ظاهرة الغياب المدرسي وآثارها

0 3٬311

      تعتبر المؤسسات التعليمية من الفضاءات الأساسية للنظام التربوي في المجتمعات الحديثة ومناهج التربية والتعليم المطبقة فيها تعتبر من أهم أساليب الضبط الاجتماعي حتى قيل أن ” التعليم يحرس البلاد أفضل من جيش منظم ” فهي الى جانب الأسرة تؤدي دوراً مهماً في توجيه سلوك الأبناء وتساعدهم على اكتساب العادات الحميدة التي تقوي الخلق والانضباط والنظام من أجل بناء مجتمع قوي ومتماسك ينتقل فيه مشعل الحضارة والازدهار من جيل الى جيل

المؤسسات التعليمية من هذه الناحية تستكمل وتقوي ما زرعته الأسرة من بذور في نفس الفرد مذ خرج الى الوجود ، بل إن من الباحثين من يعتبر الكائن البشري يبدأ في تلقي مبادئ التربية منذ كان جنينا في رحم والدته إذ يتأثر بالمحيط وما يموج فيه  من هنا تأتي أهمية التكامل بين المؤسسات التعليمية والأسرة في رصد كل ظاهرة عارضة في حياة هذا الطفل الذي يراد له ان يكون عنصرا فاعلا بإيجابية في الوسط الذي يعيش فيه . ومن هذه الظواهر التي تقض مضجع الأسر والمؤسسات التربوية على حد سواء ، ظاهرة تغيب التلاميذ والتلميذات عن الحصص الدراسية  حتى لقد أصبحت الظاهرة من السلوكيات السلبية التي تحتاج لوقفة دقيقة لمعرفة :

ü     أولا متى تنتشر الظاهرة بشكل ملفت ؟

ü     ثانيا أسبابها والعوامل التي تدفع المتعلم للغياب ؟

ü     ثالثا نتائجها على مستقبل المتعلم التعليمي والاجتماعي والنفسي ؟

   لاشك أن محاولة البحث عن الجواب لهذه الأسئلة يحتاج للكثير من التقصي والتنقيب في ملفات وبطائق و أوراق الغياب اليومية الخاصة بالتلاميذ والتي يشتغل عليها الحارس العام ، حتى تكون الدراسة دقيقة في مضمونها ونتائجها ، كما يستحسن أن تشمل الدراسة مؤسسات كثيرة ومتنوعة من حيث عدد التلاميذ ونوعيتهم جديد/ قديم وجنسهم : ذكور/ أناث  وبنية المؤسسة التربوية والوسط الذي تتموضع فيه  : حضري/ قروي/ شبه قروي و نوعية التعليم الذي تحتضنه المؤسسة : أصيل / تقني / متنوع / … وفي غياب هذه العناصر كاملة فإن الخلاصات التي سأقدمها مبنية على معلوماتي السابقة والتي راكمتها طوال ثلاث سنوات ونيف من التعامل مع ملفات الغياب وكذا معلوماتي السابقة كمدرس لمدة عشر سنوات بالإضافة الى ما يتم تداوله بين الاداريين عن الظاهرة في المجالس الخاصة وأثناء اللقاءات التربوية .وقبل التطرق لهذه العناصر الثلاثة أرى أنه من المفيد أن نحدد مفهوم الغياب حتى نميز بين الرخص لأسباب مرضية والغياب بدون مبرر أي : “عدم الانتظام بشكل يومي في الدراسة بناء على جدول حصص مصادق عليه ، وكل غياب تجاوز حصتين بدون مبرر قانوني يُحتسب في سجلات الغياب بوما كاملا “

   أولا متى تنتشر الظاهرة بشكل ملفت ؟

من بين الملاحظات التي لا تخطئها العين أن الظاهرة تكثر الى حد الاستفحال في المحطات التالية :

1 – عند البدايات الأولى للدخول المدرسي ، أي خلال الأسابيع الأولى من شهر شتنبر من كل سنة حيث تصل نسبة الغياب الى أكثر من 50بالمائة من عدد التلاميذ جلهم من الذكور القدامى ،ويمكن تفسير الظاهرة بذلك الشعور الوهمي بالاطمئنان لدى التلاميذ حيث يشعرون بحدسهم أن سلطة تتبع الغياب ومراسلة الآباء لم تُفعل بعد ، كما أن تأخر البعض الآخر عن التسجيل باكرا لأسباب مختلفة يبعث برسائل سلبية الى باقي المتعلمين يفك شفرتها بعض المتعلمين القدامى أن لا داعي للسرعة مما يؤدي الى انتشار العدوى بين البقية .

