الطوطمية بالمجال القروي: دوار ” الزاوية بين الجبلين نموذجا”
أولا:” الزاوية بين الجبلين” التعريف بالمنطقة وفلسفات التسمية :
أ: ينتمي دوار الزاوية بين الجبلين الى مدينة أكدز التي تقع في الوسط الشرقي للبلاد وتنتمي الى إقليم زاكورة، كما أنها تقع في جبال الأطلس أسفل جبل كيسان،وتمتد على ضفاف واد درعة بين ورزازات التي تبعد عنها ب 65 كلم وزاكورة التي تبعد عنها ب 92 كلم وإذا عدنا الى الطوبونيميا1، فإن تسمية الزاوية بين الجبلين يمكن إرجاعها الى مصدرين، أما الأول فيتمثل في كون هذا الدوار يتموقع بين جبلين ، والثاني -وهو الأهم -كون السكان الأصليين لهذا الدوار تربطهم علاقة بالزاوية الناصرية 2 المتواجدة في تامكروت ، وهذا ينبؤ بالطابع الديني التصوفي لأهل الدوار ، وما يبرر هذه العلاقة إضافة الى التسمية ، هو تواجد ساحة شبه مقدسة بالدوار تدعى ” ساحة سيدي علي بناصر ، كما أن هناك مواسم وطقوس تقام في الدوار توطد هذه العلاقة كذلك ، حيث إن جماعة الرماة يأتون الى هذه الساحة ويرددون” سيدي علي بناصري ، كي أيكان العين داس نتاكمي” وليس هذا من قبيل الصدفة بطبيعة الحال… وهذه أمور ليس هذا موضع التفصيل فيها.
ثانيا: الطوطمية وتجلياتها في الدوار:
- ماهية الطوطمية
تعرف بانها ديانة تشمل الرموزالأفكار والطقوس ترتكز على العلاقة بين جماعة إنسانية معينة وموضوع طبيعي ما يسمى الطوطم، والطوطم يمكن أن يكون طائر أو حيوان أو نبات أو ظاهرة طبيعية أو مظهر طبيعي، هكذا يصير هذا الطوطم مقدسا لدى هذه الجماعة وتخصص له طقوسا معينة.
- تجليات الطوطمية في الزاوية بين الجبلين
تمظهر الطوطمية في الزاوية بين الجبلين في عنصرين أساسيين من مظاهر الطبيعة – وليس لوحدهما بطبيعة الحال وإنما هما البارزان بقوة- وهما “حجر وجبل” .
الحجر . وهو حجر يسمى” تيفرت ننبي ” أي حجر النبي، وآكتسب هذه التسمية من رواية يحكيها الأجداد ، مفادها أن النبي الكريم حل بالمنطقة في قديم الزمان، ووضع رجله على ذلك الحجر المسطح ليرتاح وقيل إنه كان ينوي أن يقيم بالمنطقة ويصير لها شأن عظيم، لكن الكلاب أفزعته ففر الى مكة تاركا أثره فوق ذلك الحجر، لذلك صار مقدسا وتزوره النساء رغبة في الزواج ، أضف الى ذلك أن بعض الناس يطوفون به اعتقادا منهم أنهم يِؤدون فريضة الحج، لأن أصل الحج كان سيكون بالمنطقة لولا الكلاب اللعينة ، وهذا يفسر حب أهل المنطقة لنبيهم ورغبتهم في الحج لكن البعد يحول دون ذلك .
أ- الجبل . ويسمى ” تاوريرت إنقبن” أي الجبل المثقوب فيه فج، وقصته هي تتمة لقصة الحجر ، فيحكى أن النبي حينما فر وجد أمامه ذلك الجبل ، ولشدة فزعه شقه ، فأحدث فيه فجا، وهو الآخر تزوره النساء وتطفن حوله ، قصد الحصول على الزواج . فصار هو الآخر مقدسا . فهذا نموذج بسيط للطوطمية بالدوار يبرز أهمية الدراسة الاثنوغرافية في الكشف عن الثقافة الشعبية للجماعات البشرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الطوبونيميا هي علم يهتم بدراسة أعلام الأماكن قصد التوصل الى معان تفسر علاقة الاسم بالمسمى
- تأسست الزاوية الناصرية بتامكروت في عصر ازدهار الحركة الصوفية بالمغرب، وقد تأست في زمن متقارب مع بعض الزوايا الكبرى كالزاوية الدلائية، وكلها تأسست في أواخر القرن العاشر الهجري. وعلى غرار باقي الزوايا بدأت الزاوية الناصرية في بيت صغير ومسجد مناسب ثم أخذت في التوسع إلى أن صارت قرية كبيرة، أو حواضر في مقدمة حواضر درعة الأوسط. كان الغرض من تأسيس هذه الزاوية، كما ذلك مجموعة من المؤرخين أمثال : محمد حجي وجورج دراك George Drague هو هداية الناس وتهذيب أخلاقهم بنشر تعاليم الطريقة الشادلية، ثم تطور نشاطها فأصبحت مركزا علميا ودينيا هاما تشد إليه الرحال. وكلن أول مؤسسيها ” أبو حفص عمرو الأنصاري سنة 933هـ، واستقر بها حفيده القطب الصوفي أحمد بن ابر اهيم الأنصاري مع شيخه عبد الله بن حساين الذي كان يلقن في الزاوية الأوراد الشادلية. بعد وفاة عبد الله بن حساين سنة 1045هـ/1635م تصدر أحمد بن إبراهيم مشيخة الزاوية غير انه لم يلبث أن توفي قتيلا بيد أحد منافسيه من زعماء درعة سنة 1052هـ/1642م، وبعدها انتقل أمر الزاوية إلى سيدي احمد بناصر