درعة خلال الفترة الحديثة

0 1٬372

تقدم مصادر الفترة الحديثة وصفا هاما ودقيقا لمجال درعة، حيث يقول حسن الوزان[1](1494-1554م)، الذي زار المنطقة غير ما مرة في عهد السلطان محمد الشيخ وابنه عبد الله الغالب[2] : “درعة إقليم يبتدئ عند الأطلس ويمتد جنوبا على مسافة نحو مائتين وخمسين ميلا عبر صحراء ليبيا، وهذا الإقليم ضيق جدا، يقيم السكان على ضفاف النهر الذي يحمل نفس الاسم ويفيض طورا في الشتاء حتى كأنه بحر، ثم يجف طورا آخر في الصيف حتى يمكن عبوره على الأقدام… وعلى ضفاف النهر يتولى عدد كبير من القرى والقصور المبنية بالحجر غير المنحوت والطين، والسقوف كلها من جذوع النخل وكذلك الأخشاب، مع أن هذا الخشب ليست له قيمة كبيرة، لأنه ليفي وغير مكتنز كسائر الأخشاب … ويوجد بجوار النهر على مسافة خمسة أميال إلى ستة أميال، عدد لا يحصى من بساتين النخل التي تنتج تمرا غليظا… وتختلف أثمان التمر باختلاف أصنافه”[3].

يصنف مرمول كربخال درعة، ضمن إقليم نوميديا، وتحدث عنها بقوله: “توجد بدرعة واحات هامة على جانبي النهر يتوارث السكان الانتفاع بها ويقتسمون غلالها، وتأتي بأثمار جيدة وسميكة تصبر أكثر من غيرها في جهات أخرى، وتشكل أهم مورد لدى السكان، يوجد كل ذكر من النخل بجانب أنثى منه،  والنخلة الذكر لا تعطي إلا الأزهار والأغصان، في حين أن النخلة الأنثى هي التي تعطي التمر، وتختلف أثمان التمر باختلاف أصنافه ، لكن أرداء الأتمار تستعمل علفا للخيول والإبل، بدلا من الشعير[4].”

لعبت درعة دورا مهما في ربط العلاقة مع السودان، فشكلت مركزا تجاريا مهما لتصدير التمور إلى أنحاء المغرب وخارجه، يقول مرمول كربخال : ” يصنع تجار درعة  كميات كبيرة من النيلة، يشتريها منهم تجار فاس وغيرهم من تجار المغرب، بالمقايضة مع بضائع أخرى. ويلاحظ أن ثمن القمح في درعة غال، لأن الأعراب يجلبونه من مملكة فاس ومملكة مراكش، وبعدما يبيعونه في أسواق درعة، يشترون كميات هامة من التمر”[5].

يكتسي الوصف الدقيق الذي قدمه كل من الحسن الوزان وصاحب (إفريقيا)، أهمية كبرى في موضوعنا هذا لما يقدمانه من تفاصيل حول أهمية النخيل بدرعة وتعدد مجالات استعماله من طرف السكان، بل إنهما يعتبران أن تغذية سكان هذه البلاد إنما هي من التمور، يقول مارمول كربخال في هذا الإطار :” ويكون الغذاء الأساسي لأهل المنطقة، خلال شطر هام من السنة”[6]. كما تطرقا أيضا إلى التبادل التجاري الذي تحتل فيه التمور أهمية ضمن المواد المتبادلة، وإلى الأصناف الموجودة في هذه البلاد.

عرفت درعة قُبيل قيام الدولة العلوية، صراعات سياسية، تزعمتها شخصيات صوفية[7]، جعلت المنطقة مجالا مفتوحا أمام القبائل المتطاحنة، كان من نتائج هذه الصراعات، نسف المحاصيل الزراعية وتقطيع النخل وقتله، وهدم السواقي، ناهيك عن انتشار أعمال السلب، وقطع الطرق التي كانت تمارسها القبائل الرعوية.[8]

مع بداية القرن 11هـ/17م اهتم سلاطين الدولة العلوية بالمناطق الشمالية، فعادت القبائل الصنهاجية الصحراوية، التي تضررت من انهيار الأوضاع الاقتصادية بالواحات، واضطراب النشاط التجاري في الطرق الصحراوية، وتكتلها في شكل اتحادية، لتشكل عنصر شغب للدولة العلوية حتى مطلع القرن العشرين/14هـ.[9] ومن الطبيعي أن تتأثر الحياة الاقتصادية بتوافد عناصر جديدة على المجال، ذلك أن الفلاحة في هذه الفترة عرفت انتعاشا على حساب التجارة، التي تراجعت بشكل كبير، إلا أنها من جانب آخر عرفت ارتفاعا في أثمان المواد الفلاحية، كالشعير، القمح، التمور، وتزامن ذلك مع فترة الثورات.[10]

