الشخصية و العوامل المساهمة في تكوينها

0 511

إن الحديث عن الاستقرار النفسي، و عن التوازن الشخصي، يحتم علينا العودة إلى أهم اللحظات التي يمر منها الفرد. بدءا بمحيطه الأول الأسرة، و صولا إلى المدرسة كمؤسسة اجتماعية تربوية.

تبدأ شخصية الفرد في البناء و التكوين، مع رؤيته لنور الوجود. و هناك من يتجه إلى إمكانية ذلك و هو في بطن أمه، نظرا لتأثير حالتها النفسية فيه.

لكن في موضوعنا هذا، سنحاول التطرق إلى أهم اللحظات، و المؤثرات التي قد تسهم سلبا أو إيجابا في بناء شخصية الفرد.

تعد الأم أساس و عماد التربية داخل المجتمع، و يتجلى ذلك أولا في عملية الرضاعة، هذا ما ذهبت إليه المحللة النفسانية النمساوية و المتخصصة في علم النفس الطفل “ميلاني كلاين” (في كتابها علم نفس الطفل). حيث تحدثت على أن الطفل تربطه بثدي أمه علاقة قوية. فهو يرغب في جعله دائم العطاء و الحضور. بحيث لا يتعلق الأمر هنا بالحاجة إلى الطعام فقط. بل هناك مجموعة من الأشياء التي يحاول الطفل من خلال الرضاعة التخلص منها، كالدوافع التدميرية ( هي ميولات غريزية هدفها الإشباع و تحقيق اللذة). مقابل ذلك يسعى إلى تحقيق رغبات أخرى كالحنان، العطف و كذا اللذة.

   ولطريقة الرضاعة دور في حياة الطفل. إذ تشير المحللة إلى أن هناك نوعين من الرضاعة:

الأولى تعتمد على تحديد مواعيد الإرضاع .

والثانية تكون كلما بكى الطفل، أي ليس هناك وقت محدد لذلك.

هنا ترجع “ميلاني كلاين” سبب القلق الذي يلاحق مجموعة من الأفراد داخل المجتمع، إلى الطريقة الثانية من الرضاعة. بحيث تكون الأم جد قلق على طفلها. وهذا ما يؤثر سلبا على شخصيته، و يجعله يكتسب ذلك القلق الاضطهادي منها منذ مراحله الأولى.

و من زاوية أخرى يمكن الحديث في مرحلة ما بعد الرضاعة، عن دور اللعب في بناء شخصية الفرد.

خلال هذه المرحلة يكون الطفل في بداية انفصاله الجزئي عن أمه، و يكتشف عالما جديدا و فسيحا يعج بالأشكال الهندسية، والشخصيات الاجتماعية، و كذا الكرطونية. و بالتالي يبدأ في تقليد شخصية الأبطال، و يحاول التشخيص الرمزي للأشياء وللشخصيات المحيطة به. و ذلك عبر ألعاب رمزية، من خلالها يعبر عن إدراكه للعالم الخارجي، و رغبته في اكتساب ثقافة محيطه.

و هنا تظهر أهمية اللعب، بحيث يكتسب و يكون عن طريقه الطفل مجموعة من الآليات التي تنمو معه و تجعله في المستقبل قادرا على حل مشاكله الشخصية و التأقلم مع الصعوبات. بدءا بعلاقته مع أقرانه، ومرورا   بمحيطه الدراسي و وصولا إلى مرحلة الشباب و النضج، و ما تتميز به من مسؤوليات و مشاكل اقتصادية و اجتماعية.

و يتسع محيط الطفل كلما زاد سنا. ليأتي دور المؤسسة التربوية التعليمية، التي يأخد منها مجموعة من المعارف و السلوكات، التي يفترض فيها أن تكون متلائمة و ميولاته الفردية، و أن تهدف إلى بناء شخصية قوية متشبعة بقيم لا تتعارض و ثقافة المجتمع.

لكن الخطير في الأمر، هو ماذا لو كانت هذه المؤسسات تسير وفق قالب تربوي محدد مسبقا و لا يراعي الميولات الفردية للشخص. لا محال على أن شخصية التلاميذ ستكون جد مهتزة و ربما قد تصل إلى حد الفشل الدراسي. و يزداد هذا تأثيرا بوجود العنف بمختلف أشكاله(ماديا أو رمزيا).

كل هذه الأشياء تؤثر و تساهم في بناء شخصية الفرد. فإذا كانت هذه الظروف تتماشى و المراحل العمرية للشخص فإنها ستكون في اتجاه تكوين شخصية متوازنة، تترجم عبر استقرار نفسي للفرد.فتغني المجتمع و كذا الذات الشخصية.

عموما تبقى الوسيلة الناجعة لبناء شخصية متزنة هي ضرورة المرور بكل مرحلة عمرية، و أخد كل صفة و ميزة خاصة بها. بدءا باللعب في مرحلته، وصولا إلى إثبات الذات في مرحلة المراهقة، … بالإضافة إلى إلزامية وجود أنشطة رياضية مستمرة و أخرى ترفيهية إبداعية فنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.