المدرسة الرمضانية
نظرا لأهمية رمضان و أمام ما نعيشه من تقصير منا في استغلاله واستثماره، أصبحنا في أمس الحاجة إلى وضع برنامجا تحضيريا رمضانيا صرفا، وبذلك يكون هذا الشهر بمثابة مدرسة ربانية و فرصة لا يستهان بها لاستثمار الوقت واستنهاض الهمم، ومباشرة العمل والتصالح مع القرآن، ومعالجة ضعفنا وكسلنا والخمول الذي شل حركتنا نحو التغيير، بعد أن استوطن عقولنا وأستحوذ على نفوسنا وأستهلك أوقاتنا من غير فائدة تذكر.
قال تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وقد ورد في الحديث أن المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، إذن أليس هذا إعلانا صريح من ربنا عز وجل ومن نبينا أن معركة التغيير الداخلي ستظل مستمرة وقد شكلت تحديا في ذلك الزمن، فكيف بنا اليوم ؟!
ها نحن وقد حل شهر رمضان الكريم وهو فرصة سانحة لمباشرة هذا الجهاد، و يا لها من فرصة ثمينة لا تعوض. ويكفينا شرفا وحظوة أننا أدركنا هذا الشهر هو -طبعا- توفيقا من الله وعربون الحب الإلهي. فهذه هدية إلهية ساقها لك أيها المسلم فكن خير من يهدى وكن خير من يهتدي ويتوب وخير من يعقد العزم ليقود معركة التغيير برؤية جديدة زاخرة بالحب والاجتهاد والوفاء والسمع والطاعة لهذا الرب الكريم. ولنجدد نيتنا لقراءة القرآن الكريم قراءة واعية متبصرة، وننهل قدر المستطاع من هدي نبينا وسنته السمحاء، وكذلك ليكن لنا موعد وعقد صلح وميثاق شرف مع أنفسنا وأهلنا ومع جيراننا ومحيطنا ومع الناس جميعا. وهو كذلك شهر التضامن لذلك ما أحوج الفقراء لالتفاتة منا إليهم وضمهم إلى موائدنا.
إذن فهذه من مبادئ ديننا الثابتة التي يجب إحياؤها. وحتى يكتب لها الاستمرار وتترسخ وتكون خارطة طريق وعونا لنا، لابد من مجاهدة النفس وتذليل العقبات حتى تمنح للتائبين -ضيوف الرحمان- فرصة العودة المحمودة نحو ملاذ آمن وهو رحاب بيوت الله، وقد لا يتأتى ذلك إلا عبر روح المبادرة بين الناس والتنافس في الخير. وهي صورة تكرس مبدأ التعاون على البر والتقوى التي نراها في مساجدنا وفي أحيائنا وبين الأهلي والأسر. كل هذا الجهد لا لشيء إلا لنقطف به الوعد الصادق الذي هو الفوز بالرحم في أول رمضان وبالمغفرة في أوسطه والعتق من النار في آخرة.
لذلك من الأجدر بنا أحبتي في الله أن نعقد العزم ونجتهد ونتوكل على الله ونسير على هذا الطريق وأن نبادر ونختلي بهذه النفس كيف لا تطيق ولا تنكسر للحق ؟! كيف لا تستجيب لما يحييها ويشفيها من مرضها ؟! والذي يكمن في ملازمة هذا الدواء، والذي هو الاستجابة لأمر الله، وهذا الأمر يتطلب قرارا داخليا جريئا، به تتغير تصوراتنا وسلوكياتنا وفلسفتنا ونظرتنا للحياة.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) هي إذن أيام معدودة ولحظات ونفوز بالمغفرة. هي أيام يجب أن نعيشها حقاً، وعلينا أن نعض عليها بالنواجد، وقبل ذلك علينا أن نتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (من أدركه رمضان ولم يغفر له لا غفر الله له)، وقوله كذلك: ( رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له ) .هل بعد هذا الأمر مماطلة وتسويف ؟! وهل مزال بعد هذه الأحاديث وقت ضائع يتسرب منا بين الأسواق والقنوات والهواتف والألعاب وبين الإعداد المفرط للأطباق ؟! إنه إسراف في المأكل وفي الوقت نعيشه بل يعيشه الكثير منا في بيوتهم، لكن علينا أن نتأمل ونتعلم ونغير هذه العادات ما أمكن لأن الوقت في هذا الشهر الفاضل أثمن من أي شيء وأعلى وأغلى من كل شيء.
من غير المعقول أن يمر رمضان كغيره من الشهور والأيام، ومن يحس بشيء من هذا فعليه أن يتأسف كثيرا وأن يعاتب نفسه ويبكي ويتوجه إلى الله ألا يحرمه من لذة العبادة. نسأل الله تعالى ألا يحرمنا جميعاً من هذا الشعور الداخلي وهذه النفحات الربانية.
من جهة أخرى يجب أن ننتبه لأمر ما بل هي نقطة جوهرية تتمثل في الأسرة المسلمة، فهي سر قوة هذا الدين وبوابة سالكة لدعم تدين المجتمع والتزامه. لذلك علينا أن نجعل من هذا الشهر أجمل اللحظات لصالحها. فكما ونحن نجتمع حول المائدة علينا كذلك أن نستغل ونستثمر هذا الموعد إلى المسجد مع أهلنا نساءنا وأبنائنا، فبذلك نحيي فيهم روح العمل الجماعي ليروا فينا خير جليس وخير أنيس، فخصوصية وجمالية هذا الدين سيكتشفونها هناك. وعلينا كذلك أن نكون خير قدوة لأطفالنا لنربطهم بهذا المقصد النبيل والمكان العظيم حتى يتسنى لهم أن يعيشوا هذه اللحظات في كنفنا، وبعيدا عن صخب الأزقة والشوارع.
لا يسعني في ختام هذه الكلمة التوجيهية إلا أن أغرد بما يلي: إن لرمضان أدوارا قيمية وتربوية وروحية وإيمانية تحيى بها الأمة من جديد ويصلح بها المجتمع. والحياة والصلاح غايتان ساميتان، وثمرة ناضجة لشجرة الحياة السعيدة والاجتهاد الدؤوب في أمر الدنيا والأخرة.
اللهم اجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، رمضان كريم ولا تنسوني من صالح الدعاء في شهر الدعاء.