بديعة الراضي تقدم خريطة النهوض بإقليم زاكورة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
قالت عضو المكتب السياسي لحزب الإتحاد الإشتراكي, الإعلامية بديعة الراضي,إن الموضوع الذي تقترحه اليوم الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان فرع زاكورة والمتعلق بقضية حقوق الإنسان ما بعد دستور 2011 “التحديات والآفاق” يدفعنا إلى معالجته من سياقات مختلفة, سياقات تتعلق بالتاريخ، وصولا إلى دستور 2011 ثم التحديات الحقيقية المطروحة في تفعيل الدستور والإعمال به, في ما يتعلق بالقوانين التنظيمية، ثم سياق المفهوم الحقوقي اليوم الذي يمكن معالجته بأوجه مختلفة في مفهوم الحقوق نفسها سواء تعلق الأمر بالحريات الفردية والعقائدية ،أو تعلق الأمر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو تعلق الأمر بالإشتغال بهذا المفهوم في إطاره المدني والسياسي وطنيا ودوليا في علاقة الشمال بالجنوب.
وأضافت بديعة الراضي على هامش الندوة التي نظمت بدار الثقافة بزاكورة, إن السياق التاريخي في هذا الموضوع لا يمكن تغييبه باعتبار المغرب عرف مسار هاما في الدفاع عن مسألة حقوق الإنسان منذ ستينيات القرن الماضي, وإن كان المجال لا يتسع زمنيا لاستحضار كافة النضالات التي خاضتها القوى الحية والديمقراطية سواء من الباب السياسي أو المدني في الدفاع عن حقوق الإنسان كي يكون المغرب صفا إلى جانب الدول الديمقراطية، في الدفع بتوقيع كافة الاتفاقيات التي تنص على ذلك كونيا, فإن الثابت في هذا الإطار أن المغاربة تمرسوا على العمل الديمقراطي منذ أربع عقود خلت رغم كل التحديات والعوائق التي ووجهت بها هذه القوى من طرف السلطات في الستينيات والسبعينيات والثمانينات.. وكان لهذه العوائق وقعها في تعثر التطور الديمقراطي في بلادنا, لكن هذا الوقع ميزنا في المنطقة وأعطانا نفسا ثقافيا وسياسيا وحقوقيا في مواصلة الدرب، ذلك الدرب الذي لا يمكن أن نغيب فيه تضحيات شهدائنا ومناضلينا الذين خبروا هذه المعركة من داخل السجن أو المنفى، منهم من رحلوا عنا أو الذين مازالوا بيننا شاهدين على المعركة التي جعلت المغرب اليوم بمنأى عن ما تعيشه دول الحراك العربي. ومن جانب آخر إن كان الموضوع الذي تقترحه الهيئة الوطنية لحقوق الانسان يتعلق بذدستور،2011 فإن الدساتير التي خلت منذ 1962 إلى 2011 تؤكد خطنا التصاعدي في بناء الدولة المؤسساتية وهو الخط الذي كان موضع شد وجذب وأخذ ورد وصراع حقيقي من أجل البناء، بين الدولة والمجتمع وبين النظام والقوى المعارضة,من هذا المنطلق ظهر في دستور 1992 إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان, ثم إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة 2004, ثم مدونة الأسرة 2005, ثم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005, ثم إحداث اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان يناير 2010, وقبل دستور 2011 كان خطاب 9 مارس 2011 الذي جاء في سياقات إقليمية ودولية حساسة وحادة في إرتفاع الطلب على التغيير السياسي عن طريق الأحزاب الديمقراطية الحية والتي – نستحضر فيها المذكرة التي رفعها حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية والخاصة بالإصلاحات الدستورية – وكذلك مطالب شباب 20 فبراير وإنخراط الفعاليات الديمقراطية في هذا الورش الكبير الذي نسجل فيه بإمتنان وإعتزاز تلاقي الإرادتين الملكية والشعبية التي أدت إلى دستور 2011, وهو الدستور الذي كان ثورة حقيقية في تاريخ المغرب السياسي، توسع فيه المجال القانوني ليرتفع عدد مواده من 30 إلى 60 مادة من بينها 26 قانون تنظيمي ولاسيما ما يتعلق بالضمانات في مجال الحريات والعفو العام والتقطيع الإنتخابي والجهوية ومجالات الحياة المدنية والاقتصادية والاجتماعية .
