غِيرَة هامسة في أذن واعية

0 373

   أنتهز فرصة راحة بال شقيقتي المرأة، وفراغها من ضوضاء الإعلام وأبواق الأحزاب التي تتخذ 8 مارس موسما نسائيا سنويا، وسوقا عالميا مؤنثا تُروج فيه السلع التي تلسع النساء وتدغدغ عواطف المرأة. المقهورة، والمهضومة الحقوق، والمكسورة الخاطر؛ حاشا أن يصدر ذلك من الرجال وإنما من الذكور الذين استغلوا صدقك، ووفائك، وحنانك، وعطفك، وإنسانيتك. كفى الرجال احتكارا لقضية المرأة، كفى الذكور النطق باسم النساء؛ فللمرأة أهلية كاملة، وللنساء شخصية مستقلة، قادرة على التعبير عن نفسها والمطالبة بحقوقها دون وساطة ولا وكالة. أحدثك يا أختاه همسا وغيرة، عن الأمر الذي لم يتحدث لك به تجار قضيتك، رغبة لا رهبة، ويكون لك الاختيار، لأنني سأخاطب فيك الفطرة، وصفاء القلب، ووعي العقل، وسمو الروح، وعلو الهمة، والعزيمة الرفيعة، والإرادة القوية، والشخصية القوية. المرأة مرآة المجتمع ولا ينبغي أن تكون مرارة عليه، صقلها يزيدها نصاعة، وتكوينها يزيدها صناعة، والكذب عليها يطليها صباغة.

1-البداية المشرّفة:

   أختاه الفاضلة، أختاه العزيزة، أختاه الغالية، أختاه رمز الطهر والعفاف، أختاه الحافظة للغيب ،أختاه حرث نسل الأمة، أختاه الشجرة المباركة التي تأتي أكلها كل حين بإذن ربها، أختاه الشامة في أعين أعداء الأمة، أختاه التي كنت الوصية العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يغادر هذه الدنيا الفانية، أختاه الحاملة لمشعل العناية والرعاية، أختاه … أهمس في الأذن، خوفا عليك ورجاءا منك، تعظيما لشأنك لا تحقيرا لقدرك، فأنت يا بنت حواء لا يكرمك إلا الكريم ولا يهنك إلا لئيم، أنت الأم والجنة تحت قدميك، وأنت الزوجة الصالحة وبركة من بركات الدنيا، وأنت أخت الآخرة، وأنت بنت الدعوة الداعية إلى الله تشريفا وتكليفا.

       أهمس إليك بالعلم بالدين، والعمل بالدين، والعمل للدين؛ لا لأنني أنكر ذلك عنك!؟، حاشا ماعدا لله؛ هي همسة أقرب إلى النصيحة وأبعد من الفضيحة؛ هي استنهاض و تجديد للعزم، والسير على الدرب للوصول. وإياك والالتفات إلى ما عند الغير، فالملتفت لا يصل! أدعوك للاطلاع على الحقائق التي تخصك طرية من مصادرها، دون وساطة ولا تأويل. فيكفي المرأة كذبا أن تصدق ما يقوله عنها البعض وينسبونه إلى الإسلام، فمن قال لك يا أختاه قال عنك! ومن نقل لك نقل عنك! يجب الوعي بأن المسلمين ليسوا كلهم سفراء عن الإسلام ولا أمناء في التبليغ، فلا يحسب على الإسلام السلوك الشاذ والممارسة الرديئة لبعض المسلمين. ولا تبهرك نجومية المرأة الغربية، التي نظن أنها تلمع في سماء الشهرة وهذا اللمعان ماهو إلا السراب وانعكاس الأضواء؛ المرة الغربية غُرِّرَ بها لما فقدت أنثتها المعنوية وفارقت روحها جسدها, يكفي المرأة المغرر بها ذلا أن يخطف زوجها اسمها ونسبها، بزواج مدني لا دخل للأخلاق فيه، ولا مكان للدين فيه، ولا وجود للعفة فيه. لك أن تفخري أن لك سابقة في التاريخ، وحظا في بناء المجتمع، وغناء و خبرة. منحها الإسلام لك لم يكن لك ذلك في الجاهلية الأولى ولا في زمن الفتنة المعاصرة، فتنة اختلط عندك فيها الحق بالباطل. وإن جلاء ذلك يكون بفهم الحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لن تضرك الفتنة ما عرفت ديناك”. علم بالدين والعمل به والعمل له.     

