فرص جديدة للإصلاح ومحاربة الفساد ..ماذا عن استغلالها ؟

0 379

يبدو أن اقتراب نهاية ولاية الحكومة الحالية حبلى بالفرص المتاحة لإصلاح ما أفسدته الأيام والسنوات الخوالي، وما جرته من انتقادات بالجملة حول الهوة بين خطاب الإصلاح /محاربة الفساد، وبين الواقع، أي بين الالتزام وبين الوفاء به.

         فإذا كان الحزب المتزعم للتجربة الحكومية قد جعل من محاربة الفساد ورقة رابحة في خطابه الانتخابي الذي أوصله إلى الريادة السياسية، وبالتالي قيادة مرحلة جديدة من التجربة الحكومية والدستورية بالبلاد، فإنه ومنذ بداية التجربة ظل متشبثا بقناعته وقدرته على محاربة الفساد والمفسدين، حين علق الشعب المغربي بأغلب شرائحه خاصة المسحوقة منها، آمالا كبيرة على الخطاب الجديد الذي بدا قريبا من هذه الطبقات، يلامس همومهم وقضاياهم ويعد بحلها جدريا عبر مدخل أساسي هو محاربة الفساد، فبدأت المبادرات الحكومية الفردية تتراءى للملأ سواء من خلال نشر لوائح المستفيدين من بعض أوجه الريع سواء في قطاعات النقل أو التعليم، وكذا من خلال المبادرة الجماعية عبر قطع الطريق عن التدفق غير الممنهج على الوظيفة العمومية بدون معايير الاستحقاق والمساواة في شروط الولوج ووفق أساليب تنفرد بها الدولة المغربية ما قبل دستور 2011…

غير أن خطاب محاربة الفساد وإعادة الاعتبار لسيادة القانون في المقابل، بدأ بشكل تدريجي في التدحرج إلى الوراء مما دفع برئيس الحكومة غير ما مرة سواء في اللقاءات الرسمية أو الحزبية إلى التشكي من مقاومة جيوب الفساد ومحاولة عرقلة التجربة وإفشالها عبر عدة مداخل أهمها إحجام رؤوس الأموال على الاستثمار ونهج سياسة التراجع والانتظارية، وكذا قضايا أخرى من قبيل التشغيل والمرأة، بل وصل الأمر إلى التصريح بأن الفساد هو من يقاوم الحكومة وليس العكس.

وهكذا، بدا جليا تراجع الخطاب “الرسمي” عن الحدة التي كان عليها، وفهم القائمون على الشأن العام أن التدبير العقلاني لشؤون البلاد والذهاب بها إلى بر الأمان من “حر الربيع الديمقراطي” لا يكون بالاندفاع أو التهديد والتهديد المضاد، بل يكون بإعداد الخطط المحكمة واتخاذ الاستراتيجيات المتوسطة والبعيدة الأمد التي لا تحرم الأجيال المقبلة من حقها في التنمية والعيش الكريم.

وإذا كان شعار محاربة الفساد ذو حمولة سياسية وإيديولوجية كبيرة، فإنه في مقابل ذلك ينطوي على نية الإصلاح والتغيير والمضي في تحقيق الطموحات الشعبية التي وجدت من أجلها الحكومات وقام على أساسها اختيار الساسة والمدبرين، متي كان هذا الشعار صادقا في شكله ومضمونه، ومترجما إلى برامج ومؤشرات وأهداف.

إن فرصا جديدة متاحة أمام الحكومة من أجل ترجمة نيتها في الإصلاح، فقد زفت للحكومة أخبارا أقل ما يقال عنها أنها مطمئنة من أجل المضي قدما في التحكم في نفقات الميزانية وإعادة الثقة للاقتصاد والوطني وتحقيق تنافسية المقولة، ليس فقط على حساب الطبقات المتوسطة والفقيرة، وإنما من حسنات تقلب السوق الدولية حيث “انهارت” أسعار المحروقات، التي تكلف الدولة مبالغ ضخمة، ونزل سعر الأورو مقابل الدولار وبالتالي انخفاض عملة الأداء في التعامل مع الاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي رئيسي للبلاد، كما يعرف المغرب أمطار الخير الاستثنائية هذه السنة تنذر أيضا بموسم فلاحي استثنائي وما يترتب عنه من تبعات إيجابية على الاقتصاد الوطني وعلى الإنسان المغربي الجانح نحو الأمن النفسي والروحي.

فرص جديدة لإظهار العزم على الإصلاح ومحاربة الفساد ذلك التجاوب الاستثنائي الذي عرفه إجراء المساهمة الإبرائية التي تحققت نهاية السنة الماضية والتي تدل على قوة الثقة في المؤسسات وفي مصداقيتها بغض النظر عن طبيعة الإجراء ومنهجية تبنيه، وهو ما يقتضي تفعيل المساطر القانونية في حق المخالفين ومهربي الأموال بدون سند قانوني.

فرص جديدة أثارتها أيضا إعلان المجموعة البنكية السويسرية العملاقة “HSBC” عن رفع السرية على الحسابات البنكية لعملائها، الذي يشكل المغاربة منهم نسبة مهمة، حيث سيكون الاختبار عسيرا للحكومة في إظهار قدرتها على تطبيق القانون على الأقل بالنسبة للعملاء المدينين للدولة بالضرائب والديون العمومية والذين “لم تستطع” الوصول إلى حقيقة ثرواتهم أو مكان وجودها على أرض الوطن.

إن الحديث عن محاربة الفساد لا ينبغي أن يتخذ بعدا عقابيا أو انتقائيا وإنما ينبغي توجيهه نحو عمق الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تعترض الدولة خاصة في فترة الأزمات، بل والعمل على استغلال مختلف الفرص التي تتيحها الظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية لتخفيف بعض من الأعباء التي يتحملها المواطن، سواء جراء ارتفاع الأسعار، أو من عدم مواكبة الأجور والمرتبات لمتطلبات العيش الكريم لدى شرائح واسعة من المواطنين، من خلال اعتماد مقاربات متعددة الأبعاد تخلق مصادر الثروة وتنميها وتساهم في استقرار رؤوس الأموال وتراعي في ذات الوقت المعطيات الاجتماعية والثقافية لمكونات الشعب المغربي، بعيدا عن أي استغلال سياسوي أو انتخابوي قد تلوح به المرحلة.

إن إنجاح التجربة السياسية الجديدة التي دشنها الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011 وتطوير ممارسة تدبير الشأن العام وفقا لمبادئ وروح هذا الدستور، تقتضي اعتماد الواقعية في الخطاب السياسي والتسلح بالمنهج الرصين في معالجة قضايا المجتمع بعيدا عن الخطابات الجوفاء أو ذات الحمولات الإيديولوجية النفعية، التي قد تصدر من هذا أو ذاك، ودون التحامل على مستقبل الأجيال المقبلة التي ينبغي التفكير فيها، كما فكر لهذه المرحلة جيل الاستقلال والوطنيين الأحرار في صراعهم من أجل الكرامة والحرية ضد كل مستعمر أو مغتصب أو ماس بالوحدة الترابية وبمقدسات البلاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.