الحماية القانونية لمستهلكي القروض البنكية الاستهلاكية
يعتبر موضوع الاستهلاك من أهم المواضيع الأكثر جاذبية و إثارة للنقاش، جاذبية لكونه يعد محركا رئيسيا من محركات دواليب عجلة الاقتصاد الرأسمالي الحديث القائم على كمية الاستهلاك و الإنتاج, و مثير للنقاش لأن المستهلك في معظم الأحوال هو الحلقة الضعيفة في علاقة اقتصادية يبقى القوي فيها دائما مزود الخدمة خصوصا إن كان محتكرها، كما هو الشأن بالنسبة للبنوك التي تحتكر خدمة تقديم القروض.
لهذه الغاية أقدمت معظم التشريعات و منذ أمد بعيد حفاظا منها على التوازن في العلاقات الاقتصادية بين المنتج و المستهلك بسن تشريعات تحاول من خلالها على الأقل ضبط مستوى معين لتلك العلاقة دون الحد منها , مراعاة لمبدأ سلطان الإرادة باعتباره أهم المبادئ التي تقوم عليها كل التعاقدات القانونية.
و في المغرب و إن كانت هناك نصوص متفرقة بين مجموعة من القوانين و المراسيم التي تضمنت أحكاما لحماية المستهلك بوجه عام , فان الحاجة قد أضحت جد ملحة في إيجاد نص قانوني مستقل و جامع يختص موضوعه فقط بحماية المستهلك يكون مواكبا لمختلف التطورات و مجيبا لمختلف الانتقادات التي طبعت الموضوع. فكان إخراج القانون رقم 31-08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك لهدف تتميم المنظومة القانونية الخاصة بالموضوع و لتعزيز الحقوق الأساسية للمستهلك خصوصا حق الإعلام و التمثيلية و الاصغاء و الاختيار و التراجع.
و بالعودة إلى مقتضيات القانون رقم 31-08 الصادر سنة 2011 نجد أن المستهلك المشمول بحماية مضامينه هو الشخص الطبيعي او المعنوي الذي يقتني أو يستعمل تلبية لحاجياته الغير المهنية منتوجا او سلعة او خدمة معدة لاستعماله الشخصي او العائلي , في حين ان القرض الاستهلاكي هو كل عملية قرض ممنوح بعوض او بالمجان من طرف مقرض(مؤسسة بنكية) لفائدة مقترض يعتبر مستهلكا. و يستثنى من نطاق تطبيق هذا القانون القروض الممنوحة لمدة إجمالية تقل عن ثلاثة اشهر أو تعادلها , و القروض الممنوحة للمهنيين و الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام , بالإضافة للقروض العقارية.
و باعتبار أن موضوعنا سينصب على حماية المستهلك من القروض الاستهلاكية تماشيا مع عنوانه فقد ارتأينا معالجته وفقا لثلاثة محاور:
أولا :حماية المستهلك المقترض قبل التعاقد
ثانيا :حماية المستهلك المقترض أثناء تنفيذ العقد
ثالثا :حماية المستهلك المقترض عند انتهاء العقد
أولا: حماية المستهلك المقترض قبل التعاقد(خلال مرحلة التسويق)
إن العلاقة التعاقدية بين المستهلك المقترض و المؤسسة البنكية تتخذ شكل محرر كتابي أي أن العقد يتم إبرامه وفقا لنموذج معد سلفا من طرف البنك. و ككل عقد استهلاكي فإن هذه العلاقة تسبقها مرحلة الإيجاب و القبول من كلا الطرفين.
- الإيجاب الصادر من المؤسسة البنكية:
و يتمثل هذا الإيجاب بحسب ما جاء به القانون رقم 08-31 بتسويق البنك لمنتوجه أو خدمته عن طريق ما يسمى بالإشهار, وقد منع المشرع تضمين هذا الأخير أي شكل من أشكال الادعاء أو الكذب المضلل والذي من شأنه ايقاع المستهلك في الغلط, و ألزم المقرض ان يبين فيه:
- هوية المقرض و عنوانه , و طبيعة القرض و غرضه و مدته و تكلفته الاجمالية و عمليات التحصيل الجزافي.
- مبلغ التسديدات بالعملة الوطنية عن كل استحقاقات أو كيفية تحديدها , و مبلغ التأمين باعتباره ضمانة من ضمانات الحصول على قرض.
- عدد الأقساط المستحقة.
- كتابة العروض الاشهارية بشكل و خط واضحين.