أولا- العلم بالدين :

اعلمي يا حبيبة القلب، أن الله تعالى لا يعبد عن جهل فهو القائل:” فاعلم أنه لا اله إلا الله”( محمد: 19)، والقائل أيضا “سنقرئك فلا تنس”( الأعلى: 16)، أنت ستعرضين قريبا على الله في يوم التغابن، ويا سعادة فائزة برضا الله، ويا شقاوة من لحقلها سخط الله فلا نهاية لحصرتها. لأجل هذا فليعمل العاملون والعاملات، عمل في دار البلاء والابتلاء سجن المؤمن وجنة الكافر، الكيس فيها من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، الفاطن فيها من شيد فيها لنفسه من العمل ما يلحق به في الآخرة ويجلي ظلمة القبر وهول اللحد، في الثلاثة التي يمتد بها عمل المؤمنة الشاهدة بالقسط:”علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له”، لا مفر لك من صحبة في سرب الإيمان (رجاء ابحثي في سورة العصر) للخلاص الفردي ووقايتك من نار” وقودها الناس والحجارة”، والتخليص من هيمنة النفس والهوى وطاغوت الشيطان. الله تعالى أقام علينا الحجة ببعث النبي صلى الله عليه وسلم قائلا له: ” لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل”، وبعد النبي صلى الله عليه وسلم هناك العلماء ورثة الأنبياء وأمنائهم قال سبحانه وتعالى: ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”، فالعلم يا أختاه إمام العمل ،والعمل بل علم عشوائية و تخبط. رجاءا ارجعي إلى تفسير سورة الفاتحة أم الكتاب، والسبع المثاني، والتي نرددها أزيد من سبعة عشر مرة في الصلاة، نقف عند معنى الضالين والمغضوب عليهم، علما بهم لنتجنب عملهم، ونتزّيل عليهم بالكينونة مع الذين انعم الله عليهم. فالمرء يبعث مع من أحب، اللهم ارزقنا محبتك ومحبة نبيك، ومحبة أوليائك وأصفيائك ،واحشرنا معهم أمين.

ثانيا- العمل بالدين :