وما دمنا في منطقة كزاكورة وفي زمن نطوق فيه إلى جهوية موسعة ومنسجمة مع الطرح الدستوري وهي المنطقة الطواقة إلى أذرع في الأمن الاقتصادي والحقوقي .
فمن المفيد جدا التأكيد على الحقوق الأساسية التي من دونها لا يمكن الحديث بتاتا عن كرامة الإنسان .
وما دام لكل منطقة من مناطق البلاد خصوصيات تمليها انشغالات السكان وتطلعاتهم ورؤيتهم للحياة ، وكذا الخصاص في المرافق والخدمات ، فإن منطقة زاكورة التي تقع جوار منطقة حدودية حساسة ، ما تزال قابعة ، بشكل عام ، خلف التهميش والتناسي ، بل وضمن دائرة المغرب غير النافع .
وحينما نقول التهميش والتناسي تقول –الراضي-، فإن المقصود هو عدم الدخول ضمن دائرة التنمية بمعناها الناجع. فمثلا نجد النساء ورجال التعليم لا يستفيدون من الخدمات التي تقدمها مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين أليس هذا حيفا؟ والتساؤل المطروح : لماذا لا يتم اختيار بعض الخدمات الخاصة بهذه المناطق ؟
وحسب المعطيات التي حصلت عليها بديعة الراضي, ، وبعض القراءات ، فإن الخصاص بمختلف مناطق زاكورة ، لا يمكن معالجته إلا في إطار مقاربة مبنية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
وفي هذا الصدد أقترحت الراضي, بعض المطالب التي حبذت أن تطلق عليها اسم ” الأذرع الأربع للأمن الاقتصادي بزاكورة ” ، وهي الذراع المائي ، والذراع الصحي ، والذراع البيئي ، وذراع المواصلات .
1 / الذراع المائي : لا يمكن تصور حياة كريمة بمنطقة زاكورة دون التوفر على موارد مائية بشكل منتظم ، فهي الغاية والمبتغى ، وهي الذراع الذي يساهم بشكل كبير في محاربة الفقر والهشاشة والتهميش من خلال التعاطي لأنشطة فلاحية معاشية ببساتين واحة درعة .
وإذا كان التوفر على موارد مائية غالبا ما يرتبط بما تجود به السماء من أمطار، فإن الامر يستدعي بالفعل مقاربة ترفع التهميش على المنطقة. ولأن الماء مادة حيوية بالنسبة للبشرية جمعاء وحتى الأنشطة الفلاحية والصناعية ، فما بالك بمنطقة شبه صحراوية ، يشكل الماء الوجه الآخر لوجودها وبدونه سيسود الجفاف والفقر والهجرة إلى المجهول .
2/ الذراع البيئي : الذراع البيئي الذي لا يقل أهمية عن الذراع المائي ، فالأمر يتعلق أساسا بوضعية واحة درعة التي تتوفر على خزان بيئي هام هو أشجار النخيل ، التي يتعين حمايتها والحفاظ عليها ، وتوسيع مجال غرسها ، فضلا عن تقنين زراعة الدلاح (تماشيا مع طبيعية المخزون المائي) .
