الإعلام الأمني وأهمية دوره في المجتمع
كان الاعلام في بداية ظهوره يهتم بمجالات معينة فقط، وكانت محدودة بوسائلها وتاثيراتها، لكن الامر لم يتوقف على عند ذلك، بل فاقت تطوراتها كل التصورات بفضل التطور المذهل لوسائل الاتصال من جهة، وقدرة الاعلام على التعبير عن مختلف المجالات.
لذا فقد إتسعت مجالات الاعلام بصورة واضحة بحيث شملت الصحة والتعليم الامن والدفاع والإقتصاد والبيئة والمناخ والعلوم… وغيرها. وكما شملت بلغتها الشرائح والمستويات كافة حتى باتت من اهم ادوات المعرفة في العصر الراهن.
وكان ذلك نتيجة للتطورات الكبيرة التي طرأت على التكنولوجيا وتقنيات الاتصال والإعلام والتي جعلت من العالم يبدو وكأنه قرية الكترونية صغيرة، وأصبح الإعلام محوراً أساسياً لمختلف القضايا الأساسية، وازدادت اهميته بوسائله المختلفه في المجتمع في كافة مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، بما في ذلك المجال الأمني، اذ لحقت تلك التطورات بالظواهر الأمنية ذاتها، والظواهر التي تتعامل معها، الأمر الذي تطلب تحديثًا وتطويراً مستمراً للسياسات الأمنية وللاساليب والوسائل والتقنيات التي تستخدمها في تعاملها مع هذه الظواهر.
يعد مفهوم الامن المعاصر من اهم المفاهيم العامة بسبب ارتباطها المباشر بحياة وكرامة الأفراد والجماعات وسلامة المدنية واستمرارها، وهذه التحديثات التي حصلت على مفهوم الامن جعلته مسؤولية عامة قبل كل شيء مع الابقاء على خصوصية اعتباره وظيفة محددة لجهاز امني تمثل اهم واجهات السيادة للامة بوصفها صمام الامان للمجتمع.
ان اتخاذ الامن ابعادا عامة من جهة. وتوسع مجالاته الادراكية إلى الكثير من المجالات كما في الامن الاجتماعي والامن الاقتصادي والامن الفكري والامن المعلوماتي والامن المناخي والامن الدولي والامن الاقليمي و….غيرها كثيراً، جعلها مفهوما واسعاً بحاجة إلى الكثير من الوسائل والادوات، ولم تعد استخداماتها حكرا على الاجهزة الامنية.
لذا يتبين مما سبق ان العلاقة بين الأمن والإعلام هي علاقة ارتباطية، فالإعلام بوسائله المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية يلعب دوراً بارزاً ويؤثر بفعالية في دعم نشر المعرفة الامنية ويساعد عمل الأجهزة الأمنية على كافة المستويات، بل أصبح الإعلام بلا منازع صاحب الدور الأكبر في التوعية بأبعاد القضايا الأمنية، من خلال التغطية الاعلامية ومن خلال الاسهام في بناء المواطن وتحصينه ضد أي غزو اعلامي او فكري معاد، فضلا عما يقوم به من دور مهم في تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين واستيعابهم لما يدور على الساحة الداخلية، حيث يتناول القضايا الوطنية التي تؤثر في قدرات الدولة السياسية، من خلال الشرح والتحليل لهذه القضايا وتعريف المواطن بأسبابها واسلوب التعامل معها، وبهذا فأن العلاقة الوثيقة بين الأمن والإعلام تشكل عنصر الأمن والاستقرار في المجتمع.
اذن اصبح للاعلام الأمني دور بالغ الأهمية والحيوية في المجتمع، وركيزة أساسية لدعم وتنمية الحس الأمني والوقائي لدى الأفراد من خلال تعاونهم في حفظ الأمن والاستقرار، اضافة إلى أن الإعلام الأمني اصبح وسيلة لتوسيع الآفاق المعرفية لافراد المجتمع بحيث يكونوا على اتصال مباشر مع الأحداث. وقد حدث تغيير جذري وعميق في مفهوم المسؤولية الأمنية بحيث أصبح الأمن مسؤولية تضامنية يسعى الاعلام لتحقيقها في المجتمع.
من المهم جداً ان نبين للقاريء الكريم الجدلية الاساسية لفرضية البحث المعروض امامكم، وهذه الفرضية تقوم على الاشكالية الاساسية للادوار الوظائفية في القرن الواحد والعشرين وخاصة تلك التي تمس كرامة الفرد وحياته .
مفهوم الاعلام الامني
*خلفية تاريخية:
برز مفهوم الإعلام الأمني بشكل كبير خلال نهايات القرن العشرين كمفهوم جديد في حقل الإعلام العام أو مجال جديد آخر في حقل الإعلام المتخصص، الذي ظهر في تلك الفترة تماشيًا مع التخصص الذي دخل على كل المهن وأُدخل كمفهوم يتم التعامل معه حسب تصورات متمايزة تتماشى ومفهوم تفتيت الجمهور أو جمهور الوسيلة الإعلامية الذي رافق عمليات التخصص، بما أفرد لكل وسيلة إعلامية جمهورها الخاص، ومن هنا جاء مصطلح الإعلام الأمني كحقل من حقول الإعلام المتخصص بعد انتشار هذا المفهوم من خلال الفضائيات والقنوات المتخصصة والإذاعات والصحف، كل يعمل في مجال محدد ويوجه إلى جمهور محدد.