شرفك، يا أختاه هو هذا الدين، الذي ارتضاه الله تعالى للناس، هل تعريفين قدر قيمتك عند الله؟ والمهمة التي انتدبك إليها يا رمز الحافظية – المتكاملة مع القوامة الرجلية- التي تحدث عنهما كتاب الله عز وجل في الآية 34 من سورة النساء .( فضلا ارجعي إلى المصحف الشريف وتدبرها). لذلك كانت الوصية العظمى لنبينا عليه الصلاة والسلام للنساء؛ مهمة شريفة وقيادية للمرأة أم الأطفال وزوجة الرجل وأخته وأمه؛ ومهمة تكليف ومسؤولية حافظة لغيب الرجل، وحامية لظهره. العمل بالدين مقام عظيم ومنزلة سامية، وتوفيق من الله، كما قال عز من قائل :”ونيسرك لليسرى”. فالعمل بالدين بعد العلم به، شكر أولا لنعم الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أفلا أكون عبدا شكورا”، طريق الشكر في العمل بالدين سنة نبوية، أما المجاهدة والتشدد والتنطع والتزمت والانغلاق فماهي إلى مظاهر وبدع من الدين، وما هي إلا شرة (شعلة التبن) سرعان ما تطفئ، وماهي إلا صبيانية في الطريق إلى الله، ومرحلة الصبا ما هي إلا لعب ولهو. صعب والله ،اليوم، معرفة الحد الفاصل بين طريق الشكر وطريق المجاهدة، فالفروق لا يعرفها كثير من الناس لأن العمل بالدين ليس إعفاء اللحية عند الرجال وتغطية الشعر عند النساء،”الكاسيات العاريات”، نساء حائرات بين مواعظ عمرو خالد، ورقصات عمرو دياب. هذه حيرة بالنسبة للمقبلة على الله وفتنة عارمة للأمة: اختلاط الحق فيها بالباطل؛ فقد نذب الله الأنبياء والرسل، ثم العلماء ورثتهم من بعدهم قال تعالى :”الرحمن فاسأل به خبيرا” وذلك لتذليل الصعاب وتفسير الغموض وإزالة اللبس. وإتباع سبيل وطريق من أناب إلى الله، هي الخلاص الفردي حيث يقول أيضا :”يا أيها الذين امنوا لا يضركم من ظل إذا اهتديتم”؛ والخلاص الجماعي حيث يقول سبحانه وتعالى: ” قو أنفسكم وأهليكم نارا” بعيدا كل البعد عن الأنانية الفردية، النفعية أو البركماتية بلغة الفلاسفة. العمل بالدين هو العمل الصالح على مطلقه، وهو العمل الذي يقبله الله تعالى ويعود بالنفع لصاحبه وعلى المجتمع، فلا يكون أي معنى للعلم والإيمان دون العمل.  

ثالثا- العمل للدين :

يا أختاه، لبينة أريدك أن تكوني لإكمال بناء صرح الأمة كما بنته أمهاتك المؤمنات، وعماتك الصحابيات، وخالتك التابعيات، وأخواتك الداعيات؛ لا تكون معولا كما تفعل الهيفات وأخواتها، عفا الله عنا وعنهن، وشتان بين اللبينة والمعول، وبين البناء والهدم. يقول الله تعالى :”فذكر إن نفعت الذكرى”. داعية أريدك أن تصبحي يا أختاه لا دعاية تسوق الوهم لبنات المسلمين، وتخدعهم بالأقنعة الملطخة وبالمساحيق الكيماوية، والتي تسلط عليها أضواء الشهرة، أو القبس من نيران الشيطان يتم فيه عرض المحاسن أمام الذكور أشباه الرجال في الحضارة بل الحظيرة الدوابية، تبيع فيها أمَة الله دينها بعرض زائل من الدنيا. يا أختاه لا أريدك أن تلعني هذا الظلام بل أريدك أن تشتعلي فيه الشموع لجلاء الظلمة. لكن كيف لكي أن تشعلي هذه الشموع لوحدك خاصة إذا كانت الزوبعة والتيار الجارف أقوى منك. ها أنا ارجع بك مرة أخرى إلى اختيار الكينونة مع سرب مؤمن، قال تعالى:” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الغداة والعشي، يريدون وجهه”، فكثير من الناس لا يريدون الله ووجهه، وإنما يريدون ما عند الله. فالعمل للدين هو الدعوة إلى الله تعالى :

  • الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد، قال الله تعالى :” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين “
  • الدعوة إلى الله أمانة، قال تعالى :”إن عليك إلا البلاغ”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”بلغوا عني ولو آية “.
  • الدعوة إلى الله رسالة يجب أن تبلغ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا”.
  • الدعوة إلى الله، شكر لله؛ وعيش في كنفه، ومصدر نابض للأرزاق المادية والمعنوية

شتان بين المؤمنة التقية النقية التي تُدخل ابنها، وزوجها، ووالديها الجنة، وتُلبس أهلها ووالديها حلة التقوى بفضل حفظها لكتاب الله تعالى، وتشفع للعشرات بفضل القرآن الكريم الذي حملته في صدرها وجوفها، هل تستوي مع التي خربت صدرها بالغفلة والركد وراء الشهرة الزائلة، حاشا الفاضلات.

