إِرفعُوا أَيَادِيكُمْ عَنِ الرُّسُل
قم للمعلم وفه التبجيلا**كاد المعلم أن يكون رسولا بيت شعري للشاعر أحمد شوقي، لطالما رددته عندما كنت تلميذا في السلك الثانوي، بمسقط رأسي مدينة الجبلين زاكورة، منذ ذلك الحين بدأ تعلقي بالأدب، وكنت مجدا أكثر في اللغات الأجنبية الفرنسية والإنجليزية، راودني حلم التدريس منذ الصغر، أذكر ذات يوم طلبت من أستاذة اللغة الفرنسية، ما هو السبيل إلى أن أصبح مدرسا للغة الأجنبية الأولى؟ أجابتني بتفاؤل : بسيطة جدا ، أولا تحصل على شهادة البكالوريا، تلتحق بالجامعة ، تتخصص في الدراسات الفرنسية ثم تجتاز المباراة بعد حصولك طبعا على الدبلوم.
طرحت عليها هذا السؤال بعدما أنهينا الرواية condide ou l’optimisme لمؤلفها فولتير ، حيث اكتشف بطل الرواية أن الحياة تنبني على ازدواجية الخير والشر عكس ما تلقاه عند معلمه بونكلوس وخلص في الأخير أنه يجب أن نعمل كي نكسب ونرتقي وعبر عليها بعبارة” لازم نحرثوأرضنا” il faut cultiver notre terre
”لازم نحرثو أرضنا” جملة ظلت راسخة في ذهني فكافحت ، وأنا ابن قرية صغيرة تدعى تزكين بالجنوب الشرقي ، حتى حققت بعضا من أهدافي وحلمي الصغير التحقت سنة 2012 بركب الشرفاء والرسل لأخوض غمار تجربة مهنة التدريس.
لكن للأسف ، تجربتي الفتية في هذا القطاع جعلتني أقف على جملة من التناقضات و الإختلالات والتي ألوم فيها رجل التعليم بالدرجة الأولى لأنه أدار ظهره إليها. أصبحت المدرسة المغربية مثل جثمان في مستودع للأموات ، تتبادل فيه الإتهامات حول من ارتكب جرم القتل ويبقى الأستاذ هو المتهم الأول من طرف الكل كيف ولماذا؟
كلما تصفحت جريدة من الجرائد الوطنية أو إستمعت لبرنامج إذاعي أو تلفزي إلا و سمعت أن المعلم اغتصب، المعلم عنف تلميذ، المعلم هو المسؤول عن تردي أوضاع التعليم ، وقد أكد هذا السيد الوزير بلمختار في البرلمان في أكثر من مناسبة، وناذرا ما يقف الإعلام المغربي على منجزات رجال ونساء التربية أو على التعنيف الذي يتعرضون له في واضحة النهار وأمام أنظار التلاميذ والمعانات التي يعانونها في أعالي الجبال.
اتهامات غير بريئة، حتى لو كان كذلك ، فالأستاذ قبل كل شيء إنسان وفرد من المجتمع، وهذا الأخير هو مجموعة من الأفراد كل واحد يتميز بسلوكاته ، بحيث لا يمكن أن نجد مجتمعا خاليا من الظواهر الإجتماعية التي تتدخل فيها التنشأة و التأثيرات الغيرية . فا الأستاذ كفرد شأنه شأن القاضي والمحامي، البوليسي، الصيدلي ووو إذ لا يمكن أن نعتبر المجتمع كله مختل باختلال فرد ما.
يعتبر الهجوم المستمر على رجال التعليم ونسائه، فعلا مقصودا لتشديد الخناق على رواد الفكر والعلم حتى تضمن الطبقة الحاكمة ، استمرار التحكم في علاقات الإنتاج، وحتى تضمن كذلك إعادة إنتاج نفس البنية القائمة كما عبر عن ذلك السوسيلوجي الفرنسي بيير بورديو، في مؤلفه الشهيز’معاودة الإنتاچ’ L la reproduction ‘ والاتهام المباشر عبر تسخير وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة هو وسيلة لتبرير المخططات الطبقية التي تستوردها الدولة من الخارج ولإطفاء طابع الشرعية على السياسة التي تنهجها في هذا المجال.
إن المشكل الأساسي ليس في المخططات أو البيداغوجيات ،إنما في الإرادة السياسية في التغيير ويبدو أن خريطتنا السياسية في غنى عنه.
قال فيكتور هيكو’ كل طفل نعلمه هو بمثابة رجل نربحه في المستقبل” ولا شك أن الأديب الفرنسي قصد بالرجل ذلك الشخص الذي يحب وطنه ويناضل من أجل الرقي بالمجتمع وتكريس ثقافة حقوق الإنسان وليس ذلك المواطن الذي تربى على الخنوع و الإنتهازية الشئء الذي تحبذه و يحظى بتشريف من طرف الدولة.
كفى ! احترموا الفكر والأستاذ احترموا الرسل .. لقد أغاضني كثيرا ما قامت به إذاعة أصوات عندما قامت باستفتاء حول شخصية السنة واختارت المغني سعد المجرد منافس للمفكر وعالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله.. هنا يتبين
جليا مدى احترام الدولة ومؤسساتها لرواد العلم والفكر.
إننا نفتخر باإنتمائنا لهذه المهنة الشريفة و ”مصلحة أولاد الشعب ”تهمنا أكثر من أي كان، لأننا بكل بساطة لم ندرس في المعاهد والمدارس الخاصة التي يدرس فيها أبناء وزراء الدولة.
وفي الأخير أقول لكم صحيح أن الأستاذ يتحمل قسطا من المسؤولية، يجب أن نعترف بهذا ،لكن تبقى المسؤولية الأولى يتحملها الساهرون على الشأن العام الوطني لأنهم عندما يؤمنون بحقيقة التغيير وأن المشكل قاعدي وبنيوي، سيضعون أنذاك الدواء على الداء.
وحتى لا ننسى ضحايا التنسيقية الوطنية للأساتذة المقصيين من الترقية أقول لكم ، مهما فعلتم سيظل المعلم هو تلك الشمعة التي تحترق كي تنير الطريق، والرسل المبجل في أعين تلاميذه ،فارفعوا أياديكم عن الرسل.