الموظف… في خبر كان

0 443

كما لا يخفى على أحد واقع التعليم في المغرب ، الذي أصبح حقل تجارب ، يجرب فيه كل الوصفات الطبية المستوردة من فرنسا. لعلها تشفي مرض دام عقود ، ولا يزال في هدا القطاع ، الذي يعتبر من ركائز التنمية البشرية ، التي أصبحنا نحتل فيها والحمد لله الرتبة 126 إلى جانب دول ، مثل سوريا التي تعيش الحرب ، في حين تتفوق علينا الدول المغاربية القريبة ، كالجزائر ، ليبيا ، تونس بفارق كبير كما أكد التقرير الذي أصدره خلال هده السنة المنتدى الاقتصادي العالمي الذي صنف المغرب في المرتبة 101 من بين 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم لينضاف هدا التقرير إلى تقارير أخرى وضعت المغرب في مراتب متأخرة في جودة التعليم ، وهدا ما لا يختلف عليه اثنين .

يعتبر رجال التعليم عنصر أساسي في المنظومة التعليمية التي وصلت إلى ما وصلت إليه الآن غير أنه مغلوب على أمرهم ، وأحيانا يتم تجاهلهم في أي وصفة علاجية تأتي من الخارج ، بدون العودة إلى من هم داخل الميدان بتجربتهم ، وخبراتهم الطويلة في مهنة المتاعب ، التي تتطلب توفير أجواء صحية للعمل ، والتضحية في سبيل هده المهنة الشريفة التي قيل عنها الكثير ، وضحى من أجلها كثير من الاجيال ، لكن للأسف لم يتغير الوضع عما كان عليه في الماضي بل، ازداد سوءا نتيجة غياب الإمكانيات ، و الشروط اللازمة للرفع من جودة التعليم ، من بينها تحسين المستوى الاجتماعي لهده الفئة .

ففي الوقت الذي أصبحت فيه الاسعار تتزايد يوم عن يوم في المواد الضرورية للاستهلاك ، مثلا قطاع النقل الذي رفع من أثمنة التذاكر في السنوات الماضية جراء إرتفاع أسعار النفط لم يتراجع عنها بعد انخفاضها النسبي ، وقس على دلك من المواد الاستهلاكية الاخرى ، ناهيك عن البقع الارضية التي أضحت حلما بعيد المنال لذا الكثير و من بينهم رجال التعليم الدين يتقاضون مرتبات تسد حاجياتهم الاساسية ، وأحيانا يضطر للسلف حتى يكمل ماتبقى من أيام الشهر، وهدا ليس بغريب ، خاصة إدا عرفنا أن مركز التعليم العالي التابع لجامعة شيكاغو الامريكية ، صنف المغرب في المرتبة ما قبل الاخيرة من حيث أجور رجال التعليم ، مقارنة بباقي الدول العربية ، فقطر مثلا يبلغ الراتب الشهري فيها حوالي 65 ألف درهم ، قد يقول قائل أنها دولة بترودولارية  ؟؟ ونحن لسنا أقل منها ثروات باطنية وبحرية كفيلة بعيش المواطن المغربي حياة كريمة لو تم توزيعها بشكل عادل وصحيح بين أفراد الشعب المغربي دون حيف ، وحصول دلك رهين بتجسيد قولة ” ما ضاع حق وراءه مناضل “

