واحات المغرب ألم التوعك وأمل النجاة
يشغل المجال الواحي بالمغرب مساحة كبيرة تقدر ب 71000 هكتار ،أي ما يعادل سبعة ملايين نخلة ،تتوزع أساسا على واحات درعة وتافيلالت ،هذه المساحة وهذا العدد في تزايد مستمر بفضل المجهودات الكبيرة والمتواصلة التي يبذلها مختلف الفاعلين في قطاع النخيل ،فهناك مجموعة من المخططات الوطنية الطموحة التي تحمل في طياتها البشر وإعادة الاعتبار لذلكم الموروث النباتي صاحب الأهمية الخاصة . فلا أحد يخفى عليه التطور السلبي الخطير الذي عرفه هذا قطاع بالمغرب منذ نهاية القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين حيث فقدنا أكثر من ثلثي النخيل بسبب مجموعة من العوامل أهمها مرض البيوض وإهمال الفلاحين .وكما أسلفت الذكر فالمغرب لم يبقى مكتوف الأيدي طيلة هذه المدة بل سارع إلى تعبئة كل الموارد المادية والبشرية اللازمة من أجل إيجاد حلول ناجعة تحد من ذلك التدهور بل وتعيد المجد للواحات،ومن مظاهر ذلك إلتزامه بإنتاج خمسة مائة ألف فسيلة أنبوبة سنويا ،ووضغها رهن طلب المستثمرين. فماهي دواعي الإكثار النسيجي لنخيل التمر ؟ وماهي أهم الإشكالات التي يواجهها تفعيل هذه المخططات ؟
من المعلوم لدى الجميع أن طرق التكاثر التقليدية عند النخلة تنقسم الى قسمين :
أولاً: التكاثر الجنسي
نحصل من خلاله على فسائل إنطلاقا من نمو الأجنة الجنسية الموجودة بالبذور( النوى ) وهذه الطريقة كانت سائدة في الماضي قبل تطور العلم ،كوسيلة لإعمار أو حتى إنشاء واحات نخيل جديدة ، ومازلت تستعمل على نطاق ضيق فى بعض المناطق المنعزلة أو على نطاق بحثي ،ومما يعاب على هذا التكاثر أنه غير وفي حيث أن المميزات الجينية للأبوين تتبعثر ( الجنس ، الجودة ،المقاومة …) ويعطي ساكنة تتكون من 40 إلى 60 في المائة من الذكور ( الفحول ) ، رغم ذلك فالنخيل النامي من زراعة البذرة موجود فى كثير من المناطق المشهورة بزراعة النخيل كما أن أغلبها يستخدم في التلقيح . وإذا نظرنا إلى هذا النوع من التكاثر من الزاوية الايكولوجية فسنجد على أنه الأفضل حيث يعطي ساكنة (population) متنوعة قادرة على تحمل الضغوطات الإحيائية بحيث نجد اختلاط بين أنواع مقاومة وذات جودة وأخرى أقل مما يمكن من ضمان استمرارية هذه المنظومة الزراعية الهشة ،كما يمكن أيضا هذا النوع من التكاثر من خلق أنواع جديدة بفضل تبادل وإختلاط الجينات بين الابوين (النخيل : الذكر والأنثى) قد تكون لها أهمية اقتصادية كبيرة .
ثانيا ً: التكاثر اللاجنسي
إلى عهد قريب وقبل التقدم فى تقنية زراعة الخلايا والأنسجة النباتية كانت الفسائل (لغرس نوفروخ ) هى الطريقة الوحيدة لإكثار النخيل خضرياً. تكمن هذه التقنية من الحفاظ على كل الصفات الجينية للنخلة الأم ( الجودة ،المقاومة …)، ، وجميع أصناف النخيل سواء كانت إناثاً أم ذكوراً تنتج من 3 الى 30 فسيلة (Rejet) طيلة حياتها .
يحث الباحثين في مجال النخيل الى إحترام هذه التعليمات من أجل الحصول على فسائل جيدة ومتجانسة :
- تربية عدد محدود من الفسائل حول الأم ( 5 – 6 فسائل ) موزعة بانتظام حول جذوع النخلة.
- العناية بخدمة وتربية الفسائل فى قواعد أمهاتها والمحافظة على سعفها إلى حين وقت فصلها من حول الأم .
- يقتصر التقليم خلال مرحلة تربية الفسائل على إزالة الأوراق الصفراء والجافة من الفسائل المختارة .