2 – قبل الإجازات وبعدها : وتكثر في المناطق القروية والشبه قروية النائية حيث يقدِم الموظفون – بسبب البعد عن المراكز الحضرية – على السفر يوما أو يومين قبل العطلة لتفادي إكراهات الازدحام الذي تعرفه وسائل النقل خلال هذه الفترات وتزداد الظاهرة حدة في مناسبات الأعياد الدينية التي يحرص المغاربة على الاحتفال بها بين أفراد الأسرة . هذا السلوك يتحول لدى المتعلم الى عادة  ثم يتطور الى تقليد ينتظره بشغف كبير حتى لو لم يتغيب المدرس .  

3 – في الرمق الأخير من الموسم الدراسي : حيث تظهر على الموظفين والمتعلمين على السواء علامات الارهاق والتعب مما يؤدي الى فتور في الهمم خاصة في المناطق التي تعرف درجات حرارة مرتفعة مما يفسر غيابات الساعة الاولى ما بعد الزوال ، لذا يلاحظ تشوق المتعلمين لاجتياز الفروض الأخيرة للتخلص من نيرها دون اعتبار لما ستكون عليه النتيجة ، كل ما يهم التلميذ أن يؤدي هذه “الفريضة” تلبية لنداء ضمير متردد بين التمرد والانضباط . 

4- الفترات التي تسبق الامتحانات الإشهادية بحجة التفرغ للمراجعة والاعداد .

   ثانيا أسباب الظاهرة والعوامل التي تدفع المتعلم للغياب ؟

 عند الحديث عن أسباب الظاهرة فإننا أمام حزمة من العوامل المتداخلة والمتشابكة حتى أنه يصعب الحديث عن عنصر مستقل ووضعه في قفص الاتهام لذا فالتصنيف الذي نقترحه على شكل عناوين كبرى هو فقط لوضع بعض الفواصل بين هذه العوامل لتكوين صورة شاملة .

1 – عوامل اجتماعية : ويدخل تحت غطائها ظروف التنشئة والمحيط الأسري الذي يعيش فيه التلميذ أو الطفل فالبيت الشعري القائل :

إذا رأيت رب البيت للطبل ضاربا ( = = =) فلا تلومن الطفل في حالة الرقص

يصدق تماما على تلك الفئة من المتعلمين الذين يداومون على الغياب ، إنهم صدى صوت او فعل الوالدين ، إنهم يقلدون بوعي أو بدونه تصرفات الآباء أو الإخوة أو أحد الأقارب الذي يرون فيه المثل الاعلى ، فإذا ما أظهر الوالدان اللامبالاة والرضا عن أعمال غير مقبولة فلا يمكن أن نتوقع توافق أخلاق المتعلمين مع ما يتطلبه النظام المدرسي من انضباط واحترام والتزام . وفيما يلي جرد لأهم العوامل الاجتماعية كما تم استنباطها من جلسات الاستماع مع فئة  غير قليلة من المداومين على الغياب :

Ø       لجوء الأسر الى برمجة مناسباتها في فترات قبل أو بعد العطل الرسمية . 

Ø       غياب الوالدين كلاهما أو أحدهما ، بسبب سفر أو موت أو طلاق مما ينتج عنه ضعف أو انعدام عوامل الضبط والرقابة الأسرية

Ø       المشاكل الأسرية أو صراع الوالدين : مما يؤدي الى تصدع الأسرة وقد ينتهي في أسوإ حالاته الى تفككها وهذا يدخل التلميذ في حالة من الانطواء المرضي ومن ثم الغياب المتكرر.

Ø       المستوى التعليمي و الثقافي للأسرة حيث إن هذا المستوى الثقافي يشكل عاملا حاسما لإدراك أهمية التعليم والتعلم في الحياة مما يقوي لدى الأسرة درجات الحرص على مواظبة الابن على تعليمه وغياب هذه الثقافة تشجع الابن بل تساعده على الاجهاز على مستقبله التعليمي حتى وإن كانت نتائجه مميزة  .

Ø       عدم القدرة على مواجهة إغراءات الوسائل التكنولوجية الحديثة : الهاتف المحمولة بتطبيقاته الجديدة / الحاسوب … وهذا يشكل قوة جذابة تسحر المتعلم خاصة عند بداية مرجلة المراهقة  فينغمس لساعات طوال يبحر في متاهات هذه العوالم الافتراضية قد تمتد حتى ساعات متأخرة في الليل مما يعرض الحصص الصباحية للهدر.

Ø       ضعف التعاون بين البيت /الأسرة والمؤسسات التعليمية  وهو سلوك يكاد يكون عاما في البوادي والمدن فالمراسلات التي توجه للآباء وأولياء الامور للتباحث حول أسباب الغياب لا تلقى دائما تلك الاستجابة الايجابية التي تهدف الى محاصرة الظاهرة أو البحث عن أسبابها فالآباء والاولياء عادة ما يشتكون من تصرفات أبنائهم بالبيت فيلتمسون من المؤسسة معاقبتهم العقاب المادي     يتبع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.