موت وحياة واحات درعة
هل عودة الماء إلى واحات درعه ينبئ بعودة الحياة إليها، أم عودة الحياة لهذه الأخيرة يتوقف لا محالة عن عودة أبنائها لها وإعادة الاعتبار لها؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الكثير من الحنكة والتبصر، لأنه سؤال مهم ومعقد في الحين ذاته، فلا يمكن إرجاع تدهور الواحة إلى سبب واحد أوحد، كما لا يمكن أن نقول بأن ازدهار الواحة كان لسبب واحد لا غير، إذ أن طرح هذا السؤال لم يأتي هكذا ومن ذاته وإنما له مبررات. لا يسع المجال لذكرها لأننا بصدد كتابة مقال موجز، والسؤال هذا يحتاج إلى بحث مركز. فإذا ما أردنا أن نعرف أسباب ازدهار الواحة أو تدهورها وجب الحديث عن أشياء أخرى لأن الشيء بالشيء يذكر.
لا شك أن الأمطار الأخيرة التي هطلت على واحات درعه، أنعشت آمال أهل الواحة بالرغم من أنهم ليسوا من المجتمعات التي تعيش فعلا على الأمطار كلية كما الحال مع المجتمعات الرحالة التي كانت تعيش على المطر، إن الماء والأمطار الأخيرة أحيت واحات النخيل، وأعادت الأمل إلى رعاة الغنم، ونحن نعرف ما للماء من أهمية في تاريخ الواحات في تاريخ المجتمعات الرحالة، وفي تاريخ كل المجتمعات البشرية.
تقول الباحثة الأنتربولوجية ” جيونيفاف بيدوشا” (Geneviève Bedoucha) في دراساتها حول واحات نفزاوة بالجنوب التونسي ” إن امتلاك الأرض يتبع امتلاك الماء” إن هذا يبرز لنا مكانة امتلاك الماء ومكانة الماء أيضا في الواحات فكلما كان الماء كلما كانت الواحة في أوج عطائها، وكلما بقي أبناء الواحة أكثر ارتباطا بأمهم الوهمية (ليس الخيالية، ولكن الموحدة كما يوحد الانتماء القبلي في العصبية الخلدونية ولو كان وهميا)، وهكذا يبقى ارتباط أهل الواحة بها كلما كان الماء بها.
غير أن هذا لا ينفي أن أبناء الواحة خاصة الشباب منهم، كثيرا ما يهاجرون دون تفكير في العودة إلى الواحة بالرغم من وجود الماء ،فإنهم كثيرا ما تخلوا عنها مهاجرين إلى أماكن أخرى للبحث عن لقمة العيش وعن حياة أفضل تخول لهم تحقيق ما لم يحصلوا عليه في الواحة، قد يكون هذا الأمر منطقيا لأن الهجرة أمر لا مفر منه ولها فوائد مهمة وتحقق رجعا واضحا على الواحة، فلما كانت الهجرة نحو الخارج مزدهرة على سبيل المثال لا الحصر، كانت الواحات تعرف هي الأخرى ازدهارا وكان للهجرة دور مهم في التحسين من وضعية الأفراد المهمشين، في واحات درعه مكان في الواحات الأخرى، وخاصة تلك الهجرة العمالية التي جاءت بعد استقلال المغرب واستمرت فيها حتى سنوات السبعينات من القرن الماضي.
إن عودة الحياة إلى الواحة رهين بعودة أبناءها والاهتمام بها، إننا لا نقلل من أهمية ومن شأن الهجرة ودورها الأساس في التقعيد لحركية اجتماعية في واحات درعه، ولكن لا يجب أن تكون لدى شباب الواحة الهجرة “السلبية” وأقول هنا السلبية معنى المغادرة دون تفكير في الواحة التي ترعرعوا فيها ومسقط الرأس الغالي، أو لنسميها ” هجرة اللاعودة” وهذه هي الهجرة التي أدت إلى ” اغتيال الواحة” خصوصا مع الألفية الثالثة، ولذلك جاء هذا المقال المتواضع لكي يناقش هذا الموضوع ( هل عودة الماء إلى الواحة يؤشر على عودة الحياة لها؟). ويأتي جوابنا، النسبي وليس القطعي المطلق، بالنفي لا، لأن الحياة في الواحة مرتبطة بعودة أبناءها لها.
فحتى إن كانت عودة الماء تشكل مؤشرا مهما بعودة الحيوية والروح إلى واحات درعه، فإنه لابد من عودة من يهتم بهذا الماء ومن يشتغل به، فكما فقدت الصحراء خاصة مجتمع البيضان مجموعة من المميزات ومجموعة من الخصائص التي تميزها وتميز أبناءها فكذلك الأمر بالنسبة للواحات، فلم يعد من يؤبر النخيل ولا من يحرث الأرض، ولا من ينتظر السنبلة حتى تخضر، ولا الشجرة حتى تتمر، وهكذا تموت الواحة طبيعيا كما ماتت اجتماعيا وثقافيا أيضا.
مقال في درجة بالغة من الاهمية, لكن السؤال الاهم هو: كيف يمكن اقناع شباب المنطقة بالعودة اليها و محاولة الاستثمار فيها, ما هو الضامن لنجاح مشاريعهم واستمراريتهاّ ؟
للاجابة عن هذا يجب انخراط جميع الفعاليات المحلية في هذا الورش الضخم.
ان تحقق هذا, فلربما استغنينا عن مجموعة التخوفات و التساؤلات التي تطرح الان حول نية بعض السياسيين في التحكم والاستحواذ على مقر الجهة “جهة درعة تافلالت” لان الانسان الدرعاوي سبق له ان بنى -بسواعده- مدنا مغربية باكملها في فترات العسر, وكيف لا يستطيع بناء مدينته في فترة اليسر؟