- القبول الصادر من المستهلك المقترض:
و يتم هذا القبول بتقديم المستهلك لطلب الحصول على قرض إلى مؤسسة بنكية معينة. وقد ألزم القانون هذه الأخيرة ضرورة تسليمها عرضا مسبقا لفائدة المستهلكين من اجل الاطلاع و التعرف على مختلف شروط التعاقد و حسم إرادتهم بخصوصه و قد خول المشرع للمقترض حق التراجع عن ذلك داخل أجل 7 ايام , وللاستفادة من هذا الحق فعلى المستهلك المقترض ان يقوم بإيداع استمارة مقابل وصل يحمل طابع و توقيع المقرض.
ونظرا لأهمية العرض المسبق الذي يبقى نموذجا مستقبليا للعقد النهائي , صار إلزاما على المقرض أن يشير فيه بشكل مقروءة و واضح الى مجموعة من البيانات , منها هوية الأطراف و مبلغ القرض و أقساطه و موضوع التعاقد و التأمين في حالة اشتراطه مع ضرورة منح المقترض نسخة من الشروط العامة للتأمين , بالإضافة إلى الفوائد و المصاريف مع التفريق بين تلك المتعلقة بالملف او الناتجة عن الاستحقاقات (…), و الإشارة إلى حق البنك في مدى قبوله أو رفضه لطلب القرض تحت طائلة ترتيب الجزاء المتمثل في صيرورة العرض نهائيا و العقد تاما فور قبول المقترض له.
و أنه حتى و لو تم التنصيص على ذلك المقتضى فالعقد لا يكون تاما في مواجهة البنك إلا بعد مرور السبعة الايام المخولة للمستهلك لتفعيل حقه في التراجع بالإضافة إلى ضرورة تبليغه بقرار منح القرض.
و مما تجدر الاشارة اليه فانه لا تستحق الاقتطاعات للبنك الا بعد توقيع العقد النهائي , و عليه فالمقترض غير ملزم بإيداع أو دفع أي مبالغ قبل ذلك التاريخ.
كما الزم القانون البنك بالإشارة في عروضه المسبقة الى بيانات اضافية بالنسبة لنوعين من انواع عقود القروض الاستهلاك, كما يلي:
أ- بالنسبة لعقد فتح اعتماد: تجب الاشارة فيه إضافة الى ما سبق بكون مدته هي سنة قابلة للتجديد بشروط يحددها المقرض قبل انتهاء مدته بثلاثة اشهر و أنه للمقترض حق التعرض عليها , غير ان هذا الحق يبقى مع وقف التنفيذ مادام ان شكلية تعرض المقترض مقترنة بصدور نص تنظيمي يحدد شكل ورقة الجواب.
ب- بالنسبة لعقد القرض المخصص: فالمقرض ملزم بالإشارة في عرضه للمنتوج أو السلعة او الخدمة الممولة و لمواصفاتها الجوهرية.
و كجزاء عام فالمقرض الذي يمنح قرضا دون ان يسلم للمقترض عرضا مسبقا بالشكل المذكور اعلاه يفقد حقه في استحقاق الفوائد , و ان كان قد استخلصها فانه يلزم بردها للمقترض او خصمها من الرأسمال المتبقي.
و قد اعتبر هذا القانون الكمبيالات و السندات لأمر باطلة اذا كانت موقعة او مضمونة احتياطيا من لدن المقترض بمناسبة استفادته من قرض استهلاكي.
و ختاما لهذا المحور فانه باستنفاذ كافة الشروط المشار اليها سابقا و موافقتها للقانون , يتم ابرام عقد نهائي بين المقرض و المستهلك المقترض الذي عليه ان يحصل على نسخة منه موقعة باعتبارها حق من حقوقه.
ثانيا: حماية المستهلك المقترض خلال تنفيذ عقد القرض
أشار القانون رقم 31-08 الى كون قروض الاستهلاك تنقسم الى أربعة انواع , و لكل نوع مقتضيات خاصة بطرقية تنفيذه , و هذه القروض هي:
- عقد القرض الخاص بفتح اعتماد:
فتح اعتماد هو وضع احتياطي مالي لفائدة المستهلك المقترض يقوم بسحب مبالغ منه في حدود سقف معين متفق عليه, مقابل اقتطاعات شهرية. و منح القانون الجديد للمقترض الحق في أي وقت بخفض احتياطه من الاعتماد او تعليق استعماله او انهائه و فسخ العقد, و حمل للبنك التزام توجيه بيانا محينا بخصوص الحساب كل عشرة ايام قبل تاريخ الاداء , متضمنا مجموعة من البيانات اهمها تاريخ حصر الحساب و تاريخ الاداء و الجزء المتوفر من رأسمال و مجموع المبالغ المستحقة و تلك المسددة.
- عقد القرض المخصص:
و هو كل عقد قرض خصص لتمويل سلعة او منتوج او تقديم خدمة معينة , و منح المشرع للمقترض الامتناع عن تنفيذ التزاماته المقابلة اتجاه المقرض الا عند تسلمه للمنتوج او السلعة او الاستفادة من الخدمة , كما حدود التزام المقترض محصور فيما استفاذ منه بموجب ذلك العقد.
