الاتفاق الليبي في الصخيرات..الواقع والممكن؟

0 383

قد تقر على مضض،وأنت تعض شفتيك، مستحضرا قاعدة عدم اكتراث السياسة بالتفاؤل ولا التشاؤم،بأن الحرب البلهاء الدائرة رحاها حاليا في ليبيا،مسألة طبيعية وعادية، مادام الانتقال من سياق الفراغ والعبث ومزاجية الحاكم العربي الواهية،إلى الدولة الوطنية الرصينة، المواطنة،والمؤسساتية،لا يكون بتاتا بجرة رغبة حالمة،سلسا وسهلا.لاسيما، وأن ليبيا إرث القذافي، كما الحال في المجمل، مع جل المنظومة العربية التليدة، استمرت لأزمنة سحيقة،ولازالت منساقة، بدون تهذيب لأبسط التقاليد الديمقراطية، سياسية كانت أو ثقافية أو فكرية،ولامؤسسات، ولاأحزاب، ولامعارضين، ولانخب،ولا انتخابات…،لاشيء مما ينتمي إلى أنساق العالم المتحضر،قد يشعرك من قريب أوبعيد، بنسائم الحياة، وأنها حقا أوطان، وليس مقابر جماعية !

نعم،قد يكون الانتقال عنيفا، وعلى جلود جثت آلاف الأبرياء.وبلا شك،سواء الحرب أو الدبلوماسية،فأحدهما يتقمص كنه الثاني،بأساليب مختلفة طبعا.مع الامتثال دائما،للقاعدة المشار إليها أعلاه،التي تنفي أحادية الرهان النفسي على التفاؤل فقط أو التشاؤم لاغير،بخصوص الممكن السياسي. أقول،بأن توصل الفرقاء الليبيين يوم السبت11يوليوز،إلى التوقيع على مسودة اتفاق،بعد لقاءات ماراطونية أشرف عليها بيرنار دينو ليون،ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا،قد يمثل خطوة ضمن مسيرة الألف ميل،أو هو مجرد اختراق أولي،على حد تعبير أحد السياسيين الليبيين.ماذا سيحدث، فيما بعد؟صحيح،أن ممكنات مستقبل إيجابي،تلزم أولا وأخيرا،الليبيين بمستويات غير عادية من نكران الذات والتضحية والشفافية والوطنية الصادقة…،لكن أيضا على الأطراف الإقليمية والدولية،أي سواء المحورالسعودي- المصري- الإماراتي،ونقيضه :قطر- تركيا.رفع أياديهما،غير البيضاء،على مايريده الليبيون،لمصيرهم.تطلع، لايبدو أنه قريب التحقق.بذات المعنى،هل لازال من رهان ولو لغويا ؟بناء على المنطق الارتدادي، الذي انحدرت إليه السياسة الدولية،كي تتناول قوى مجلس الأمن الملف الليبي بالجدية اللازمة،وتكرس عمليا على أرض الواقع، بنود اتفاق الصخيرات.ولأن الوضع الحالي،ليس بالفضيلة المتوخاة،سرعان ما يطرح الاستفسار بخصوص من بوسعه، إجبار أطراف الصراع في ليبيا على احترام تفاصيل الوثيقة المتفق بشأنها؟التي تستشرف مرحلة جديدة تبدأ بإحلال السلام،واختيار حكومة توافق وطنية،والشروع في بناء المؤسسات وآليات صنع القرار لاستكمال التحول،ونزع سلاح الميليشيات،وانسحاب المسلحين من المدن الكبرى، واعتماد دستور دائم يكون أساسا لبناء دولة حديثة… .

غير، أن مميزات المشهد العام،التي تحكم واقع الاتفاق، كالتالي :  طرف أساسي ،في الصراع،هو المؤتمر الوطني العام الليبي المشهور ببرلمان طرابلس،لم يحضر إلى الصخيرات،معلنا رفضه لبنود المسودة،بسبب ”غياب نقط جوهرية”،وفي مقدمتها التصور المفترض لتركيبة مجلس الدولة.أما خصمه اللدود،برلمان طبرق،المعترف به دوليا،فقد كان حاضرا.بشكل غير مباشر،هما تعبيران عن المواجهة المسلحة الضروس،بين إسلاميي ”فجر ليبيا”،المتمسكين دائما بواجهة تشريعية اسمها برلمان طرابلس، المنتهية ولايته منذ شهر يناير2014،ولم يتردد في أن يجدد لنفسه ولاية ثانية،مما أثار سخط وغضب جانب كبير، من فئات الشعب الليبي.ثم فريق اللواء خليفة حفتر،قائد الجناح العسكري لبرلمان طبرق،الذي دشن شهر ماي2014،انطلاقة حملة عسكرية شاملة ضد مسلحي برلمان طرابلس،في إطار”عملية الكرامة”،لتطهير ”ليبيا من الإرهابيين”، مؤكدا عدم شرعية الحكومة والمؤتمر الوطني العام.

إلى جانب، هذين الكتلتين، المتداولتين إعلاميا أكثر،سنقف على فرق حربية، بالعشرات :لواء الصواعق والقعقاع،الفيدراليون،تحالف القوى الوطنية (قيادة محمود جبريل) ،القبائل،مصراته وحلفاءها،غرفة ثوار ليبيا،الإخوان المسلمين،قبائل الجنوب الليبي،أنصار الشريعة،الجماعات الإسلامية المقاتلة،القاعدة، فلول القذافي…،واكتملت الحلقة أخيرا بإرهابيي داعش الذين سيطروا على مدينة ”درنة”شرق ليبيا،وإذاعة ”سرت”،ويتوجهون حاليا إلى ”مصراته”،وسيول لعابهم تتدفق على حقول نفط منطقة ”الهلالي ”، الواقعة شمال شرق ليبيا…. إذن، مختلف ألوان الصراع،وجدت لنفسها موطئ قدم ،فوق الأرض الليبية،العسكري والديني والثوري والقبلي والعقائدي والمناطقي والميليشياتي،إلخ.

فما هي قدرات رئة اتفاق الصخيرات، لطي مسافة صحراء ليبيا الشاسعة والمترامية الأطراف؟.  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.