منهج الاصلاح البيداغوجي
تعتبر أبحاث الخبير التربوي النيوزيلندي John Hattie أشمل تحليل للدراسات التربوية على المستوى العالمي,اذ تضمن كتابه ” التعليم المرئي ” الصادر سنة 2009 بحثا هاما أنجزه خلال 15 سنة و اعتمد فيه على نتائج 800 تحليل ل 50000 دراسة شارك فيها 250 مليون تلميذ حول عناصر التعليم الجيد و التي حددها hattie في 138 عنصرا مؤثرا. و قد اعتبر الكثير من الباحثين هذه الدراسة بمثابة زلزال يعصف بكل الاصلاحات البيداغوجية عبر العالم ,اذ وصفته الصحف بأنه <<أكثر علماء التربية اثارة للجدل >>. لذلك ارتأينا أن نعرض في هذا المقال لبعض أرائه و أفكاره اقتباسا و ترجمة من بعض المواقع الالكترونية لأن المؤلف لم يعرف بعد طريقه الى مكتباتنا وجامعاتنا.
يؤكد John Hattie أن ما أثار شكوكه حول النظريات و الاراء المتعلقة بالتعليم الجيد هو كونها دائما تصل الى نتائج مختلفة رغم اتفاق الظروف المحيطة بالمدارس ,لذلك قرر أن يحلل كل تلك النتائج و الأبحاث و ترتيب العناصر المؤثرة في الدرس بناء على درجة تأثيرها في جودة التعليم.و قد أشار الباحث الى أن المقياس الذي اعتمده هو درجة التقدم التي يحققها كل عنصر في التعلم.
أ-اصلاحاتنا مجرد ضياع للوقت و المال العام :
لعل أكثر ما سجله John Hattieهو أن ما توصلت اليه أبحاثه تتعارض تماما مع كل النقاشات و الاصلاحات التي يجريها الخبراء التربويون و المسؤولون,و التي تركز على اصلاح الهياكل الخارجية للمدرسة و طرائق التدريس .و يقول بأن تلك الاصلاحات تقع في نهاية سلم العناصر المؤثرة على نجاح التعليم.فلا اعتماد الوسائل الحديثة من كمبيوتر و سبورة تفاعلية و لا اعتماد التدريس المفتوح و لا اعتماد فصول بعدد أقل من التلاميذ سيحقق نتائج أفضل في المدرسة .
ب-المدرس,العنصر الحاسم في معادلة الاصلاح :
يرى John Hattie أن المدرسين لا يستطيعون تغيير مستوى ذكاء التلاميذ ,و لا يقدرون على اذابة الفوارق الاجتماعية و ما يترتب عن ذلك من تفاوت الحظوظ في الثقافة و الاستعداد للمدرسة,لكن ما يقدرون عليه هو تغيير طريقتهم في التدريس لتحقيق نتائج أفضل.و يدلل على قوله بالتنبيه الى أننا نجد دوما نتائج مختلفة من فصل دراسي الى اخر رغم اتفاق الظروف المحيطة بالمدرسة.و نرى أن بعض الأساتذة يحققون نتائج أفضل من غيرهم وفي ظل نفس الظروف و بفارق كبير قد يصل الى سنوات دراسية.و يضيف أن كل منا يتذكر طوال حياته مدرسا أو مدرسين رغم كونه قد تتلمذ على يد الكثيرين, لكننا نتذكر أولئك لأنهم كانوا متميزين و جيدين.و عليه فان أهم عنصر في التعليم هو المدرس.
و يشير هاتي الى أن المدرس الجيد هو الذي يشعر بالمسؤولية تجاه تلاميذه و الذي لا يتردد في اختبار جودة دروسه و لا يعتقد بأنها مثالية.و الذي يهتم بالكيف لا بالكم, فاذا لاحظ بأن متعلميه غير قادرين على الاستفادة من شروحه فعليه أن يغير طريقته ليصل الى نتائج أحسن.كما يشدد الباحث أن المدرسين وحدهم هم القادرون على انجاح حصصهم و دروسهم.
كما يرفض John Hattie دعوات التربويين بأن يتراجع دور الاستاذ داخل الفصل ليصير مجرد موجه للحوار بين التلاميذ و مسهل للتعلم و محفز عليه و التركيز على التعلم .و يقول الباحث أنه لم يجد دراسات و أبحاث جادة تثبت أن التقدم في التعلم بهذه الطريقة يكون أجدى من التركيز على الأستاذ.و يدعو الى أن يكون الأستاذ هو المهيمن,يتابع كل التفاصيل و يتحمل المسؤولية عن تلاميذه,و لا يرضى بأن يكون مستواهم متوسطا.
ج-التكوين الجيد للأطر ضمان للجودة :
ينفي John Hattie أن هناك أشخاصا و لدوا ليكونوا مدرسين موهوبين,و يرى على العكس من ذلك أن مهنة التدريس قابلة للتعليم و “التمهير” كالطب و الهندسة و باقي المهن و الحرف.و يؤكد أن الاخفاق و القصور الذي يعانيه التعليم يبدأ من فترة اعداد المدرسين ,اذ يعتبر مؤسسات تكوين و اعداد الأطر التربوية من أسوأ المؤسسات اعدادا للخريجين .
تساؤلات لابد منها :
بعد هذا الاستعراض المختصر لرؤية الخبير النيوزيلندي حول عناصر التعليم الجيد , يحق لنا أن نتساءل :
– أ لا يدرك الجميع أن الاستاذ هو أهم عناصر العملية التربوية و أنه الحلقة الرابطة بين المعرفة “البضاعة” و التلميذ “الزبون” ؟
– هل فعلا المسؤولون التربويون في بلدنا أغبى من ادراك ذلك ؟
– اذا كان الأستاذ هو العنصر رقم واحد في سلم العناصر المؤثرة في العملية التربوية,فلماذا تنفق حكومتنا ملياراتها على اصلاح الهياكل الخارجية للمدرسة وتتجاهل مطالب المدرسين بل وتحط من مكانتهم عبر قنواتها النتنة ؟
-لماذا يستورد مسؤولونا البيداغوجيات الغير المفهومة (الادماج) ثم يستأجرون الخبراء و يغيرون المقررات في حين أن الطرائق لا تختلف في جوهرها و أن الفاعل و المفعول و التوابع و الحرارة و الضغط والمادة و الشمال و الجنوب ونظمة العد و الزاوية و الوضوء و الصلاة و…..لم تتغير ؟
– متى سيدرك المسؤولون التربويون أنهم ممعنون في الخطأ متنكبون طريق اصلاح البلاد و العباد ؟
– لماذا يصرون على تكرار تجاربهم المدمرة لحياة أبنائنا وبيئتنا و الهادرة و الناهبة لثرواتنا ؟