2- النهاية المشرقة:

يا أختاه ارحمي نفسك وارحمنا وارحمي الأمة وارحمي البشرية، من التبرج الذي هو حق زوجك، وتذكري أن حريتك تنتهي عند حرية الآخرين، وأن جمالك تاج خصك الله به؛ من فظلك أدي حق شكره بستره وعرضه على من له الحق فيه ولا تغيري خلق الله ومسخ الفطرة بالمساحيق المعجونة والألوان المزركشة. اتخذي القرار الشجاع، اتخذي المبادرة الناجحة اتبعي سبيل من أناب إلى الله، تحرري من الأوهام والشعوذة والهواجس، وحرري نفسك بالعلم والاطلاع الواسع ورسم الأفق والتخطيط لليوم قبل الغد… كفاك قيام الحجة عليك، كفاك من اللامبالات ،انتفضي، اصحي ،أفقي، انتبهي، انهضي، قومي، حاسبي نفسك قبل أن تحاسبي، زيني أعماك وزينها قبل أن توزن لك. اجعلي مراقبة الله بوصلتك، ولا تنس مراقبة الناس فشهود الدنيا هم شهود الآخرة قال تعالى :” وكذلك جعلنك امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”. ويا سعادة من كان له رسول الله صلى الله عليك وسلم شهيدا وشفيعا له يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، يوم تنتهي الأنساب وتقدم الأعمال.

  • يا أختاه، أريدك لك لا لنفسي .
  • يا أختاه، أريد لك توبة نصوحا وإنابة ورجوع إلى الله .
  • يا أختاه، كوني صادقة مع نفسك لتكوني صادقة مع الله.
  • يا أختاه، أريد لك ولادة قلبية وصحوة إيمانية وهمة عالية .
  • يا أختاه، كتب الله لك الجنة والاستمتاع برؤية وجه الله تعالى .
  • يا أختاه، تعلمي الدين، واعملي بالدين، واعملي للدين.
  • يا أختاه، إياك والتقليد الأعمى، وعليك بالإبداع الهادف.
  • يا أختاه، اشغلي فراغك مصداقا لقوله تعالى:” إذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب”.
  • يا أختاه، الحياة ساعة فاجعليها في طاعة .
  • يا أختاه، السفر طويل والزاد قليل، قال الله :”وتزودوا فان خير الزاد التقوى”,
  • يا أختاه، منتجة أريدك لا مستهلك .
  • يا أختاه، صانعة الأجيال أريدك أن تكوني لا مضيعة لها.
  • يا أختاه، معرفة أريدك لا نكرة مقصودة.
  • يا أختاه، مسلمة أريدك لا مستسلمة .
  • يا أختاه، عالية المقاصد أريدك أن تكوني لا منكسرة الجناح والإرادة .
  • يا أختاه، أمَة الله أنت ،لا أمَة زيد وعمرو من الناس .
  • يا أختاه، لبينة البناء أنت، لا معول الهدم أنت .
  • يا أختاه، فارس أحلامك رزق ضمنه الله لك، وإياك من الثقة بسارق الأحلام.

يا أختاه، الدعاء رابطة قلبية ومخ العبادة؛ وهو حق لي عندك فلا تبخلي علي به، وأعنني على نفسك بكثرة السجود. وحصني نفسك بالذكر. واغتنمي فضائل الأعمال والأيام الفاضلة وساعات الإجابة: الجمعة الزهراء، وسهام السحر، والصيب النافع، والرياح اللواقح و… كوني قناة دعوية تواصلية، و أكثري من الشهود والشواهد يوم العرض على الله. موتي والله راض عنك، موتي وأنت للوالدين طائعة، موتي سليمة القلب، موتي وأنت تغرسين فسيلة دعوية، وأثارا وبصمات تشفع لك يوم العرض على الله تعالى، موتي على أفضل العزائم وأنت كلك ثقة بالله وعلى أعظم النيات. فالناس يبعثون على نياتهم، وإنما الأعمال بالنيات ، وإنما الأعمال بالخواتم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.