معالم الاصلاح الجديد للمدرسة
أخيرا , وبعد مخاض عسير كاد يعصف بهويتنا العربية أمام تغول الفاعل السياسي و رجل الاقتصاد و تغييب رجل الفكر والفلسفة عن الفضاء العام, هاهو مجلس عزيمان ينتهي من صياغة تقريره النهائي والمتضمن لرؤيته الاصلاحية المقبلة والمنبثقة من تحليل نتائج التعليم و مقترحات اللقاءات التشاورية الموجهة . الى هنا يمكن اعتبار الأمور طبيعية و ذات مسارايجابي باستثناء تحفظنا على أعضاء المجلس الاعلى و ماهيتهم الوطنية . إلا أن التنزيل على الأرض الواقع و أجرأة تدابير الإصلاح لابد له أن يجود بالكبوات و الإخفاقات لتلازم المدرسة مكانها دون عائد سوى انتفاخ أرصدة دور النشر و المطابع و مقاولي المقررات و الطرائق و الهياكل الخارجية للمدرسة .
سينطلق الإصلاح إذن , و لعل ما سيتم تغييره بداية و كالعادة هي المقررات الدراسية و كأنها عليلة أو منتهية الصلاحية لتفسح المجال لمقررات جديدة و معارف حديثة قادرة افتراضا على إنتاج الثروة و إخراج الشباب والأسر من براثين البطالة و الفقر و الضياع . فكيف يتم إعداد مقرراتنا ؟ ومن يتولى إعدادها ؟ وما هي معايير اعتمادها و المصادقة عليها ؟ و ما هي مواصفات المقررات الجيدة ؟
الى زمن غير بعيد و بسبب ما يحيط اعدادها من غموض ,كنت أظن أن اعداد المقررات الدراسية يتولاه خبراء متخصصون في هذا المجال .ينقطعون الى قلاعهم الحصينة ,لا يعكر صفو تركيزهم و تفكيرهم فيما انقطعوا اليه لا هاتف و لا عارض من عوارض الدنيا . كنت أظنهم فرقا من خبراء المناهج و الطرائق و علم النفس التربوي و جهابذة اللغة و التواصل و فقهاء الدين و الاداب , يتسلحون بأمهات الكتب و الموسوعات العلمية و اخر البحوث التربوية ينقحون و يتخيرون كخلايا نحل تجد و تجتهد لإنتاج أشهى و أجود عسل لا تشوبه شائبة .
إلا أنه و بمجرد القائك نظرة سريعة على كتبنا المدرسية حتى تقع عينك على أسامي و صفات مؤلفيها مكتوبة بخط مضغوط و عريض (مفتش ممتاز ,أستاذ باحث في ديداكتيك…,مفتش رئيسي ) . هم اذن مفتشون و أساتذة (باحثون ) ممن انقطعت صلتهم بالدروس و التلاميذ منذ ترقيهم بلحظات , يسارعون لسحب دفاتر التحملات و التعاقد مع دور النشر و الطبع المحظوظة و القادرة على انتزاع نصيبها من هذا الريع السنوي و المتنامي بتنامي الولادات . و هكذا يتم انتاج , في زمن قياسي , سلعة رائجة مضمونة التسويق وبدون مجازفة برأسمال , كتب مدرسية مختلفة الألوان و الأحجام بمقدمات منهجية فخمة و كلام مغرق في اللفظية و التعالي اخفاء لعمل غث مبثور و معيب منهجية و معرفة . و من عيوبها أيضا غياب مجموعة تربوية متكاملة تضم الكتب و كراسات الانجاز و دلائل الأساتذة و الوسائل التعليمية المساعدة (مناهج تدريس اللغات و العلوم) . و لتوسيع دائرة الانتفاع من هذا الريع , و امعانا في تغييب التنافسية , فقدت اخترعت الوزارة كذبة الكتاب المتعدد . فأنى تأتينا الجودة في ظل غياب المنافسة ؟؟؟
ان اعداد كتاب مدرسي جيد يقتضي , بعد تحديد الغايات و المرامي و اشتقاق الاهداف و تخصيصها ,أن يطرح التأليف للمنافسة من خلال طلبات العروض , و أن يفسح المجال لكل من يرى في نفسه الأهلية ممن يتصلون بالمدرسة و التعليم , على أن يتم عرض المنتجات على الأساتذة الممارسين قصد تجريبها و تسجيل ملاحظاتهم قبل تعميمها . وبناء على تلك الملاحظات يتم التصحيح و التعديل ليتولى خبراء مختصون في تقييم المناهج اعداد تقاريرهم بخصوصها و التصديق على أجودها و استبعاد غثها .
و حتى لا يتمخض الاصلاح فيلد خادجا تبقى التنافسية في اعداد المناهج المدخل الاساس نحو الجودة ,فالذي ينظر الى حماره وحيدا في مضمار السباق يحسبه من أفضل الخيول لكن هلا تساءلنا عن حاله عندما يكون مع غيره ….