*تعريف الاعلام الامني:
تتعدد التعريفات التي تناولها الباحثون حول مفهوم الإعلام الأمني، وذلك تبعاً لتعدد ارائهم ووجهات نظرهم في تناولهم للمفهوم، هناك في الحقيقة ثلاثة توجهات يحاول كل توجه ان يعرف الاعلام الامني وفقاً لرؤياه الخاصة، التوجه الاول يرى ان الاعلام الامني احد الفروع التخصصية للاعلام، وتشير إحدى الدراسات في هذا السياق إلى أن الإعلام الأمني (يعد فرعاً من فروع الإعلام المتخصص الذي يهدف إلى إخبار الجمهور أو قطاع معين منه بموضوعات تخص الأمن ويقوم به رجال الأمن ذاتهم، كما يقوم به رجال الإعلام إذا كان الأمر يتعلق برجال الأمن).
وفقا لذلك يقترب مفهوم الإعلام الأمني من زاوية معينة وهي التي ركز عليها الباحثون وافترضوا أنها تمثل المحور الرئيسي للمفهوم، والحقيقة أن مفهوم الإعلام الأمني يرتبط (بمفهوم الإعلام) و(بمحتوى الرسالة الإعلامية) المتخصصة التي تقوم عليها و(بالوظائف الموكلة إليه) و(بالجمهور المستهدف). فمن حيث مفهوم الإعلام، يرى البعض (أنه عملية الإخبار أي نقل الرسالة من جهة إلى أخرى من خلال أداة أو وسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري التي تجعل عملية الاتصال لا تتجه إلى شخص معين وإنما إلى جمهور متسع ومن ثم فالإعلام في جوهره هو شكل من أشكال الاتصال).
وهناك رأي آخر يقول بأن (الإعلام هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب بصدد واقعة معينة أو مشكلة من المشكلات حيث يعبر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم وميولهم)، وهو ما يعني أن الإعلام يقوم بالإقناع عن طريق المعلومات والأرقام والإحصاءات والحقائق، فالإعلامي ليس له غرض معين فيما ينشره أو يذيعه على الناس فهو يقدم حقائق مجردة وهذا ما يميزه عن رجل الدعاية ومن هنا يمكننا القول بأن (الإعلام في جوهره نمط من أنماط الاتصال الجماهيري الذي ينقل الواقع القائم كما هو إلى جمهور متسع مختلف من حيث الخبرات والتوجهات والقيم).
بينما يرى أصحاب التوجه الثاني ان الاعلام الامني في الاصل هو الاستخدام المهني للاعلام من قبل الاجهزة الامنية اذ كما تشير التعريفات التي جاءت في دراساتها إلى أن الإعلام الأمني (يقصد به كافة الأنشطة الإعلامية المقصودة والمخطط لها وما يتم إعداده من رسائل إعلامية بهدف إلقاء الضوء والتعريف بجميع الجهود والإنجازات التي تحققها وزارة الداخلية في إطار استراتيجيتها الأمنية الشاملة من خلال كافة وسائل الإعلام والاتصال المختلفة).
ادن أصبح الإعلام بوسائله المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، يمثل محوراً أساسياً لمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والقناة الرئيسة لنشر كل أنواع المعارف والعلوم والآداب والفنون والأفكار والآراء والتوعية في كل ما يتعلق بالقضايا الامنية.
وقد ادى التطور المذهل في عالم الاعلام والاتصال والتكنولوجيا الى زيادة ارتباط الأنشطة الإعلامية بالمجتمع وبالتالي إلى وجود أساليب جديدة للتعامل الأمني مع المجتمع بمكوناته المختلفة، بل اصبح احد المتطلبات الرئيسة للعمل الأمني المعاصر تتمثل في ايجاد قنوات للاتصال المباشر وغير المباشر بالمجتمع بقواه وعناصره وفئاته المختلفة من اجل ايجاد الأرضية المشتركة بين الأجهزة المعنية والمجتمع والمواطنين، وتشكيل الصورة الذهنية الايجابية عند المواطنين تجاه هذه الأجهزة، استنادا إلى كون الأنشطة التي تقوم بها هذه الأجهزة ذات صلة مباشرة بمصالح المواطنين وحياتهم وان قيام هذه الأجهزة بوظائفها بالكفاءة والفعالية المطلوبة يتطلب بناء شراكات مجتمعية قوية وفعالة تؤمن برسالة الأمن ومتطلباته.
ان الإعلام يواجه تحديات الاحترافية والمهنية والأخلاق والقيادة والتخطيط الاستراتيجي والدراسات والبحوث. وهذا يعني أنه يجب التركيز على التكوين الأكاديمي الفعال والمنهجي وكذلك التعليم المستمر والتنسيق ما بين جهات التكوين والتدريب والمنظمات والمؤسسات المختلفة للاستجابة لاحتياجات ومتطلبات سوق العمل. ويعد الإعلام حجر الزاوية في تهيئة الأجواء اللازمة والضرورية لحركة التنمية الشاملة في المجتمع حيث أنه يعمل على توعية المواطن من الناحية الامنية. وعلى ضوء ذلك فإننا نستطيع أن نقول انه لابد من تنسيق الجهود وتوظيف الامكانات المتاحة لتحقيق الغايات المستهدفة.