وبالعودة إلى بعض المعطيات التي توفرت لدي ، فإن خبراء شاركوا سنة 2001 في ندوة بمدينة زاكورة ، دقوا ناقوس اللخطر بإعلانهم عن تراجع خطير في أعداد أشجار النخيل ( من حوالي 15 مليون شجرة في بداية القرن الماضي إلى حوالي 4 ملايين و500 ألف شجرة في بداية القرن الحالي ) … أليس هذا خطيرا ؟
يقال إن السبب في هذا التراجع الخطير هو الجفاف والأمراض خاصة “البيوض” ، وأنا أضيف إلى ذلك أن السبب هو الإهمال الحاصل في إطار سياسة المغرب غير النافع .
وفي هذا الصدد ندعو بصوت عال إلى تفعيل كل البرامج ، التي تم وضعها ، والمتعلقة بتوسيع مجال غرس أشجار النخيل ، من خلال تمكين السكان من أغراس مضادة لمرض البيوض ، الذي كاد يقضي ، حسب علمي ، على بعض الأنواع الجيدة من الثمور مثل الفقوس والبوسكري والجيهل .
إن هذه العملية تعتبر حقا من الحقوق الاقتصادية التي لا تتحمل التأجيل .. لأن التفريط في أشجار النخيل معناه جعل واحة درعة فريسة للرمال والجفاف ، وترك السكان بدون مجال يوفر لهم بعض سبل العيش ، على قلتها .
3/ الذراع الصحي : حسب المعطيات المتوفرة لنا ، فإن المؤسسات الاستشفائية بزاكورة تحولت إلى ما يشبه محطة لمنح تراخيص ل ” تصدير ” المواطنين ” المرضى نحو مستشفيات ورزازات ومراكش ، وهذا حيف كبير اتجاه مواطني المنطقة.. والتساؤل هو ما معنى أن نجد مؤسسات استشفائية وأطقم طبية وجودها كعدم وجودها ؟ أي هدر المال العام من أجل لاشيء ، والحال أن الأغلبية الساحقة من ساكنة زاكورة ، خاصة في الدواوير ، تعاني من ضيق ذات اليد ، حيث لا تتوفر على الإمكانيات المادية لنقل المرضى نحو المدن المجاورة .
وعلمنا أن الحكومة في شخص وزارة الصحة قدمت وعودا للمنطقة, تتعلق بتمكين زاكورة من تجهيزات وأطباء جدد ، بيد أن الأهم من ذلك هو التركيز على الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة .
4/ ذراع المواصلات .. ويرتبط أساسا بنوعية الشبكة الطرقية ، التي تحصد بين الفينة والأخرى أرواح مواطنين أبرياء ، كما حدث في منعرجات تيشكا بين مراكش وورزازات خلال انقلاب حافلة … وهنا أحيي فعاليات المجتمع المدني بالمنطقة التي أطلقت مؤخرا حملة لتفعيل مشروع نفق تيشكا … فبدونه لا يمكن الحديث عن إنصاف لهذه المناطق … أما ادعاء الحكومة بأنها لا تتوفر على الأموال اللازمة لإنجاز نفق تيشكا ، فهو كلام مردود عليه، إذا ما قورن بالأرواح التي تزهق بهذه المنعرجات.
إن هاته المطالب الحقوقية الاقتصادية الاجتماعية هي بوابة لبناء المغرب الحقوقي الذي رسمه دستور 2011 دون ذلك سنظل رهيني أساليب رنانة تجعل من موضوع حقوق الإنسان في المغرب شكلا كونيا في المنابر الخطابية أو تجعل من موضوع حقوق الإنسان وسيلة للإرتزاق في المعترك الدولي, نستحضر هنا حقوق الإنسان في الصحراء الذي أصبح موضوعا للعب بأوراق مصيرية بيد مجتمع مدني عرف من أين تأكل الكثف ولهذا نقول بصوت عال أن المعركة التي خضناها في الحقوق السياسية منذ عقود خلت ولازلنا نستكمل فيها الأوراش لن تثنينا عن خوض نفس المعركة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وذلك هو التمازج الحقيقي بين المطلب الديمقراطي والمطلب التنموي .