بــعد 71 عاما على اختطـاف الاستقلال
طرح مجموعة من السياسيين المغـــاربة في ذكرى ” المهدي بن بركة ” رفع السريّة عن قضية المختطفين والمغتــالين في عهد حكم الحسن الثــاني أو ما يسميه السياسيين المغاربة بـسنوات الرصاص ، فلم يكن في ٱعتقادهم أنهم يسعون إلى نفض الغبار عن ملفات سياسية كبرى بل ” فضائح سياسية ” إذا تم ربطها بـقضايا سياسية ملغومة وغــامضة لا زالت تثير حساسية المخزن بالمغرب ، وتـــناسو أن الدولة في كُتْمــانها تَذِر لهم بالخير والبركة والسُّترة السياسية ، ويبدأ النقاش أنه لو فتحت الدولة بالمغرب ” الأرشيف المخزني القديم ” خصوصا منذ 1901م إلى غـــاية 1957م لربمـــا طــالب المغاربة اليوم بــالإستقلال ، وسيدرك المغــاربة تماما أن ” عيد الإستقلال ” هي لعبة سيـــاسية قَــــدِرة لها مهندسون ومتخصّصون صنعوا من ممتهني علم” الإجرام السياسي ” بطولات وأصبحوا أبطالا اليوم ، ويكفي للمغـــاربة أن يسألوا عن موقعي وثيـــــقة المطالبة بالإستقلال وتــاريخهم في دهاليز السياسية الفرنسية منذ 1906م ، والمعروفين في أرشيف السياسيين والكلونياليين الفرنسسين خصوصا ”روجِي تورنُو” بــ ” أصدقـــاء فرنســــا ” ، ويكفي أن نشير أن موقعي وثيقة المطالبة بالإستقلال هم حفنة من المغاربة المجنسين بجنسيات فرنسية وٱبريطانية خصوصا محمد الفاسي وأحمد بلافريج وأبو بكر القادري والمهدي بن بركة وآخرون ، فالعَلَم الفرنسي كان يرفرف فوق منزل عبداللــه الفاسي إلى غــاية 1937م وهو قاضي بفاس وأب علال الفاسي زعيم حزب الإستقلال وأحد المستفدين من الحمــاية الفرنسية، وعبد السلام لحلوا تم توشيحه بـــالوسام الفرنسي الممتاز مباشرة بعد معركة سيدي بوعثمان 1912م من طرف الجنرال اليوطي ،ومحمد المقري الصدر الأعظم في حكومة جلالة السلطان كان مجنس بجنستين فرنسية وٱبريطانية وتم توشيحه بوسام الشرف لخذماته الجليلة التي كان يقدّمها للفرنسيين ومشروعهم السياسي بالمغرب ، فهم فعلاً أصدقاء فرنسا ورفاق فرنسا ، بل فرنسيين بالدرجة الأولى أكثر من الفرنسيين ، لذالك لا نستغرب حينما وصف وزير الخارجية الفرنسية في مارس 2014م ” لوران فابيوس ” دولة المغرب بــ” العشيـــقة ” بكل ما تحمله الكلمة سيـــاسيـــا من معنى ، وعلى الأقل فقد إقتدى بــ” الجنرال شارل ديكول ” وهو من مهندسي الخريطة السياسية بالمغرب منذ 1912م ، وقد وصف المغرب في مذكراته بالمقاطعة الفرنسية . ‘’ Province Française ‘’
ويمكن أن نطرح إشكالية ثقيلة في تاريخ المغرب السياسي لماذا لم يعترض ” علال الفاسي و بن بركة والوزاني والفقيه البصري والمقري والصبيحي وآخرون للمشروع الفرنسي بالمغرب ٱبتداءً ا من 1912م ، وإذا كان الإستقلال يأتي عن طريق توقيع وثـــيقة فلماذا لم يقدموها منذ 1912م ، ونعتقد أن هذه الإشكالية ترتبط بقضية ” أصدقــاء فرنسـا ” ويكفي أن نذكر رسالة المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي الموجهة إلى العائلاتِ الكبيرة (أصدقــاء فرنســا) عام 1916م : ” إنَّ المراتب القديمة سيتمُّ احترامها، وأنَّ من كانُوا الآمرِين سيبقون فِي كبير منزلتهم، كمَا سيبقَى المأمورُون مدعوِين إلى الامتثَال والطاعة”.
