أمة في خطر
ما أكثر الكلام عن تردي الوضع التعليمي ببلدنا ! وما أكثر التقارير التي صنفت المغرب في مؤخرة الترتيب من حيث جودة التعليم !و ما أكثر التصريحات و الخطب التي دقت ناقوس الخطر الذي يهدد تعليمنا ! و ما أكثر الاسعافات بشتى أنواعها التي تلقاها تعليمنا ليراوح مكانه عليلا سقيما ! و ما أغبى و أفضع التهم التي كالها زورا ( المسؤولون ) عن القطاع لرجال التعليم محملين إياهم مسؤولية كل الاخفاقات و الفشل , الى درجة صار معها البعض يظن أن رجال التعليم لا يفعلون شيئا في قلاعهم سوى تضييع أوقات أبناء الشعب و تعليمهم ” الخرايف “!
أضم صوتي بدوري – في هذه الورقة – الى صوتي الشخصيتين البارزتين المنصبتين على رأس قطاع التعليم : رئيس الحكومة و وزير التربية , لا لتأكيد كلامهما المكرور عبر وسائل ( الاعدام ) بل لأقول إن أمتنا في خطر . فالتمادي في تجريب المجرب و إهدار الفرص و الموارد و الثروات , و الانكباب على بناء الحجر و إغفال البشر , و التعويل على ما ينتجه البحر و الحقل لا ما يبدعه العقل , و استمرار الاستدانة من الخارج , و اتساع الطبقات المهمشة و جحافل المعطلين و ما يترتب عن ذلك من عاهات نفسية و أمراض اجتماعية لمؤشرات تنذر بوضع كارثي و مستقبل مأزوم لن ترتقه الصدقات و الحسنات ما لم نؤسس لتعليم عمومي يعكس اهتمام المسؤولين بمستقبل أبناء الوطن . و أمام تعدد مشكلاتنا الاجتماعية و التربوية والاقتصادية , يظل التعليم الجيد السبيل الأمثل لحلها و ذلك لما يضمنه للمواطن من وعي بالحقوق و الواجبات و التعبير عن الراي و غرس للقيم و تكوين شخصية مستقلة مسؤولة منتجة و مبدعة .
إن إخفاقات المدرسة المغربية ليست بالشكل الموصوف على لسان ( المسؤولين) و وسائل الاعدام المختزلة للفشل في رجل التعليم و الوسيلة و المبنى المدرسي- الحجر – و إنما بسبب غياب رؤية واضحة للمجتمع الذي نريد و عدم توظيف نتائج الأبحاث و التقارير التي يرفعها الفاعلون الحقيقيون بشكل منهجي في الاصلاح. كما يمكن التأكيد بأنها (الاخفاقات) نتيجة حتمية لغياب الارادة الحقيقية في النهوض بالمدرسة العمومية لحاجة في نفس صانعي القرار التربوي و من يدور في فلكهما : فأما رئيس الحكومة فلا يهمه من أمر التعليم إلا خوصصته في أقرب الاجال والاستفادة من زبنائه كمقاول بالتعليم الخصوصي لذلك نجده لا يدخر جهدا في الهجوم على رجال التعليم أساتذة و مديرين و مفتشين و تناولهم قدحا و ذما و إلصاق كل افات المنظومة بهم . و أما وزير التربية الوطنية و الذي تولى حقيبتها مرتين فلم يعجل من الاصلاحات إلا بما ينفخ أرصدة شركته كمقاول في التكنولوجيا الحديثة , فمن برنامج جيني و تجهيز القاعات بالحواسيب و اللواقط إلى مسار و الطابليت مرورا بحقيبة المدير . برامج كلها ليست ذات قيمة إضافية تصب في تنمية مهارات المتعلمين و صقل عقولهم , و إنما تجهيزات و حوامل الكترونية جامدة تم تكديسها إلى جانب الحوامل الورقية الكلاسيكية . فأي رؤية استراتيجية تنتظر تعليما على رأسه مسؤولان : الأول يقف منه موقف منافس يجب محاربته و الظفر بزبنائه و مبانيه .و الثاني ينظر اليه كسوق لتصريف بضاعته و أشيائه ؟ و أي مستقبل ينتظر شعبا ينظر إليه مسؤولوه كعبء ثقيل لا كموارد بشرية صانعة للثروة .
إن تعطيل بوصلة الغايات , و عدم تحديد الأهداف و الوسائل الكفيلة بتحقيقها , و التركيز فقط على المظاهر المستوردة هي السمة الطاغية على تدبير شؤوننا . >>فنحن نبني المدارس و الجامعات لا لتعليم أبنائنا و تنوير شعبنا ,و لكن ليقال إن المغرب متقدم .و نبني المستشفيات لا ليعالج شعبنا ,و لكن ليقال إننا كأوربا . << أضف إلى ذلك انعدام المحاسبة و المساءلة إلى حد أصبح فيه المغرب فريسة تنهش حية .
و للنهوض بأوضاع المغاربة عموما و المدرسة العمومية خصوصا كمؤسسة للترقي الاجتماعي لأبناء الطبقات المسحوقة ,لا بد أن يوكل أمرها لمن هم أهل له من قيادات فذة , أصحاب العلم و الكفاءة ,المشهود لهم بالنزاهة والوطنية و المروءة , و القادرين على صناعة الامكانات و تحمل المسؤولية كاملة .إننا بحاجة لقادة يرون نجاحهم في نجاح الاخرين لا انتهازيين يخفون فشلهم بجلد الاخرين .