أمازيغ على سنة الله ورسوله …!
قرأت حدثين صحيحين لرسول الله ﷺ عن المغاربة، الأمازيغ، اعتبرتهما مفخرة للمغاربة المسلمين قاطبة، ومكرمة ربانية لسكان المغرب الأقصى، وبشارة نبوية لأبناء المغرب؛ مغاربة لا فضل عندهم لعربي على أمازيغي، ولا لأسود على أبيض، جمع الإسلام شملهم ولمّ تفرقتهم، بعد أن فشلت القومية والقبلية والعنصرية وصل جبال المغرب التي تحصّن فيها الامازيغ بسهوله التي ارتع فيها العرب، وطي مسافات الرمال الصحراوية الذهبية؛ أحببت أن أشارك القراء الكرام الفرحة، وأن أزف لهم البشرى، وأن أرفع همة المغاربة، وأن يكونوا خير خلف لخير سلف.
فالسلف كانوا ظاهرين على الحق، والخلف أصبحوا متظاهرين بالحق، السلف كانوا مجاهدين، والخلف باتوا مهادنين، قال تعالى:﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾،مريم:59. نقدم الحدثين هدية السنة الجديدة لجميع المغاربة، قصد الوقوف وقفة توبة، ولحظة مراجعة، وحصة نقذ ذاتية؛ لأجل ترجمة الخطابات إلى أفعال، والتخلي على الاتهامات المتبادلة، والنزعات المتباينة، والتنابز بالألقاب، والسخرية من الاغيار، والتحلي بالحوار والمشاركة والتعاون، ليتجلى ذلك واضحا في الواقع المعيش.
أولا- أحاديث المغاربة:
أ_عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﷺ: “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة”، والمقصود بأهل المغرب، المغرب الأقصى كما يرى الإمام أبو بكر الطرطوشي، في رسالة له إلى سلطان مراكش المرابطي (الأمازيغي). حسب ما ذكر الفقيه محمد بن عبد الله التليدي في كتاب “تراث المغاربة في الحديث النبوي و علومه”..
ب- عن نافع بن عتبة قال: كنا مع رسول الله ﷺ في غزاة، فأتى النبي ﷺ قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف فواقفوه عند أكمة، فإنهم لقيام ورسول الله ﷺ قاعد. قال: فقالت لي نفسي :ائتهم فقم بينهم وبينه لا يغتالونه! قال: ثم قلت: لعله نَجِيٌّ معهم! فأتيتهم، فقمت بينهم وبينه. قال فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي، قال: “تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله”[أخرجه الإمام مسلم والإمام أحمد.]. قال نافع: يا جابر، لانرى الدجال يخرج حتى تفتح الروم!
أحاديث المغاربة، تؤكد لدينا اللقاء الذي عقد بين النبي ﷺ، في المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية يومئذ، والأمازيغ الذين يلبسون الصوف ويحلقون الرؤوس، في حوار يظهر أنه كان طويلا بلغة الإيمان وبشارة بالفتح، وهكذا يظهر أن الدعوة الإسلامية – ولا أقول الفتوحات الإسلامية لما ألبسها المستشرقين من أقنعة مزيفة- قد تلقها السلف الأمازيغ من مشكاة النبوة، وتقبلوها من الداعية موسى بن نصير، رضي الله عنه، المبلغ عن رسول الله ﷺ، لذلك فهموا الدروس واستوعبوا العبر، فبلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، وتحققت النبوءة والبشارة النبوية على أيادي العديد منهم كطارق ابن زياد الذي عبر بالدعوة إلى الأندلس، ويوسف بن تاشفين زعيم المرابطين المنتصر في معركة الزلاقة في 479هـ، وكذلك فعل المهدي ابن تومرت (أو ابن تغمرت) قائد الموحدين، هؤلاء وغيرهم فتحوا البلدان في الوقت الذي فتح فيه علماء الأمازيغ عقول وقلوب العباد، نذكر منهم غزالي عصره ومجدد قرنه الحسن اليوسي (1040 – 1102 هـ= 1630 – 1691 م) ، والفقيه الأجل الإلغي محمد المختار السوسي (ت1963م)، والمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي (ت 1963م) ابن أجدير وأمير جمهورية الريف(1921-1926م) رحمهم الله أجمعين.
هؤلاء السادة وغيرهم لم تكن اللغة أبدا حائلا دون الوفاء لإسلامهم، ولم يكن انتمائهم الجّبلّي مانعا لهم في الاستجابة إلى الدعوة إلى الله، وتبليغها إلى العالم كافة..