نعتقد أن تاريخ المغرب السياسي هو تــــاريخ الصفقات السياسية و يكفي للمغاربة أن يطلعوا على خبايا وأسرار المخزن السياسي في مؤتمر الجزيرة الخضراء منذ 1905م وهي المصيبة التي أنتجت صـفقة القرن ” معاهدة الحماية بفاس 30 مارس 1912م ” وهي صفقة سياسية كبرى وللمرّة الأولى سيُوظف عبر توافق سياسي فرنسي مخزني مصطلح ” «الدولة المغربية الشريفة المحمية»” خصوصا الجنرال اليوطي وهو من مهندس مفهوم ”المحمية الفرنسية réserve Française, ” وهو مفهوم سياسي خطير تعرض من خلاله المغاربة لأكـــبر عملية نَصْبْ وتدْجين سياسي وساري المفعول إلى يومنا هذا ، وليوطي صاحب ” المحمية ” هو الصديق الحميم للحاج محمد بن عبد السلام المقري وهو الوزير الأعظم و من كبار حاشية المخزن،عايش خمسة من السلاطين العلويين، وجايل تسعة مقيمين عامّين فرنسين وإسبان ، وقد قال فيه أحد أعضاء الوفد السياسي الفرنسي المفاوض مقولته المشهورة إبان التحضير لمصيبة ” فاس 1912م ، حيث لم يحضر بمدريد وكان مقيمــا بطنجة في خلوة حميمية مع إحدى الحسناوات الفرنسيات : “notre ami se trouve a tanger, il cresse des siens noires” ,” إن صديقنا في طنجة يداعب نهودا سوداء ” .
إن أهم ما يمكن أن نسجله في خظم هذا المعطى أن الإستقلال تم تم اختطافه ٱبتداءً ا من 1955م يوم صفقة من العيار السياسي الثقيل ” صفقة إكس ليبان 1955م ” على يد حفنة من السياسيين المغاربة من ” أصدقاء، ورفاق ، وإخوان فرنســا ” يكفي أن نذكر أحرضان وهو ضابط في الجيش الفرنسي منذ 1949م وعمر بن عبد الجليل أحد المستفيدين من الحماية الفرنسية و وعبد القادر بن جلون وأحمد بن سودة وعبد الهادي بوطالب ومحمد الشرقاوي هم الإخوان في حزب الشورى والإستقلال وٱستفادوا منذ خطاب ليوطي 1916م من هبات مالية والأراضي التي كانت تنتزع للمغاربة بموجب ظهير 1914م ، والمهدي بن بركة حامل للجنسية الفرنسية ومن المستفيدين من الحماية الفرنسية وهو الصديق الحميم لـ” Pierre Mendès France ” زعيم الإشتراكيين الفرنسيين، وهو المهندس السياسي لمفاوضات ” إكس ليبان ”وصاحب اقتــــراح خطة ” إجهاض تنامي خلايا المقاومة لجيش التحرير عبر التفاوض مع حلفاء محليين لبناء نظام سياسي يحفظ مصالح ونفوذ فرنسا “، لذالك كانت ”صفقة إكس ليبان” تحتِّمُ على عمر بن عبد الجليل والمهدي بن بركة وآخرون القضاء على جيش التحرير المغربي ، وهذا ما يفسر دعم ” Pierre Mendès France” لحلفائه المحليين ولمشروع بن بركة في إعداد المليشيا الشعبية المسلحة لحزب الإستقلال نونبر1955م وكانت مهام هذه الميليشيا القضاء على قـــيادات جيش التحرير ، عباس المسعدي ، أمزيان ، حدوا أقشيش ، وهو مايسمى في الملفات السرية للمخابرات الفرنسية مشروع ” الجنرال جاكييه ” وهو نزع السلاح لجيش التحرير بالمغرب والجزائر أو العمل على إستمالة قياداتها للمفاوضات ، ولا بد أن نشير أن المغاربة لا زالوا في ” المحمية الفرنسية ” ويدفعون ثمن صفقــات البيع والشراء منذ 1901م إلى يومنــا هذا ، مـــا يجعلنـــا نسأل ذاخل ” المحمية الفرنسية ” مــا مصير الإستقلال المختطف .