واقع الأسرة وأسرة الواقع
إن التقدم التكنولوجي الحاصل في العالم والذي مس شتى مجالات الحياة ، لم تسلم منه الحياة الاجتماعية ،وأخص بالذكر الأسرة ، فإن كان لهذا التقدم جوانب إجابية ، وهذا لا يمكن لأي فرد إ نكارها أو ينكر وجوده وأهميته في الحياة اليومية ،ففي الوقت نفسه لها جوانب سلبية بدأت أثارها تظهر وتندر بمخاطر ومشاكل أكبر يجب الانتباه لها.
لعل ماهو جلي من داخل الأسرة المغربية يبين ذلك، فالمسلسلات التركية بكل مسمياتها ” ماتنسانيش ” العشق الممنوع ” ” حريم السلطان ” “فاطمة ” ” منار ” …التي أصبحت تغزوا البيوت المغربية ، والتي ألقت إقبالا وقبولا من لدن الأسرة المغربية التي لا تنفك من مشاهدة ماركة من ماركات المسلسلات التركية، بات ظاهرة اجتماعية وجب دراستها دراسة سوسيولوجيا ، لما أصبحت تفرضه من عزلة وميل للفردانية داخل الأسرة المغربية ، إلى جانب زعزعة في نظام القيم التي خرجت من نسقها المعهود منذ القدم ، فانتقلت الأسرة من مشاهدة المعروض إلى تطبيق المعروض ، فواحد يقلد مهند والأخرى تقلد منار، فحتى الأسرة لم تسلم من هذه المسميات لأبنائها حديثي الولادة ، حيث أصبحت تسميهم بمثل هذه الأسماء الدخيلة .
ويحكي محمد وهو عامل صباغة كيف دخل يوما إلى بيته فوجد رائحة حريق الطعام ، فيما الزوجة غارقة مع أبنائها في بحر مسلسل ” منار “فلما سألها ردت عليه ( ماشميت حتى حريق )، واعتبر محمد أن التلفاز سلب منا الوقار والحشمة والاهتمام بأولادنا .
وتحكي زينب وهي ربة بيت ، بأنها لا تفوتها أي حلقة من حلقات مسلسل ” منار “، وتضيف ( حتى حلقة مانزكلها ولعشة كانطيبوا قبل ما يبدا الفيلم باش نتفرج على خاطري ).
إبراهيم وهو رجل تعليم يقول دخلت يوما إلى البيت فوجدت زوجتي حزينة، فلما سألتها عن سبب حزنها ردت قائلة ( منار دخلت لحبس كدبوا عليها بقات فيا بزاف )، فلماذا نغذي أنفسنا بهذه المسلسلات التي لا تمت لقيمنا بصلة ؟ فعندما نختار أحسن الأكل لأنفسنا، لماذا كذلك لا نختار أحسن وأفضل البرامج التي تعود علينا وعلى أسرنا بالنفع ؟ لماذا نختار مسلسلات وأنا أسميها مسلسلات من سلة المهملات ؟ هذا ليس سوى غيض من فيض من الأسئلة التي يمكن طرحها.
إن الناظر لواقع أسرنا اليوم لا يجد ما يشفي الغليل، فجل الأسر أصبحت المسلسلات التركية جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية، وأصبحت هذه المسلسلات تخدر مشاهديها، وتمارس أو تفرض عنفا رمزيا حسب السوسيولوجي بير بورديو ، فتخلخلت القيم وتفككت الأسر وولدت لنا مجموعة من السولكات السلبية التي أترث على ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا التي هزة من الصميم، ناهيك عن قنواتنا التي لا تساعد في الرقي بمجتمعنا، لما تعرضه من برامج أكثرها لا يستفاد منه شيئا، هذه البرامج ومثل هذه المسلسلات التي خربت مجتمعنا، فبدلا من عرض هذه المسلسلات، اعرضوا لنا برامج تساعدنا في تربية أبنائنا، وبرامج تقلل لنا من نسبة الانتحار التي تفشت في مجتمعنا وفي تلامذتنا بالخصوص، اعضوا لنا برامج لأخصائيين في علم النفس وعلم الاجتماع ليساعدونا في الحد من مختلف الظواهر الاجتماعية ، اعرضوا لنا برامج للتقليل من الجريمة ومن اغتصاب الأطفال إلى غير ذلك من الظواهر التي تطفوا في مجتمعنا.
ففي قنوات ترفع شعار احد الحكماء ” لكي تغيروا المجتمع، يجب أن تغيروا العقليات السائدة فيه عن طريق التعليم والتثقيف والتهذيب ” فللأسف نجد قنواتنا ترفع شعارا بالمقابل تحت عنوان ( لكي تغيروا المجتمع ، يجب أن تغيروا العقليات السائدة فيه عن طريق مشاهدة مسلسلات ” ماتنسانيش ” ” العشق الممنوع ” ” منار ” …), فأي طريق نصد ؟ وأي مستقبل ينتظر أسرنا ؟؟؟؟.