ثانيا- الأمازيغيزم :
نقصد ب”الامازيغيزم” ذلك المذهب المتعصب للغة الأمازيغية (الأمازيغوفون)، و ذلك الاتجاه الذي يوظف الأمازيغية أسوء توظيف، إما سياسوي (الأمازيغوبوليتيك) الذي يدغدغ عواطف الأمازيغ الأحرار وينصب نفسه ناطقا رسميا باسمهم، أو قومي تاريخاني (الأمازيغوية) يبكى على أطلال مجد حضارة ممالك الامازيغ المعايشة للرمان الذين نعتوهم بالبربرية أبشع النعوت، أيام يوكرتا وجوبا وكسيلة والكاهنة وماسينيسا وماسيبسا…
لا ينكر هدر حقوق الأمازيغ إلا معاند، وهدر كافة حقوق الشرفاء والأحرار، ولا يشك في احتقار الأمازيغ في مسقط رؤوسهم وأرض أجداهم إلا جاحد، حيث تدوس “الماكينة” المستبدة على الكرامة الآدمية، وتنزع الآلية الجبرية الحقوق الفطرية والحقوق المكتسبة، باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحق والقانون، سنفونيات باهتة وغير متناغمة تتراقص على أنغامها النخب المغرّدة، التي تغرد على جثة الضحايا والمستضعفين في الأرض، وتحطم الحضارة، وتهدم القيم، وتطمس الهوية؛ فعل الاستعمار فعلته الشنيعة يوم أصدر “الظهير الاستعماري” (=البربري) في 1930م لتمزيق وحدة المغاربة، الذين واجهوا هذا المخطط بقوة الإيمان وبتوجيهات الإسلام بقراءة اللطيف في المساجد؛ عملت السياسوية عملها الشنيع عند تدويل القضية الأمازيغية، وإنشاء الكونكريس الأمازيغي على أرض أعداء الأمس، أصحاب الظهير البربري، الذين طبقوه اليوم رغبة وطوعية بعد أن أردوه رهبة وكرها، بعد أن كانت معهم ملامح سجال في الزلاقة، وجبال الريف، وجبال صاغرو؛ عجل “الربيع” المحسوب على العرب، بتمزيغ دستور فاتح يوليوز 2011م، أمام فشل الأمازيغيزم في اقتفاء آثار “السلف الفاتح” الذين التقوا برسول الله ﷺ، في انتزاع الحق الدستوري في إنشاء “الحزب الأمازيغي المغربي”، حق الوجود السياسي، على ارض ارتوت بدماء أحرار الأمازيغ والأحرار المغاربة!، لا يشفع البكاء على الأطلال، والحنين إلى الأمجاد، اكتساب الحقوق، ولا يجدي الصوت الخافت وراء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أعلن من أجدير، ولا الصورة الباهتة وراء حروف تيفيناغ التي تلقن دقائق معدودات للأطفال؛ ولا الأصوات المخنوقة على خشبة تيميتار في سوس العالمة.
ثالثا- الأمازيغي الجامع:
تيه واضح للأمازيغي المعاصر، في المكان والزمان، لتتاجر البعض بالقضية الأمازيغية في منتديات تدعم تمزيق المغرب قبل تمزيغه، تعمل على فصل جسد الأمازيغي عن روحه، تركز على البعد المادي وتلغي الركن المعنوي، للإنسان الأمازيغي الذي قبل الإسلام طواعية دون إكراه، ولنا على ذلك الدليل القاطع والشاهد الحاضر، أما الدليل فقد سقناه في معرض حديثنا عن حضور سفراء الأمازيغ بين يدي رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، والشاهد هو السلسلسة الذهبية للفاتحين الأمازيغ الذين فتحوا البلدان وفرجوا عن الأبدان، الأمراء والعلماء، وهما الصنفان من الأمة الذين تصلح الأمة من صلاحهم وتفسد من فسادهم، أعلام الأمازيغ أعلام الإسلام؛ هذا الأمر يكشف لنا عن الخصم العنيد للأمازيغ والأمازيغية الذي هو الأمازيغيزم وفصائله (الأمازيغوية، والأمازيغوفونية، والأمازيغوبوليتيك) وقد يكون من المسلمين والأمازيغ منهم لا من الإسلام، لأن تاريخ المسلمين بدأ بعد توقف تاريخ الإسلام، كيف لا والإسلام بريء من أفعال العديد من المسلمين.. الأمازيغ أحرار، الأمازيع أعلام، أمازيغ على سنة الله ورسوله، هم أمازيغ المغرب، هم أمازيغ الكرم والتضحية والاحتضان والإيواء؛ الأمازيغي الحر هو الأمازيغي الجامع، الذي يجمع الشتات ويلم المتفرق، ويوصل المنقطع، ويأمر بالمعروف وينهى عن المكر، لا يقبل الاهانة، و لا الاستكانة، ولا يرضى بالذل، ولا يتطبع مع الظلم، ولا يحقد على الغير، ينظر إلى الماضي بمنظار الحاضر، وبتطلع إلى المستقبل بعد تقييم الماضي وتدبير الحاضر، تلك سمات أمازيغ على سنة الله ورسوله.