الحركة الانتقالية للمدرسين المغاربة :ما دخْل الزواج؟

0 486

أضحت راهنا،الحركة الانتقالية لرجال التعليم،من بين أعتى الانتصارات والهزائم الدونكيشوطية، التي ينتهي عليها إيقاع المواسم الدراسية في المغرب،التي لاتزداد سوى سيزيفية،مع ترهل مقومات القطاع الجوهرية،وقد استغرقته أوحال التدابير البهلوانية،في ظل الفساد البنيوي الذي ينخر المنظومة المجتمعية ككل. عوض أن يظل التعليم مجالا، نقيا، راقيا، متعاليا باستمرار عن ماجريات اليومي، المبتذلة والصغيرة،منشغلا فقط بالمنظورات الكبرى العميقة،التي تهم مستقبل البلد ومصير أبنائه.

بالتالي،قضية إعادة انتشار المدرسين،وبدلا من إبقائها على حلقتها اللينة،ذات المنحى الحقوقي الطبيعي، صارت آنيا ”أمّ المعارك”المقدسة،وإنجاز غير مسبوق لصاحبها،كلما حكمتها التراتبية الطوبوغرافية، التالية : 1- الانتقال من المغرب المقفر، إلى النافع، على وهمية الاعتقاد. 2- من القرية إلى المدينة. 3-من هوامش وأطراف المدينة، إلى قلبها. 4-من مسافة تكتفي بالميترات ولاتستنزفها الكيلوميترات.

هكذا ومباشرة عقب الإعلان عن النتائج، تنقسم هيأة التدريس فورا وبوضوح،لاسيما لدى المراهنين،إلى ناج، فمادح ، يهذي بنعمة غير مقدرة !!فقد انتشلته سفينة نوح، نحو غايته.وآخر،شاتم، يصب لعنته على الجميع، مادامت مراكبه احترقت،وماعليه سوى أن يعثر على سلواه بمعانقة جمرة الأمل، ومعاودة المحاولة، بعد سنة من الآن.

حين إلقاء نظرة خاطفة،على الأجواء العامة المؤطِّرة للعملية،ومايرافقها من مشاعر نفسية جانحة،منساقة بحدة نحو هذه الجهة أو تلك، سيظهر من الوهلة الأولى، أنه تدبير انزلق كثيرا عن منحاه الأصلي الجدير به،متعديا حدوده المفترضة،كي تتقاذفه أمواج حيثيات ثانية،لاعلاقة لها بتاتا بالحقوق الوجودية والسياسية والمهنية للمدرس،إذا اتفقنا على المفهوم المعاصر للكلمات.

السعي إلى الانتقال من مكان ما، يعتبر حقا بسيطا جدا، لايتعدى أرنبة الأنف، يندرج أصلا، ضمن الحقوق الطبيعية الأولى للبشر. لم يعد كذلك في سياق،المدرسة المغربية الحالية،بارتداداتها المهولة وتراجعاتها القيمية والمعرفية،وحساباتها السياسوية،مطلبا عاديا يعكس رغبة شخصية،بل أوشك، أن يقارب شموس الأساطير والمعجزات.

معيار التنافس بين المدرسين،كما هو معلوم،بخصوص الحركة الانتقالية، تحكمه نسبة النقط،التي تتضاعف بستة نقط، مع نهاية كل سنة دراسية،وابتداء من حصيلة اثنتي عشر، أي بانقضاء سنتين،في منطقة ما،يحق للمدرس أن يرشح نفسه، طلبا لتغيير الوجهة.غير، أن كفة الميزان، سرعان ما تختل اختلالا،بإقصاء منطق الرغبة وما تطويه من حاجة نفسية وذهنية، قد تكون ماسة وملحة لصاحبها،كي تحضر اعتبارات ميتافيزيقية، هلامية، تفرضها إرادة الوزارة الوصية،باسم “الوازع الإنساني “،التي تدحض في حقيقة الأمر،مبدأ المساواة ،في الحقوق والواجبات، وتشكل ظلما مجانيا لبشر آخرين. صحيح،أنه يستحيل إرضاء الجميع،ولا يوجد مسؤول في الدنيا بقادر على تحقيق الاتفاق العام، لكني هنا أقصد، الحد الأدنى الواجب، لتحديث وعصرنة وتحيين المرجعية المفهومية، التي تشتغل بها أجهزة الدولة،وفي طليعة ذلك،منظومة التعليم المعرفية والإدارية والمنهجية والتدبيرية،باعتبارها عقل، هذه الدولة أو تلك.

