إلى مجنون الأمازيغ
من يقول أن ليس للأمازيغ مجانينهم فهو إما غافل أو جاهل، فالشارع المغربي يعج بمجانين كُثُر، يوظفون انتماءهم اللساني أو الإثني الضيق لاغتصاب أمهم الأمازيغية، كل ذلك مقابل دريهمات تضاف إلى مداخيل مبيعات صحفهم الصفراء التي هجرها المواطن. مجانين لا يفوّتون فرصة للهجوم على مناضلي القضية الأمازيغية وما يميزهم من نكران ذات وجسيم التضحيات، والتهجم على المشروع المجتمعي الأمازيغي وكل ما يحمله من قيم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان وأسس الفكر العقلاني الحداثي.
هؤلاء المجانين الأمازيغ، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى كون هذه البلاد بلادا أمازيغية، لا يجدون حرجا في إسداء خدماتهم الخسيسة لأسيادهم وأولي نعمتهم في الشرق العربي، وخدمة الأجندة الاستئصالية للمشروع العرو- بعثي، كل ذلك بأفكار هلامية عارية من الصحة تعتمد التضليل والتعتيم، وتنم عن تجاهل متعمّد أو جهل بيّن بحقائق الأوضاع، وتقوم على نية مبيتة للتجني الانفصامي والاتهام السكيزوفريني.
لعل النقطة الأولى التي يجب التنبيه إليها هي القصور والعجز البيّن لـ”مجنون الأمازيغ” عن التمييز الواجب بين القضية الأمازيغية باعتبارها مشروعا حضاريا ينهل من القيم الكونية وخصوصية المجتمع المغربي الثقافية والتاريخية، وبين أشخاص معيّنين لهم اختيارات فردية وتوجهات شخصية تلزمهم وتخصّهم من جهة، وبين القضية الأمازيغية وملفات لا تتجاوز الحياة الحميمية للأفراد من جهة ثانية، ومحاولة توظيف هذه الملفات للاستهلاك الإعلامي والتجاري الصرف.
إلى جانب ذلك، لم يجد “مجنون الأمازيغ” حرجا في اختزال الحركة الأمازيغية في فلان وعلان، متناسيا أن الحركة الأمازيغية نشأت قبل بلوغ من ذكرهم في مقاله المشؤوم سن الرشد، وأنها ستستمر ولو رحل أولئك الذين أساء إليهم. فالحركة الأمازيغية تيار فكري قوي خرج من رحم المجتمع المغربي ولا يعقل ربطه بنجاحات فلان أو إخفاقات علان.
إن محاولة اللعب على وتر الصهيونية وإسرائيل مردودة على صاحبها، ذلك أن السفر إلى إسرائيل من عدمه يظل اختيارا شخصيا للمواطنين المغاربة، ولا نرى حاجة في تذكير “مجنون الأمازيغ” بعدد المغاربة الذين زاروا إسرائيل ونسبة الفاعلين الأمازيغ من بينهم، فهذا التوظيف الجبان للورقة الإسرائيلية لم يعد يجدي نفعا، خصوصا أن أصحاب هذه الورقة البالية يدركون أن هناك أمورا لا يجرؤون على كشفها. فلو تم “تجريم” زيارة إسرائيل لانتفضت أطراف أخرى من خارج الحركة الأمازيغية.
تحدث “مجنون الأمازيغ” مرة أخرى عن “مداخلة مراكش” التي “تثير” انتباه الأمازيغ إلى أن حمل السلاح في وجه “العرب” هو الحل للتحرر من الاستغلال واسترداد الحقوق، محاولا توظيفها توظيفا وضيعا يدين صاحبها ويجعل منه مجرم حرب، وهي المداخلة التي لا يمكن إلا أن تصنّف في خانة التصرفات الاندفاعية والسلوكات المتهورة للشباب والتي تفتقد إلى التعقل والنضج مع العلم أنها ردّ فعل ناتج عن استفزاز أحد الإسلاميين المنتمين للحزب “الحاكم”، بل ولا تعدو أن تكون مجرد تلفظ انفعالي لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يكون نابعا من قناعة راسخة ولو شخصية، فبالأحرى أن نُلبسه لتيار فكري وأيديولوجي قائم على مبادئ النسبية والاختلاف، ويستند في طرحه الفكري على القيم الكونية وحقوق الإنسان، ويبقى من الجبن محاولة إيهام المغاربة أن القضية الأمازيغية تتبنى العنف والتقتيل وتعتمد الدم في مشروعها، كل ذلك لتصفية بليدة لحسابات أيديولوجية ومرجعية يدركها الجميع.
