اللاجئ في موطنه
يأتي هذا المقال المتواضع لكي يجيب عن سؤال لطالما بقي يحيرني، من هو اللاجئ؟ هل هو الذي أصبح تحت رحمة وطن ليس بوطنه الأصلي بعدما تخلت عليه الأرض مسقط الرأس أو تخلى عنها بالرغم عنه؟ أما أن هناك لاجئين في وطنهم وفي مسقط رأسهم ولكنهم غرباء ولاجئين عن وطنهم؟ لقد ازدادت حيرتي حول هذا السؤال بعدما قرأت ل “مارتن هيدجر” بعض العبارات حول اللاجئ في وطنه، ولذلك أثار هذا السؤال في فضول الكتابة ولو أنني لازالت مبتدئا في هذا المجال ولكن أتمنى أن أكون موفقا في إثارة أذهانكم حول هذا السؤال.
عادة ما نعرف اللاجئ بذاك التعريف العامي الذي يعتبر بأن اللاجئ هو ذلك الشخص الذي نزح عن موطنه الأصل لأسباب خارجة عن إرادته إما: أسباب أمنية أو أسباب اقتصادية مثل المجاعة أو الكوراث الطبيعية والتي تدخل ضمن الأسباب الطبيعية، إلا أن السبب الرئيسي ربما يكون هو طغيان الحاكم والرئيس على مواطنيه.
حيث يعرف القانون الدولي اللاجئين: بأنهم الأشخاص الذين تعرضوا في موطنهم الأصلي أو البلد الذي كانوا يعيشون فيه في الفترة السابقة إلى مخاطر جدية أو عانوا من الخوف الشديد لأسباب معينة، بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي.
إن هذا التعريف هو تعريف واضح قد نسأل أي شخص عن اللاجئ ويجيبنا بهذا الجواب، ولكن ليس هذا هو اللاجئ الفعلي إنه (اللاجئ) هو الذي يكون كذلك أمام وسائل الإعلام أمام التقنية الجديدة التي أصبحت تسيطر على الإنسان، وتجعله يعيش في حيرة من أمره يعيش دائما في تياهان وضياع تجعل من حياته خاوية.
لقد جعلت فعلا التقنية بكل أنواعها بدأ من الإشهار وصولا إلى كل وسائل الإعلام اليوم، الانترنيت والهواتف الذكية والشركات العالمية العملاقة، من الإنسان مجرد وسيلة في يد هذه الأخيرة، فإذا كان الإنسان هو الذي يسيطر على التقنية وعلى كل الوسائل الحديثة فإنها أصبحت تسيطر عليه، وتستغله وفقا لإرادتها.
إن التقنية ووسائل الإعلام خاصة التلفاز فعلت مفعولها في الإنسان المغربي سواء في البادية أو في المدينة، لنأخذ مثالا لكي يتضح المقال، لقد جعلت قناة الذوزيم المغربية من الأسر المغربية مدجنة مهجنة تعيش في تياهان وفي انفصام لشخصية الأزواج المغاربة. وأصبح الزوج في حيرة من أمره في التعامل مع زوجته، هل الأصل هو ما كان يتعامل به أبوه مع أمه، تعامل فيه نوع من الصرامة والغلظة، ولكن فيه أيضا نوع من الاحترام المتبادل الذي يديم الزواج لأقصى فترات ممكنة دون حدوث طلاق أو تخل عن الأبناء؟، أم أن الأصل ما تراه زوجته في أفلام قناتنا الحبيبة؟، دون أن أوضح أكثر “لأن شرح الواضحات من المفضحات”.
هذا فيما يخص المتزوجين من أبناء بلدنا، وأتحدث هنا عن مسقط الرأس وموطن التربة التي نبتت فيها جذوري بالخصوص “درعة”، فكيف سيكون حال العزب مع هذه القناة وأخص بالذكر الفتيات؟ إنه لحال مؤلم شابات في مقتبل العمر وبسبب انقطاعهم المبكر لم يبقى لهم إلا الجلوس في البيت في أغلب الأوقات ومشاهدة الأفلام الساقطة في هذه القناة التي كلفت نفسها عناء ترجمتها إلى الدارجة لكي يتابع الكل هذه الأفلام من الصغير في البيت إلى الشيخ الكهل الذي لزم هو الأخر مكانه في البيت وأصبح يعلم أوقات الأفلام وأيامها.
أصبح هم شابتنا الحصول على زوج مثل الذي في مسلسل (مهن، خلود، منار …) كما أن أسماء أعلام هذه الشخصيات باتت كثيرة الانتشار في الأوساط القروية والبدوية، هكذا ساهمت الدولة المغربية ببرامجها وقنواتها التخريبية من تخريب عقول جل فئات المجتمع المغربي ذكورا وإناثا شبابا وشيبا، إن الشخص القريب من المجتمع ويعيش معه يكتشف ذلك جليا لا يحتاج إلى دلائل لكي يوضح ما آل إليه الأمر في بيوت الأسر المغربية.
أما إذا ما تحدثنا عن الهواتف النقالة، فالأمر أدهى وأمر شباب في مقتبل العمر ما بين (10 و12 ) سنة، أصبح همه هو الحصول على هاتف نقال جيد،وليس همه هم الهاتف فقط، ولكن ما وراء الهاتف، وهذه الأغراض كثيرة منها مواقع التواصل الاجتماعي بكل أنواعها ( الفايسبوك، والواطسب، الفايبر…) ومنها أيضا التعاطي للأفلام والصور الخليعة في معزل عن العائلة والتي لا تعرف شيئا عن ما يقوم بها ابنها بهاتفه الجديد.
هكذا يصبح الفرد لاجئا أمام ذاته وأمام مجتمعه وكل أفراد أسرته إنه يعيش اغترابا واضحا يؤدي به في أخر المطاف إلى فقدان شخصيته وضياعه أمام كل هذه الوسائل،ولكن الأمر الخطير هو أن يطول به الاغتراب ويصير ممن أحكمت التقنية حياته وأصبح لا يستطيع فكاكا منها، وأصبحت عائقا أمامه في جل حياته الاجتماعية والعملية والأسرية بالذات وهذا هو مربط الفرس فكثرا من الناس أفسدت عليهم التقنية حياتهم الأسرية وأدت بهم إلى التخلي عن أسرة لطالما كان يحلم بها قبل أن يكونها.