لنتكلم بلغة، مستساغة من ناحية التمدن، ماذا تعني اليوم كلمات :متزوج؟عازب؟ ذكر؟ أنثى؟ مطلق؟ مطلقة؟ له أولاد؟ زوجته حامل؟ خاطِب؟ فسخ الخطوبة؟ الالتحاق بالزوجة؟ الالتحاق بالزوج؟…،كي تمنح الأفضلية لمدرِّس على حساب زميل له في المهنة،تسكنه بدوره الرغبة لتغيير المكان.  وازع أيضا،يمثل احتياجا بيولوجيا ونفسيا،في نفس قوة الزواج من عدمه. ثم، أي علاقة للشخصي والحياة الفردية،كي تصبح “إيتيكيتا” عموميا،يضفي على هذا الشخص، أو ذاك ”هالة ”ما؟.متزوج أو عازب؟ تلك مسألة،محض ذاتية، تعود لاختيارات الفرد الشخصية،ولا ينبغي طرحها قطعا في مجال التقييم الموضوعي.

الفيصل الحاسم،في الحركة الانتقالية، وكل الاستحقاقات المماثلة،المتعلقة بالمدرسين،إذا أردنا حقا النهوض بالتعليم والارتقاء به، وجعله منتجا، يجدر أساسا توجيهه وتركيزه على حافز العطاء المهني والتربوي، والإشعاع العلمي للمدرس،وبحوثه، وسلوكاته،وجديته واجتهاده، ومدى تحمسه للمهنة،ثم البورتريه الذي أقامه داخل مؤسسته، بناء على تقارير النيابات والأكاديميات .لماذا إذن،لايشتغل المشرفون على الوزارة؟تبعا لهذا المسار،كما الشأن في الدول المتقدمة؟وهو الأمر كذلك، الذي يكرس وضعية أستاذ في الجامعة،أو مجرد متطفل،سقط بمظلة؟ يعني،السيرة العلمية والمهنية،غير هذا، يبقى شأنا خاصا.

أما معيار متزوج،غير متزوج؟فهذه ثنائية ميتافيزيقية،ولغط مقاهي، أكل عليها الدهر وشرب،ممددا رجليه،يشوبها التهافت منذ البداية،لأنه حتى مع تسليمنا،بجانب التضامن الأسروي، المؤرجح لكفة المتزوجين والمتزوجات، فحتما أن نظرة الوزارة للمدرس العازب أو العازبة،لازالت محكومة بالثقافة الشعبية المتخلفة لتحديدي سمات ”العزري” و “العزرية”،حيث الشخص عندنا يستمر”سائبا”، إلى أن يتزوج.علما،أنه إذا توخينا حقا جوهر مجتمع المواطنة،فالمسؤولية سيتشبع بها الطفل منذ سنواته الخمس الأولى.ثم،هل بوسع مغربي اليوم،مشتغلا في أسلاك التعليم، ومعه باقي قطاعات الوظيفة العمومية، المخصصة للطبقات الفقيرة والسفلى،الاستمتاع فعلا بحياة بوهيمية،والظروف الاقتصادية، لاتزداد إلا اختناقا؟.

من ناحية أخرى،إذا انغمسنا في دوامة،التلاعب بالزواج مصلحيا وظرفيا،لتحقيق حاجات بخسة، تلوث صفاء النية الصادقة ”على سنة الله ورسوله”،مثلما تواترت خلال السنين الأخيرة، للتحايل على حظوظ الحركة الانتقالية،الزيجات البيضاء المستندة على صفقات مادية،واتفاقات شفوية، من أجل انتقال هذا المدرِّس أو تلك المدرِّسة،فلا شك، أننا نراكم للأسف الشديد، مزيدا من بنيات الرياء والنفاق والخداع والانحطاط، داخل هذا المجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.