هل هناك صداقة داخل المجتمع…؟

0 520

الصداقة؛ هذه الكلمة الفواحة التي كلما صلت و جلت، إلا وجدتها تلقي بظلالها على الأفراد. إنها تلك العلاقة الناتجة عن تفاعل الذوات الإنسانية فيما بينها، إنها ملتقى القلوب، يوم تغلق أبواب الحياة الوهمية. إننا نعيش في قفص اجتماعي أمسى يحكم و يجلد من طرف جلاد لا يرحم (المشاكل الاجتماعية في عصرنا). العصر الذي أصبح   يحلل فيه الحرام و يحرم فيه الحلال.أضحى الإنسان يعيش مكبلا بجهله لحقيقة ذاته، و بعلاقاته الاستغلالية الوحشية. استغلال بين الأخ و الأخت بين الصديق و الرفيق و بين…و بين…

إن الاهتمام بموضوع الصداقة لم يكن وليد اللحظة، و إنما وجد بوجود الفكر الإنساني. بدءا بالفلسفة اليونانية مع كل من “السوفسطائيين”،”سقراط”،”افلاطون” ثم” أرسطو”. مرورا بالعصر الوسيط، ثم الحديث، واستقرارا بعهدنا هذا. هذا الزمن الذي زور المعنى الحقيقي للصداقة، و جعلها جسرا لتحقيق اللذات      و المنفعة، هذا الزمن الذي استغل معرفته التكنولوجية، لهدم كل الأسس القيمية التي على أساسها تنمو السعادة، و من بئرها تشرب الإنسانية.

إننا نعيش عصر يصعب عليك التميز فيه بين القبيح و اللطيف و التعيس و السعيد…

قد تستغرب حينما تعود إلى الفلسفة اليونانية خاصة مع “أفلاطون”         و” أرسطو”، و تجد هذا الأخير يميز بين ثلاثة أنواع من الصداقة، تختلف من حيث طبيعتها و قيمتها، فالنموذجان الأولان (صداقة المنفعة والمتعة) متغيران نسبيان يوجدان بوجود المنفعة و المتعة و يزولان بزوالهما، و من ثم فهما لا يستحقان اسم الصداقة إلا مجازا.. . أما النمط الثالث (صداقة الفضيلة) فيمثل الصداقة الحقه، لأنه يقوم على حب الخير و الجمال لذاته أولا، ثم للأصدقاء ثانيا. وفي إطار صداقة الفضيلة تتحقق المنفعة والمتعة كنتيجتين     و ليس كغايتين. غير أن “أرسطو” يعترف بصعوبة تحقيق صداقة الفضيلة التي تعتبر بالنتيجة نادرة الوجود، و لو تحققت لما احتاج الناس إلى العدالة والقوانين( مقتطف من كتاب أرسطو:علم الأخلاق إلى نيقوماخوس).

و ها نحن نعود إلى عصرنا الحالي، لنعيش من فتاة الصداقة. قد أكون أحيانا متناقضا في الحكم على صداقة العصر الحالي. لكن سبب هذا اللاستقرار هو تلك اللحظات الجميلة التي تجمعك من أناس ربما لا تربطك بهم سوى صيحات الزمن الهالك، قد يكونون زملاء عمل أو تلاميذ أو رفاق طفولة… أحيانا تشعر بالوحدة لغيابهم، و تنعم بالراحة لحضورهم،. و يضل الشك يخالجك في حقيقة هذه الصداقة، وسرعان ما يكشف لك الزمان على مكانتهم داخل دواليب قلبك، فتصبح أسير حياتهم و يمسون يشكلون شرطا لوجودك. لتخلص في النهاية أنك تعيش في وطن صغير لا يعرفه إلا من لا وطن له(الصداقة).

فالصداقة علاقة راقية جدا، فقط تحتاج إلى أناس يعرفون معنى الوفاء،   و ليست البقاء مع صديق وقتا أطول، و إنما أن تبقى القلوب على العهد حتى و إن طالت المسافات و تغيرت الظروف.

قد تصل علاقة الصداقة، و كما جعلها البعض و شبهه بعلاقة اليد بالعين: حينما تنجرح اليد، تدمع العين، وحينما تدمع العين تمسحها اليد.

لتبقى الصداقة الحقيقية تلك التي تحتكم للعقل و القلب و الضمير، تلك التي تحترم الذات لتسمو بصاحبها إلى درجة البهجة و السرور…لتستمر الحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.