المدرسة المغربية : هذه المناوشات الدونكشوطية بين المدرسين والتلاميذ!

0 399

أظن،أن هذه المقالة،تتمة بصيغة من الصيغ،لسابقتها خلال الأسبوع الماضي :ماجدوى الاستمرار في إنجاب أطفال؟،لأن الاختلالات العميقة، التي مافتئت تشد المرتكزات الأساس لمؤسساتنا الاجتماعية نحو عمق اليم،هي المفسرة للعنف المتنامي بطريقة سرطانية،رمزيا وماديا،بين جنبات الفضاء المغربي.

يوشك، أن يغدو مألوفا، التقاطك لخبر من هنا وهناك، أو مصادفتك لفيديو جديد،وثق خفية لمشهد في غاية الانحطاط والتردي،أنتجه فاعلون تحت سقف مايفترض أنه ينعت بمدرسة ،للأسف الشديد !لذلك،أفضل تسمية”هيكلا إسمنتيا”،لأن المدرسة مفهوم  يتسامى كثيرا عن مانستهلكه آنيا :مدرس يشتم بلغة ماخور، تلميذا،الأخير يقذف بالأول من النافذة.تلميذ “يتمعلم” على مدرّسته ببهلوانية زائدة،كي يبعث بقهقهات ساخرة  لدى باقي زملائه.مدرِّسة، تسقط غضبها على قرارات الوزارة الوصية، بإسقاطها لحرمة مؤخرة تلميذها الصغير.مراهق، انتفخ جسده قليلا فحلق به شروده نحو جبروت الملاكم “تايسون”،بالتالي ماكاد مدرسه الذي تتآكله أمراض مزمنة وغير مزمنة،يستفسره عن كتاب المقرر، حتى أجابه المتعلم بلكمة من العيار الثقيل، أردته مترنحا بين الحياة والموت.مدرس،يتحسس شبقا حجم قضيبه،تبعا لإيقاع وقوف وجلوس تلميذاته… .حكايا بالخردة،لا تنتهي، مشينة ومقرفة،وكأن المدرسة التي يجدر بها،أولا وثانيا وعاشرا وأخيرا،أن تكون وتظل وتستمر،عقل المجتمع والورش الدائم الاشتغال،من أجل البناء النوعي للبشر،صارت لدينا على النقيض،أقرب إلى أجواء مصحة للأمراض النفسية والعقلية.

التلميذ الذي يمارس العنف أو يمارس عليه  داخل فصل دراسي،ثم يغادر ضجرا إلى الأبد،دون تمثله لمغزى مروره من المدرسة،هو طبعا ذات التلميذ، الذي سيعيد الاحتفاء بالعنف، في أشكاله الجينية والناضجة،خارج المدرسة. توقف المدرسة عن إنجاب العقول،يمثل إخفاقا للمجتمع برمته،تلزمه كي يعيد النظر في مسارخطواته، والتعامل مع القضية بالجدية المطلوبة،فالمسألة تتجاوز التلصص الإعلامي والاتجار بأعراض الناس والتفكه الفرجوي على شبكات التواصل وإدانة سريعة لهذا الطرف أو ذاك وتشكيل لجان التوبيخ وإصدار قرارات التوقيف والتقارير الشكلية واستبدال الوزير الفرنكفوني بآخر أنكلوساكسوني وإلقاء بكل البيض شعاريا في سلة التعليم اليدوي… الإشكال أبعد بكثير،عن المقاربات السطحية، التي تكون فعلا إجرائية وذات قيمة،إذا أطرها مضمون قويم وغني.سعي،يقتضي إرادة سياسية شجاعة وصادقة، من لدن كل المكونات المجتمعية،كي تستعيد المدرسة المغربية جدارتها. 

منذ سنوات ،دق الأستاذ محمد جسوس،جرس الإنذار،بجملته الشهيرة :”إنهم يريدون خلق جيل من الضباع”.حتما،اتهموا الرجل في الكواليس بأنه يهذي،وقد أصابه الخرف والهرم؟مع، أنه في الدول التي توجه اشتغالها مخططات طويلة تصل إلى جيل من السنين،تتناوب الهيئات السياسية على تنفيذها أكانت يمينا أم يسارا أم وسطا،حيث يشكل مشروع المدرسة الوطنية مقدمة المقدمات،سيتم بالدرجة الأولى،الاستناد على تأملات وتنظيرات كبار المثقفين والعلماء،كل في مجال تخصصه.توصيف المرحوم جسوس،هو تلميح مجازي،للتنديد بتفريغ المدرسة من محتوياتها الرصينة،وجعلها مجرد بنايات مادية، ينبثق من جوفها كل شيء إلا منظورات العلم والحرية الفكرية.

