إعلامنا وفراغ التفرغ للنميمة
لاأعرف، لماذا أضحى فريق كبير من جسم إعلامنا،يتلذذ بطريقة غريبة،كي ينهك جسده بكاهل مئات التعليقات الفارغة،التي تقيس بها جهات أخرى مستويات أفق تفكير الناس،تقدما أو ارتدادا، وقد حقق هذا الموقع أو ذاك “سبقا” غير مسبوق،لأنه استرق السمع وتلصص خلسة،فأسرع كي يقدم للعموم بطريقة بوليسية مخابراتية،”ريادة” هذا المقطع أو ذاك،و هذه الومضة أوتلك،و هذه الشذرة أو تلك،تشي ب”الدليل القاطع”،أن سينمائيا أو مغنيا من مصر أو غيرها، قد ضبط خلسة، وهو يبدي في حق المغرب تصريحا سيئا.
تنبغي الإشارة أولا،أنه إذا أبقينا ذواتنا داخل الدوامة المتهالكة للقيل والقال،تطلعا لاستكناه “صفاء السريرة الخالص “،لموقف شخص عربي من أبناء وطنه،قبل وطن ثان، فلن نبقي لهذه الخريطة العربية، من رسم جغرافي يذكر،لأن أساس الخراب الذي نحيا مقدماته اليوم، هو كون علاقات العرب، فيما بينهم أفقيا وعموديا وطولا وعرضا،استمرت دائما محكومة بالعواطف الكاذبة والأوجه المنافقة،نفاق بين الدول العربية،وتوجيه بالتالي لمشاعر شعوبها حبا أو كرها،حسب المصالح السياسوية الضيقة، ومدائح صباحية سرعان ما تمحوها ظلمة الليل، خلال ذات اليوم.بالتالي،إذا استمر الإعلام على ذات خطى، تعقب حكايات في غاية الصغر،من هذا القبيل، تترامى شظايا حرائقها، بجوقة “تخربيق” القيل والقال،المتنامية منظومتها، فلا شك،أنه إعلام بصدد التخلي عن قضاياه الجوهرية.
إذن، بغير فحص و لاروية ولا استدلال ولا تمحيص ولا تدقيق ولا توثيق ولا موضعة في السياق ولا معرفة بحيثياته ولا تقييم لنوعية الفاعلين ومستوى”سينمائيتهم”أو “غنائيتهم”،ودرجات حضورهم الرمزي ثقافيا، قياسا لما ينتجونه جماليا،وماذا قال؟وكيف قال؟ وكيف تم تأويل قوله؟ثم بادئ ذي بدء، وقبل كل شيء :ما القيمة المضمونية والمعرفية والتحليلية لخطابه كي يرقى إلى درجة التداول القيمي، ويغدو قضية نقاش عمومي، ورأي عام وطني؟حتى تتجه صوبه الاهتمامات….فبالكاد،يلقى بالشرارة إعلاميا،كي تسري سريان النار في الهشيم،ردود فعل مبتذلة تخلط كل شيء بأي شيء، تكشف على أننا ننمي للأسف،مزيدا من الشوفينية والتسطيح، وتبخيس للاهتمامات والرؤى،فنقضي ساعات طويلة أمام الحواسب، كي يستنزف بعضنا البعض الآخر،بحزمة أحاديث لا تقدم، لكنها في المقابل تؤخر تأخيرا :ماجدوى،للنهوض فعليا بالبلد،ومعالجة ملفاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية،بروح وطنية حقيقية،تتبلور من لدن الجميع عمليا،ويوميا، على امتداد هذا الوطن، ونحن أعلم وأعرف بخبايا واقعنا، أن جزائريا أو مصريا أو لبنانيا أو سعوديا أو كويتيا…،مهما كان قدره بالنسبة لمؤسسات بلده،قد اعترف لنا،أو ضدنا، أن المغرب بلد ”حلو” أو ليس ”حلو”؟هذا رأيه الشخصي،لاقيمة له،متروك كما اعتدنا لانشراح أو ضجر مزاجه ومدى تجاوب إيقاع عقله مع بطنه وأشياء أخرى،لحظة إفصاحه عنه!ثم، وهو الأهم في ظني،من العربي المنتمي إلى غرب هذه البقعة أو شرقها؟ الذي بوسعه التبجح منتشيا على باقي القوم بميزة ما ! مادام جميعنا،نخبة وعامة،عارفين وجاهلين،ينغمس في ذات الوحل،على طريقته،ويستحم في نفس مياه البحيرة الآسنة.
هكذا ،يتبدى جواب بسيط على ضوء ما نسب أخيرا من كلام إلى فنان سينمائي مصري : أي فرق بين دعارة المواخر الحسية ثم أنواع الدعارة الفكرية والفنية والسياسية؟حتما كلاهما،يعكس مبدئيا خللا بنيويا داخل المنظومة المجتمعية،بشكل أو آخر. بناء على ذلك،من هو الفنان العربي،راهنا؟ مع استثناءات نادرة جدا جدا،الذي بوسعه أن يستحق ويحمل اسما، ليس مجانيا كهذا،دون نفخ ولا دعاية تجارية فائضة،ويعيش من ناحية قناعاته دون تملق ولا لعبة أقنعة رديئة، فوق عطايا سلطة بلده،وباقي السلطة العربية،ملتحفا فقط، مشروعية سلطة الجمالي الكونية.
طبعا، في “المشمش”،على حد تعبير إخواننا المصريين دائما.