- يمكن تشجيع النخلة على إنتاج فسائل من قاعدتها بتكويم التربة حول الجذع وحتى ارتفاع نصف المتر مع تربيطها بالماء لتشجيع نمو المرستيمات الإبطية وتكوين الجذور.
وعلى أي فلبدا للفلاح أن يلتزم بمجموعة من التوجيهات لضمان نجاح عمليات التكاثر بهذه الطريقة بدء بتربية الفسيلة ووصولا إلى زراعتها.
للأسف هذه الطرق التقليدية (التكثير بالنوى وبالفسائل التقليدية ) في تكثير النخيل غير قادرة على الإستجابة للخصاص الكبير الناتج عن تهشيم أكثر من عشرة ملايين نخلة خلال قرن من الزمن، لذا وجب التفكير في تقنية تمكن من إنتاج عدد كبير من الفسائل من الصنف المرغوب في مدة زمنية قياسية، هذه التقنية هي زراعة ألأنسجة في المختبر.
من مزايا تقنية زراعة الأنسجة في إكثار نخيل التمر نجد :
- الحصول على أعداد كبيرة جداً من الفسائل باستخدام عدد قليل من الأمهات.
- الحصول على فسائل خالية من الأمراض الفطرية المنتشرة حالياً فى كثير من البلدان والتى يخشى استيراد فسائل منها.
- من أهم مميزات هذه الطريقة هو تجانس الفسائل الناتجة مما يضمن تجانس النمو وسرعة النمو حيث يمكن الحصول على المحصول بعد 4 سنوات فقط من الزراعة .
- زراعة الفسائل بالأرض المستديمة مباشرة بدون عمل مشتل والانتظار لمدة 3 – 2 سنوات حيث أن الفسيلة التي تزرع تكون ذات مجموع جذرى كامل وتزرع فى نفس المواعيد العادية للزراعة فى غشت وسبتمبر أو مارس وأبريل .
- سهولة تداول الفسائل ونقلها مع ضمان خلوها من الإصابات الحشرية أو المرضية.
- الحصول على فسائل من النخيل الذى فقد قدرته على إنتاج الفسائل .
بالرغم من تكاليفها الباهظة إلا أن تقنية زراعة الأنسجة هي الحل الوحيد الذي نستطيع بواسطته إعادة إعمار الواحات ،والمغرب بفضل الله خطى خطوات مهمة في هذا الاتجاه لاسيما في تقنية تشكل الأعضاء (Organogenèse ). إلا أنني كباحث في مجال البيئة الواحية أعيب عليه مجموعة من الأمور وهي كالتالي :
- ضعف أو حتى غياب التواصل بين الفلاح الواحي وممثلي الوزارة المعنية ،فليس هناك لا دورات تكوينية ولا ندوات ولا زيارات ميدانية ولا شيء .
- وجود تباعد بين الباحثين والفلاحين وأحيانا تنافر بسبب التعامل ألاحتقاري والإستغلالي من أحد الأطراف.
- وجود فوارق تنموية كبيرة بين مناطق الواحات .
- رضوخ المختبرات المتخصصة في التكثير لطلبات المستثمرين (غالبا يتم إكثار الأنواع الجيدة فقط والتي تعتبر حساسة لمرض البيوض ) متجاهلين بذلك الدور الايكولوجي الذي يلعبه التنوع الجيني للنخيل في منطقة معينة .
- إهمال المراحل الأخرى الأخيرة المتعلقة بإنتاج التمر ،فإذا كانت الوزارة الوصية وضعت خطط لإنتاج الفسائل ففي حد علمي لا توجد هناك برامج أو بالأحرى تحركات ميدانية لتقنين الإنتاج وتثمين المنتوج ( بدء بطرق الزع الى التسويق ) .
وفي ظل هذا الوضع الحزين لهذا القطاع الفلاحي ،فالمغرب يستورد ما معدله 30 في المائة من حاجيات المواطنين من التمور (في الغالب أقل جودة من خلط المغرب !! ) في الوقت الذي تستعمل فيه 40 في المائة من تمورنا كعلف للماشية اضطرارا طبعا وليس اختياريا لأن الفلاح الصغير لا يستطيع تثمين منتوجه وليس أمامه إلا ذلكم الحل . فإذن لبدا من تنظيم هؤلاء الفلاحين في شكل تعاونيات ولبدا من تعزيزهم وتزويدهم بما من شأنه أن يحافظ على جودة تمورهم لمدة أطول ( إنشاء وحدات للتبريد والتخزين ) .