المدرسة المنتعشة في إطار وضعها الطبيعي،تكرس حقا مقومات مواطن بالمفهوم الأنواري للتقييم، أما حين المسار المزيف،فستلقي بثان لايرى ولايتكلم ولايسمع،ببساطة لايفهم،مما يشكل اغتيالا لآدميته،النتيجة ردود فعله البدائية المحيلة على عهود ماقبل الكتابة.

عندما ترسي بجد، لبنات مدرسة متكاملة المهام،فإنك تلقي إلى غير رجعة، على الأقل في سمها القاتل،بشتى الشرور المجتمعية الممكنة.تأصيل العملية التعليمية،في قلب المجتمع، وفق رؤية متبصرة واضحة المعالم،يعني تشكيل عجينة مواطن سوي قادر على صنع مصيره،بمسؤولية تامة.يعني أيضا،اقتلاع لجذور العنف والجريمة والخبل والانحرافات والأنانيات القاتلة والتفاهة والسطحية والعقائدية والظلامية… . من أجل إدراك ذلك،ينبغي التذكير باستمرار،أن المدرسة لاتكترث بالتجارب التقنية الشكلية،الفاقدة للروح، بل هي مشروع ورش سياسي لاينتهي،على المستوى القيمي والمعرفي والتاريخي والمدني والحضاري،يمطط سؤالا وجوديا :كيف نبني المجتمع بالمدرسة؟.

إذن، تلك التسريبات التي يتسلى أغلبنا بمتابعتها،تعتبر في حقيقة منحاها محاكمة قاسية لنا،مادمنا نتفرج على مكنونات عوراتنا،وتظهر بكيفية غير قابلة لأي نوع من التبرير،أننا نتعلق بقشة،فالضحالة المعرفية والسلوكية،التي تشي بها حجرات المدرسة المغربية،تلقي بكرة النار وليس الثلج في حجر كل مكونات المجتمع،كي يتحولوا من الجاهز والنمطي والسهل،والتخلص للحظة، من مثيرات الوزارة والبرلمان والانتخابات والمجالس والجهات وحلويات شهر أكتوبر والزعامة والمنصب والريع والمردود النفعي،إلخ، ثم يطرحوا بشجاعة وصدق الأسئلة العميقة،لأنها قضية مقدسة وشاملة ومتداخلة ودقيقة،تهم مستقبل أبناء هذا البلد.

حاليا،حتى ولو كان هذا المدرس قيمة معرفية في تخصصه،ويحظى من هذا الجانب بمكانة لدى تلامذته، فالأبقى  ذاك النموذج  الإنساني الحي، القادر على تقديمه لهم ،جانب لن توفره بتاتا الشهادة العلمية،ولا السلم الإداري،ولا ربطة العنق، لكنه مكابدة صوفية طويلة، ينصهر فيها المعرفي بالحياتي،الذكاء النخبوي بالشعبي، ومدى التجارب التي اختبرها المدرس،فزادت من سعة عقله ومنحت حسه الإنساني شفافية خاصة.حينئذ،قد يكون مؤهلا لتلمس الملامح الأولى،لوضع الأستاذية؟.

كذلك حاليا،جل التلاميذ،بمن فيهم دعاة العنف، حينما تصغي إليهم بحميمية،تجدهم بدورهم يرفضون حسب معطيات مرجعياتهم الفيسبوكية،مايتابعونه يوميا  من عنف رمزي داخل باقي المؤسسات المجتمعية،الصادر عن هذا المسؤول أو ذاك،مما يقودك على وجه السرعة إلى سؤال سوفسطائي :ماجدوى أن نبعث بملايين الصغار نحو المدارس،دون أن نلاحظ أصلا أي مفعول،لقيم المدرسة في تصرفات الكبار؟

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.