إن”عقد النكاح” المزعوم لا يعني الأمازيغية في شيء، فهو ليس أكثر من تصفية حسابات لصاحبته مع أحد الفاعلين في الساحة الفكرية المغربية، وهي مناسبة اغتنمها “مجنون الأمازيغ” لتصفية حساباته الشخصية مع الشاعرة المعلومة، وهو ما ورد في المقال المشؤوم بصريح العبارة، مناسبة أخرجت الوجوه المعروفة بجبنها لتنفث سمومها مرة أخرى في محاولة جديدة قديمة لتصفية الحسابات السياسوية الضيقة مع الحركة الأمازيغية.
إن ربط الحركة الأمازيغية بفكرة الانفصال باطل لا يتأسس على أي مبرر منطقي، فالحركة الأمازيغية تؤمن بوحدة التاريخ والمصير المشترك لأقطار شمال إفريقيا، وإن كان المجانين الأمازيغ يعيبون عليها ذلك، ويحاولون إيهام السذج بكون الأمازيغية تهدد “وحدة الوطن” و”تلاحم النسيج الاجتماعي”، فالمشروع الانفصالي معروف أهله والذين يتبنّون الأطروحة المعلومة بالمناسبة، ومعروف كذلك من يجاريهم ويساندهم في طرحهم التشتيتي لوطننا المغرب. أما السلم الاجتماعي واللحمة المغربية فإن أكثر من يهدّدها هم مجانين الأمازيغ ممن يلفقون التهم المجانية للحركة الأمازيغية، ويحتقرون أمّهم الأمازيغية عبر التنكر لهويتها وتاريخها وثقافتها ولسانها، وهم بذلك يستفزون مشاعر أبناء الأمازيغية الأوفياء.
إن الحديث عن الأجندة الخارجية، ذلك الرمح الصدئ، أصبح سلاحا متقادما يتعيّن على مثل هؤلاء المجانين التفكير في غيره، فالمشروع الأمازيغي مشروع من صلب الأرض المغربية ويرتبط بها كليّة، عكس المشاريع العرو- بعثية التي يمولها البترودولار وتحلم بوطن وهمي يمتد من المحيط إلى الخليج ضدا على الهوية الحقيقية للشعوب. وبالمناسبة، يجب على “مجنون الأمازيغ” أن يدرك جيدا أن المغاربة أمازيغ، بعيدا عن انتماءاتهم الإثنية واللغوية والعقدية وغيرها من الانتماءات الضيقة، فالأرض المغربية أرض أمازيغية ولا يعقل بتاتا أن يرمى الأمازيغ بالسعي إلى “طرد العرب”، بالمقابل ستظل الحركة الأمازيغية تطارد الفكر التعريبي الذي يريد وأدها حية والذي تؤدي له أنت وأمثالك خدماتكم المؤدى عنها.
فليعلم “مجنون الأمازيغ”، خريج معابد الأمازيغوفوبيا والعفلقية البائدة أن تجرؤه على الحركة الأمازيغية بنية التهويل من المشروع الأمازيغي وتشويه صورة الفاعل الأمازيغي وثنيه عن النضال المسؤول لن ينال من عزيمة الأمازيغ الحقيقيين على صنع التغيير واستكمال مصالحة المغاربة مع عمق انتمائهم كحجر أساس في عملية البناء الديمقراطي بعيدا عن كل الهرطقات التي يروج لها مجانين الأمازيغ على كثرتهم. وليعلم “مجنون الأمازيغ” أن من يعتبرهم اليوم مجانينَ هم بالفعل كذلك، لأنهم كانوا بالأمس القريب يتصدرون وقفات التضامن معه يوم كان وراء القضبان، هم بالفعل كذلك أيضا، لأنهم وقفوا له تكريما يوم مهرجان “ئسني ن وورغ” لفيلمهم الأمازيغي ظنا منهم أنه تاب من عقوقه ومعاداته لأمه الأمازيغية.