إدا كان الدستور المغربي الصادر في 29 يوليو 2011 نص في الباب الثاني الخاص بالحريات والحقوق الاساسية ، في فصله 29 على حق الإضراب ، والدي يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن هدا الحق أصبح مقزما ، ومحاصرا بقيود ، سيما إدا ما تم تطبيق مشروع قانون الإضراب الجديد ،و الذي يهدف لإسكات الحناجر التي تدافع عن الفئات المهمشة في البلاد ،وهدا يحيلنا الى الحديث عن النقابات التي أضحت غير قادرة على تحمل مسؤوليتها في الدفاع و تحصين المكتسبات التاريخية أولا ، والتصدي للمخططات الخطيرة الموجهة نحو الطبقة المتوسطة من الشعب ثانيا ، خاصة الشق الاجتماعي الكارثي منها ، فبالعودة إلى القرن الماضي نجد أن هده النقابات كان لها ثقل ويحسب لها ألف حساب في تنزيل أي مشروع ، أما الان فمعظم المعارك النضالية باتت تنظم خارج هده الإطارات النقابية فيما أصبح يسمى “بالتنسيقيات الوطنية” ، وفعلا بصمودها ، وإيمانها بحقوقها العادلة ، والمشروعة حققت ما ناضلت من أجله لأن الحق ينتزع ولا يعطى ، بل بصمودها وثباتها ، وتضحيتها في سبيل مطالبها العادلة ، وليس بالخيانة ، والانتهازية ، والالتفاف على مطالب الطبقة المتوسطة ، فواقع النقابات اصبح الكل يعرفه لدرجة فقدان الامل ، ولكن هدا لا يعني عدم وجود مناضلين شرفاء بدلوا الغالي والنفيس من أجل الدفاع عن مطالب الطبقة العاملة بصفة عامة . يقول الالماني برتولت بريشت ” من يناضل ربما يخسر ومن لا يناضل فهو خاسر في كل الاحوال ” وهنا نسوق مثال ” التسيقية الوطنية للاساتذة المتدربين ” التي اعطت دروس مهمة في الصمود والنضال رغم كل الممارسات والتهديدات الموجهة ضدهم من طرف الحكومة .

ما يزيد الطين بله في الاونة الاخيرة هو الحديث السائد في دواليب الحكومة ، على الرفع من سن الإحالة على التقاعد ، إلى 65 سنة قبل أن يتراجع عنه رئيس الحكومة ، ويقلصه الى 63 سنة ، بالإضافة الى الزيادة من نسبة الاقتطاعات ، وهو ما تصفه الحكومة بالإصلاح الآني ، والمستعجل ودلك عندما يتعلق الامر بالطبقات المتوسطة والضعيفة ، والتي تمثل الحائط القصير الذي يمكن القفز عليه متى ما أرادت الحكومة دلك ، وحتى لو طبق هدا المشروع فإن الاستمرار في أداء المعاشات لن يتجاوز سنة 2031 ، وهو حل لربح حيز من الزمن لايتجاوز سنوات قليلة قادمة فقط ، ونجد أنفسنا أمامه مجددا ثم ترفع الحكومة مرة أخرى في سن التقاعد حتى الوفاة وتزيد نسبة المساهمة فيه 100 في المئة ، وهكذا يبقى الاصلاح ترقيعي يتحمله المواطن البسيط ، في حين يبقى أصحاب الوظائف السامية بعيدين كل البعد عن أي إصلاح كيف لا وهم من يسطرونها في الوقت والمكان والفئة المناسبة لهم حسب المصلحة .

وبالتالي فمشروع التقاعد الذي تبحث الحكومة عن الطريقة المثلى لتطبيقه على حساب الطبقة المتوسطة فإنها سلسلة متواصلة من مشاريع أخرى أريد بها الإجهاز على مكتسبات هده الفئة المقهورة ، حيث أن تطبيق هدا المشروع يعني بالأساس ” العمل لمدة أطول مقابل الحصول على معاش أقل ، وفي مدة قليلة ” خاصة إدا علمنا أن امد الحياة في المغرب لا يتجاوز العقد السابع ، مما يعني أنه من الوظيفة الى القبر ، دون الاستفادة من التقاعد و سنوات الاقتطاعات حتى يتسنى لمن يعمل خمس سنوات أو أقل فينعم بها دون أي عناء .وفي الاخير أختم كلامي بشعار “ما ضاع حق وراءه مناضل “

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.