساكنتها التي لم تجد بدا من اتباع هوس التحضر أملا في عيش يكفل لها ولأبناءها عيشا كريما،،،
    بوركت أخي الحسن،،
    تحية جغرافية عالية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.