يصف صاحب طليعة الديعة، حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي عانت منها درعة إبان هذه الفترة بقوله : ” إن الأسعار بلغت مبلغا عظيما، المدُّ من التمر بخمسة مثاقيل، والمد من القمح بأربعة وعشرين مثقالا، وانعدمت الأقوات وكثرت الأموات في الشوارع والطرقات.”[11] بل وصل الأمر أن بعض القصور قد خلت ولم يعد هناك من يعتني بها. مما أعطى الفرصة لبعض القبائل لتهيمن على المجال.[12]

كما تميزت هذه الفترة باحتدام الصراع بين القبائل المحلية والسلطة المركزية التي فشلت في ضبط  القبائل التي اشتدت شوكتها، خاصة أيت عطا، منذ وفاة مولاي إسماعيل (1645-1727م). ولم يستطع خلفاؤه ضبط قبائل درعة  إلى حدود عهد السلطان مولاي سليمان، الذي بعث كاتبه أبا العباس التينغراسي، فأخرج قبائل أيت عطا والروحة وأولاد يحي من القصور التي اغتصبوها، ومهد تلك النواحي حتى صار ما بين درعة وسوس والفايجة مجالا للتجار، وممرا آمنا لأبناء السبيل[13].  وبعث التينيغراسي إلى السلطان ثلاثين قنطارا من المال، وست عشرة من الإماء، وأربعة عبيد وحملين من التمر، ومثلهما من الحناء.[14]

 

[1] – نذكر هنا أن حسن الوزان قد زار درعة سنة 1511م/917هـ في إطار سفارة بين ملك فاس محمد الوطاسي البرتغالي، وملك سنغاي محمد اسيكا الأكبر وسلكوا طريق الغرب(مراكش ودرعة). ( انظر الحسن بن محمد الوزان، وصف إفريقيا ، ترجمة محمد  حجي ومحمد الاخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النشر، دار الغرب الاسلامي ،ط2 ،1983،الجزء الثاني ،ص 13)

[2] – أحمد البوزيدي، مادة درعة، معلمة المغرب، مرجع سابق،  ص3993.

[3] – الحسن بن محمد الوزان، وصف إفريقيا ، ترجمة محمد  حجي ومحمد الاخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النشر، دار الغرب الاسلامي، ط2 ،1983، الجزء الثاني، ص118.

[4] – مرمول كربخال، افريقيا، مصدر سابق، ص 145.

[5] – نفسه.

[6] – نفسه.

[7] – انظر أحمد البوزيدي، التاريخ الاجتماعي لدرعة،  مرجع سابق، ص 91.

[8] – يذكر البوزيدي في هذا الشأن بعض بطون القبائل المعقلية وبني حسين، خاصة قبائل الروحة وأولاد يحي التي كانت تمارس الرعي في هوامش وادي درعة ناحية تينزولين ومزكيطة وبعض قصور ترناتة .

[9] – نفسه، ص 103.

[10] – ففي 1722م قامت ثورة القبائل بمحاميد الغزلان على اثر ارتفاع الضرائب التي فرضها عبيد السلطان على السكان ، مما أدى إلى عصيانهم، وقد واجهه السلطان مولاي إسماعيل  بجيش من تادلة وعين اسردون،  بهدف كبح المتمردين، تحصي المصادر أن عدد قتلى المخزن وصلت ستمائة قتيل، دامت المعركة أكثر من سبعة عشر شهرا، فرض فيه السلطان على سكان الواحة تموين الجيش بالتداول، انظر احمد البوزيدي، التاريخ الاجتماعي لدرعة، مرجع سابق، ص 115. وبلقايد مولاي علي، واحة لكتاوة، مرجع سابق، ص 76.

[11] – محمد المكي بن موسى الناصري، طليعة الدعة في تاريخ وادي درعه، مصدر سابق،  ص18.

[12] – تشير المصادر التاريخية إلى أن هذه الفترة عرفت تشكل اتحادية أيت عطا الصحراوية، انظر جورج سبيلمان، أيت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا،  ترجمة امحمد إحدى، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر، أكادير ، الطبعة الثانية 2011. وأيضا عبد الله استيتيتو، التاريخ الاجتماعي والسياسي لقبائل ايت عطا إلي نهاية القرن التاسع عشر، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،2011.

[13] – أحمد بن خالد الناصري، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى، دار الكتاب الدارالبيضاء،1954، ج 8 ،ص 810.

[14] – أحمد البوزيدي، مادة درعة، معلمة المغرب، مرجع سابق ، ص 3999.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.