بطالة حاملي الشواهد واشكالية التمرد على المدرسة
تلعب المدرسة دورا هاما في تربية وتوجيه وتنشأت الأجيال ، كما تمكن المتمدرسين من تعلم اكتساب مهارات وآليات لتطوير الذات بغية انخراطهم في الحياة العامة، والإلتحاق بأحدى الوظائف، وخدمة الوطن.
بيد أنه وفي الحقيقة لا يمكن أن نجزم بأن التعليم في جميع دول العالم يكون لهذه الأهداف السالفة الذكر ، ففي المغرب غالبا ما ينظر إلى الهدف من التعليم بكل أسلاكه متجسدا في الحصول آخر المطاف على مهنة أو وظيفة ،على غرار أن مجموعة من الدول يمكن يتم فيها تقدير الكفاءة ليس فقط بالشواهد، وإنما تتعدى ذلك التقدير إلى مقاربة نمط التحليل لدى المتقدمين للحصول على عمل، وتجربتهم المهنية ومدى انخراط الفرد في العمل الجمعوي…
وليس من العيب أن نتعلم بهدف الحصول على العمل، وإلا لماذا هذا الجهد والتعب في التحصيل العلمي.
غير أنه في ضل التزايد المهول لعدد الحاصلين على دبلومات وشواهد عليا وعدم حصولهم على عمل يبقى محط تخوف لدى مجموعة من الطلبة اليوم ،فالكثير من المتمدرسين في الآونة الأخيرة يفضلون الإنقطاع عن الدراسة وتعلم إحدى الحرف والمهن الصغرى ، والأسباب متعددة لا حصر لها، لا تقف فقط عند الفشل المحيط بحملة الشواهد ،بل يتعداه إلى عدم قدرة المنظومة التعليمية في توفير الظروف الكاملة لمتابعة الدراسة ، ولخير دليل على هذا الطرح هزالة أعداد الذين يتابعون دراستهم في المجال القروي بالأسلاك الدنيا للتعليم أو في عدد الذين يتابعون التعليم العالي.
والظاهر اليوم أن الجميع تشكل لديه وعي منبثق من قناعة خاصة حول عدم متابعة الدراسة في ضل فشل نماذج سابقة من الأقارب أو الأصدقاء (ولد الدرب) الذين حاولوا إتمام مسيرتهم الشائكة نحو الحصول على “الدبلوم الإداري” ، ووقوعهم في مستنقع البطالة ،إضافة إلى أن إشكالية كبرى متمثلة في إعادة إنتاج الظاهرة التعليمية ، بعد أن اكتملت مؤخرا معالم صورة نمطية لدى المتمدرسين، وأولياء أمورهم على حد سواء ، أي أن من يدرس بالمدارس الخاصة يتلقى تكوينا خاصا يطبعه التجديد ،على غرار باقي المدارس والمعاهد العمومية .
وفي سياق إثبات فكرة إنتاج الظاهرة التعليمية ، يقر باحث في علم الإجتماع (علي): “أن التعليم بالمغرب ، تنطبق عليه نظرية الفيلسوف وعالم الإجتماع الفرنسي (بيير بورديو) المتمثلة في كون النسق يعيد بناء نفسه ، في ضل التفاوت الحاصل في الطبقات الإجتماعية”
ويضيف الباحث أن التكوين العلمي يخضع في جودته ، لمبدأ التفاوت حسب اختلاف الطبقات المكونة للمجتمع. وفي كلمة أخيرة ومختصرة له يقول : “ابن الفلاح يبقى فلاحا أو يمتهن حرفة، وابن الغني يأخد مكانة أبيه ويزداد غنا “
وإذا كان لابد من الدراسة بالمؤسسة التعليمية حتى يتمكن الفرد من الإنخراط في المجتمع ،في ضل انقطاع لعدد كبير من المتمدرسين ،للأسباب التي سبق ذكرها ، فقد ظهرت صيغة جديدة للتمرد على المدرسة متمثلة في تعلم الشباب إحدى المهن وفي نفس الوقت الحرص على حضور الحصص الدراسية حتى لا يخرج الطالب للواقع بخفي حنين.