لم يكتب للمجلس المحلي للشباب بورزازات أن يولد ولادة طبيعية، بل كان مخاض الميلاد عسيرا، وعرفت لحظة الميلاد عملية قيسرية أجهضت حلم الشباب الورزازي في هيئة مدنية تمثلهم أفضل تمثيل، لأن “الكبار” أبوا إلا أن يفسدوا فرحة الميلاد ليولد “المجلس المحلي للشباب” مشوه الخلقة يحمل بذور فنائه في ذاته. وقد صاحب هذا المخاض العسير حرب بلاغات كان أكثرها إثارة ما سمي “بيان حقيقة” صادر عن النسيج الجمعوي ردا على ما اعتبره اتهامات وأباطيل وردت في بلاغ استنكاري لشبيبة العدالة والتنمية.
“بيان حقيقة” جاء ليكشف الحقيقة على حد تعبيره لكن الحقيقة أنه طمس معالم “الحقيقة الضائعة”، وحاول تحريف النقاش من المشكل الأصل المتمثل في الوصاية غير الشرعية التي يريد النسيج فرضها على شباب ورزازات، وفي الخروقات التي شابت عملية تأسيس المجلس المحلي للشباب، إلى تصوير الأمر وكأنه ردود أفعال من “ذوي النيات السيئة والممارسات الانتهازية” والتي حسب نص البيان قض مضجعها المجلس المحلي للشباب. والمتأمل في بيان النسيج تستوقفه ملاحظات عديدة نجمل أهمها في ما يلي:
ü الحقيقة الوحيدة الساطعة في البيان هو التصريح المباشر برغبة النسيج الجامحة في الهيمنة على المجلس المحلي للشباب بدعوى أنه صاحب المبادرة، وأنه صاحب الحق الوحيد والأوحد في الإشراف عليه وتتبعه ومصاحبته، ومن لم يرقه ذلك فليبلع البحر !! وإذا كان الأمر كذلك فلما لا يؤسس النسيج جمعية بنفس الاسم تعنى بقضايا الشباب، ويلحقها به ويريح العباد والبلاد من كل هذا اللغط؟ ثم من فوض النسيج حق التحدث باسم شباب ورززات؟ ولماذا هذا الحرص على ممارسة الوصاية على الشباب وكأنهم لا يزالون زغب الحواصل لا طاقة لهم على تدبير شؤونهم وإنشاء هيئة تمثلهم وتتحدث باسمهم؟
ü لغة البيان لغة مسعورة تمتح من قاموس غريب عن العمل المدني، فهي من جهة تنم عن ردود أفعال متشنجة وغير متزنة تعكس الحرج الشديد الذي وقع فيه النسيج خصوصا مع توالي الانتقادات من أكثر من جهة للمسار الذي عرفه تشكيل المجلس المحلي، وهي من جهة ثانية تعبر عن التعالي وتضخم الذات الذي أصيب به صائغ البيان، وكأن لسان حاله يقول: “ما أريكم إلا ما أرى”. ولسنا ندري من هم العقلاء الذين يقصدهم البيان في عنوانه؟ وفي المقابل من هؤلاء السفهاء مرضى النفوس الذين يضمرون الحقد والكراهية للنسيج؟ وهل من التعقل والحكمة كيل التهم لأكثر من جهة لمجرد أنها عبرت عن رأي مخالف لموقف النسيج؟ أليس من العبث أن تتم صياغة بيان حقيقة بهذا الكم من المفردات التي تحتاج لدراسة نفسية؟
إن الحقيقة المضمرة في خطاب البيان هي رغبة النسيج في إسكات كل صوت يعبر عن إرادته الحرة دون وصاية من أحد، وترهيب كل من سولت له نفسه أن ينتقد السلوكات غير الديمقراطية والخروقات التي شابت تأسيس المجلس المحلي للشباب، وهو في ذلك مستعد لشن “حرب مقدسة” لا هوادة فيها تستعمل فيها كل أساليب الترهيب والوعيد التي لا تنم للعمل الجمعوي بصلة.
ü ادعاء استقلالية المجلس المحلي للشباب واتهام العدالة والتنمية بمحاولة تسييسه من خلال شبيبته ضحك على الذقون وتغليط للرأي العام، ومحاولة يائسة لتحريف النقاش عن مساره الحقيقي. ولسنا ندري لماذا خص البيان شبيبة البيجدي بالرد دون غيرها من البيانات خاصة بيان أعضاء اللجنة التحضيرية الذي اتهم النسيج بصريح العبارة باتخاذ قرارات تعسفية من خلال إقصاء اللجنة التحضيرية وإلغاء كل قراراتها خاصة القانون المنظم لعملية الانتخاب، وممارسة وصاية مباشرة حسب نص البيان. فلماذا لم يرد “بيان حقيقة” على بيان اللجنة التحضيرية وبيان ممثل الطلبة؟ أم أن هؤلاء جميعا مندرجون في مخيلة قادة النسيج ضمن السفهاء “المريضة أنفسهم” الذين “ينعقون بمناسبة وبغير مناسبة” كما وصفهم بيان النسيج؟
إن الأمر حسب كثير من المتتبعين أكبر من مجرد تأسيس مجلس محلي للشباب؛ فقد رأى عدد من الجمعويين أن الغاية من الوصاية التي أراد النسيج فرضها على المجلس المحلي هي الهيمنة على الدعم المادي الذي من المتوقع أن ينعم به المجلس المحلي للشباب سواء من قبل الجماعات الترابية أو من قبل الهيئات الدولية، والذي قدره مهتمون بما يناهز 250 مليون سنتيم تنضاف إلى المنح المهمة التي يستفيد منها النسيج آخرها 40 ألف درهم كمنحة من المجلس البلدي لورزازات برسم سنة 2015. في حين أعطي آخرون للمولود الجديد أبعادا سياسية، فقد ذهب أكثر من مصدر استقينا رأيه إلى أن المجلس المحلي للشباب بالصيغة التي تم بها أريد له أن يكون ناطقا رسميا باسم شبيبة حزبية في إشارة للحركة الشعبية الذي يقود التحالف ببلدية ورزازات. ويرى أصحاب هذا الرأي أن المجلس المحلي للشباب هي بداية تشكل الشبيبة الحزبية للحركة الشعبية، وقد أريد له أن يكون موازيا مدنيا مهادنا ومصفقا لكل قرارات المجلس الجماعي وخزانا انتخابيا يستميل أصوات الشباب.
ونحن من موقعنا لا نسلم بهاته القراءة أو تلك، لكننا لا نبخس أي قراءة مما يستدعي من الجهات المعنية تقديم التوضيحات اللازمة. وفي انتظار ذلك، يحق أن نتساءل كما تساءل غيرنا من المهتمين: لماذا يصر النسيج الجمعوي على فرض وصاية “الكبار” على هيئة مدنية شبابية بامتياز؟ وما رده على الخروقات وتهم الإقصاء الواردة في مختلف البيانات خصوصا بيان أعضاء اللجنة التحضيرية؟ وما مدى صحة ما أثير حول ضغوطات مارسها النسيج على وكيل إحدى اللوائح للتنازل عن ترشحه لرئاسة المجلس لفائدة وكيل لائحة أخرى محسوب على النسيج الجمعوي؟ أسئلة وغيرها ستظل معلقة، ووحدها الأيام هي الكفيلة بكشف الحقيقة الكاملة وليس مجرد “بيان حقيقة”.