- عقد القرض المجاني:
و هو كل قرض يسدد بدون اداء فوائد , و هدفه انعاش المبيعات التي يقترحها الموزعون على زبناء شركات القروض للاستهلاك , و تكون مدة تسديد اقساطه قصيرة. و بصفة عامة فللمستهلك المقترض التمسك امام مقدم هذا النوع من القروض بطابع المجانية مجابها اياه بالإشهار المعلن لذلك العرض , و قد منع القانون رقم 08-31 مطالبة المستفيد من ذلك القرض بمصاريف او مبالغ إضافية تزيد عن السعر المتوسط لنفس السلعة او الخدمة مماثلة مع غيرها.
- عقد الايجار المقرون بوعد بالبيع او خيار الشراء او المفضي الى البيع:
و هي عقود حديثة على الاقتصاد الوطني و كذا على التشريع المغربي بصفة نسبية و ترجع أصولها إلى التشريع الأنجلوسكسوني , و هو يضم في آن واحد الكراء و البيع , و أمام سكوت القانون الحالي عن حقوق و التزامات كلا طرفي المعاملة , فان ذلك يبقى خاضعا لأحكام العقد الرابط بين الاطراف و كذا أحكام كراء المنقولات و بيعها المنظمة بقانون الالتزامات و العقود المغربي.
ثالثا:حماية المستهلك المقترض عند انتهاء عقد القرض
بالعودة لمقتضيات القانون رقم 08-31 نجد أن انتهاء عقود القروض الاستهلاكية , تتم عبر طريقين:
الطريقة الأولى: السداد المبكر للقرض من طرف المقترض و ذلك بمبادرة حرة من طرفه في أي وقت يختاره و ذلك لكامل مبلغ القرض أو جزء منه , و هو حق مطلق لا يجوز للمقرض الاشتراط على ما يخالفه أو يحد منه , باستثناء عقود الإيجار التي لا تنص على كون سند الملكية سينتقل في النهاية الى المستأجر.
الطريقة الثانية: التوقف الاضطراري للمقترض و اعساره عن الأداء و يكون بعدم سداده لثلاثة اقساط متتالية بعد استحقاقها و لم يستجب للإشعار الموجه إليه, و قد رتب القانون رقم 08-31 على هذه الحالة نوعين من الآثار بحسب ما اذا كان المقترض المتوقف عن السداد نتيجة ظروف عادية او نتيجة ظروف استثنائية.
بالنسبة للحالة الأولى فالقانون حمل المقترض المتخلف عن السداد نتيجة ظروف عادية أداء الرأسمال المتبقي لفائدة البنك مع الفوائد الحالة الغير المؤداة و فوائد التأخير و تعويض عن التماطل و رده للسلعة التي استفاد منها بمناسبة ذلك القرض.
و انه بالنسبة للمقترض المكتري فله تقديم العين المكتراة للمشتري داخل اجل ثلاثين يوما من فسخ عقد القرض الاستهلاكي للمكري و ذلك بعرض مكتوب اذا لم يقبله هذا الاخير و بيعت تلك العين بسعر اقل من العرض فان المقترض يستفيد من خصم نسبة الفرق بين ثمن العرض و ثمن البيع , ما لم تكن تلك السلعة قابلة للتلف السريع.
بالنسبة للحالة الثانية و هي التي يتوقف فيها المقترض عن السداد نتيجة ظروف استثنائية , تتلخص في:
- نشوب نزاع قضائي بخصوص تنفيذ العقد , فهنا للطرف المتضرر اللجوء لرئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للمستعجلات من أجل إصدار أمر بوقف تنفيذ عقد القرض و بالتالي توقيف سريان آثاره الى أن يتم الفصل في النزاع.
- إعسار المقترض نتيجة فصله عن العمل او نتيجة حالة اجتماعية غير متوقعة , فمطالبته قضائيا من طرف المقرض لا تكون مقبولة ما لم يسلك مسطرة الوساطة , و التي إن نجحت بينهما فإنه لا يتحمل فوائد التأخير و كذا مصاريف تلك المسطرة .
و قد منح القانون لهذا المقترض في حالة فصله عن العمل باللجوء الى رئيس المحكمة المختصة ليوقف تنفيذ التزاماته الى حين تسوية وضعيته المادية.
و كإجراء جديد يسد الباب على اسناد الاختصاص المكاني للدائر القضائية التي تتواجد بمقارها الشركات المقرضة فقد ألزم القانون الجديد بأن تتم كل مطالبة قضائية أمام دائرة اختصاص المقترض خلال السنتين المواليتين لوقوع سبب تلك الدعوى , و رتب على ذلك كجزاء سقوط حق المطالبة بفوائد التأخير.