حـــول ”قضية الأساتذة المتمرّدون”
ثـــــــــار المرسومـــــــان »588 » و »589 » ( 02/ 2015م) تحرّكًــا وتضــامنــا شعبيّـا واسعًـــا وهو نتــاج لنضـــال الأســـاتذة المتمردين الذين أطلقوا عليه مصطلح » المرسومين المشؤومين » وهي إشـــارة ٱاعتراضية ضدّ مضـــامين هذين الأخيرين ، ومن خلالهمــا أرادت الحكومة الفصل بين التكوين والتوظيف من جهة، وتقليص منح الأســاتذة المتدربين إلى النّصف من جهة ثانية ، وللمرّة الأولى ستُوظّف الــدّولة مصطلح » الطلبة المتدربون » وهو مصطلح سيـــاسي خطيــر يعوّض مصطلح » الأســاتذة » فهو مؤشر يدنوا نحــــو النهج السيـــاسي للحـــكومة في تدمير الوظيفة و المدرسة العمومية ولنؤكد هذا المعطى يكفي للمهتمّين الإطلاع على بيـــان الحكومة ورئيسهـــا والذي تعلن فيه » تبني خيار التكوين ولو في غياب التوظيف » وهي تتمـــاشى تـمـــامًــا مع تصريحـــات صــحــافية لرئيس الحكومة بنكيــران : ” الشعب المغربي تعـــايش مع الفقر منذ زمن بعيد وليس للمغـــاربة أي مشكل مع الفقــر” .
ويمكن أن نشير إلى معطى ينحصر في كون » قضيّة الأســـاتذة المتدربون » أخذت منعطفــا سيـــاســيــا خطيرا خصوصا بعد المجــازر التي خلفتهــا المقــاربة الأمنية القمعية لنضــالات رجــــال الغد والتي راحت ضحيتهـــا ” لميــاء الزكيتي” و” الخمـــــار” وآخرون ، فرئيس الحكومة حــاول التملص من مجزرة إنزكــان تحت ذريعة » الواقعة لم تكن بعلمي » لكن لا يدري بنكيران أن عدم علمه بالمجزرة هي » فضيـــــحة القرن 21م » خصوصا إذا أردفنــا بتصرىح وزير الذاخلية في البرلمــان أن » كل شيء تم بالتنسيق مع رئيس الحكومة » .
إن أهم مـــا يمكن نسجله حول هذا المعطى أن فضيحة » المرسومين » ترتبط بــالإملاءَات والتوصيــات الأخيرة لصندوق النّقد الدّولي2015م والتي تنحصر في توجيه قطـــاع التعليم نحو الخوصصة ويكفي أن نذكر مذاخلة رئيس الحكومة في البرلمــان مبــاشرة بعد توصيات صندوق النقد الدولي 2015م : » لقد حــان الوقت أن ترفع الدولة يدهــا على قطــاع التعليم » بمعنى وضعه في يد المستثمرين الكبــار ، بمـــا فيهم رئيس الحكومة » بنكيران » من المستثمرين في قطاع التعليم بالمغرب، وهي خطة سيــاسية واستراتيجية إبتكرتهــا الحركة الإسلامية بالمغرب خصوصا حركة التوحيد والإصلاح لمراكمة الثــــروة من بـاب خوصصة قطــاع التعليم، فالمدارس الخــاصة التي يمتلكهــا قياديي حزب العدالة والتنمية بالرباط و الدارالبيضاء ومدن أخرى مسجلة إلى عهد قريب بإسم حركة التوحيد والإصلاح ، لأن قطاع العسكـر والمنــاصب الحسّــاسة و المعادن والفوسفاط … ، ٱنفردت بهم العـــائلات التقليدية الكبرى التي تندرج ضمن المخزن العميق في صنع القرار، كآل الفاسي والتراب وبنخضرا والبنــاني و الدويــــري و آخرون منذ 1914م إلى يومنــا هذا، بذالك سنفهم لماذا أقسم بنكيران » بالله » على عدم التراجع عن المرسومين ولو تطلّب الأمر الإطاحة بالحكومة ، وإلاّ فمـــا الداعي إذن لهكذا قَسَـــم وتوظيف لفظة » الله » ، فالكهنة قديـمًـــا يُقسِمون » بالآلهة » خوفــاً على مصــالحهم ألاًّ تُدَمَّـــــــر .
ولا بد أن نذكّر المغـــاربة بشيء من المـــاضي السياسي المظلم لوزارة الذاخلية منذ سنوات الرصاص، فــالمُعَلّمون والأسـَــاتِذَة القدامى يَعْلَمُون ويتذكّـرون جيّداً الجرائم الوحشية التي خلفهـــا إدريس البصري في إضراب 1979م يكفي أن تَطّلعوا على تقـــارير هيئة الإنصاف والمصالحة حول عدد و أرقـــام المعتقلين والمختطفين ومجهولي المصير إلى يومنـــا هذا ، فنعتقد أنّــــه ليس بجديد تمَـــامًـــا أن يتوعد بنكيران بلُغة » الشوّافــات والطيـّـــابـــات » الضمير الشعبي الذي أحـــيــاه الاســاتذة المتدرّبون ، فالمخزن العميق هو الذي يتحكم في الخـــارطة السياسية والإقتصادية منذ 1957م فـإلى عهد قريب نفــــى وزيــــــر الذاخـــــــلية الســابق ” امحند العنصر ” في البرلمـــان عن ضلوعه في تعنيف المتضاهرين في قضية البدوفيلي » دانييل كالفان » مغتصب الأطفال ، فلحد الســـاعة المغـــاربة لا زالوا يبحثون عن الجهة التي تقمع الضّمير المغربي .
إن قضية الأســاتذة المتدربون أصبحت تستأثر بإلحاح شديد من طرف مجتمع المغرب العميق بهـيآته السياسية والحقوقية ومنضمــاته النقابية رغم القمع الأمني والحصار السياسي والتعتيم الإعلامي ، لكن على الأقل أهم ما يمكن أن نسجله حول هذا المعطى أن المغـــاربة أصبحت لديهم درايــــــة على أن الدّولة لا تــــــحترم مواطنيهـــا ولا تريد تــــعليمهم ، فــالميزانية الهزيــــــلة الممنوحة لقطاع التعليم تشـــــبه » صــــــدقةً جـــارية » تـــــذر بهـــا الدولة نحو المغرب العميق خصوصــا إذا ما قورنت بالبنيات التحتية الهشّـــة والخصاص المهول الذي تعرفه المدرسة المغربية أمـــام تواجد الآلاف من المعطلين والحاملين للشواهد العليــا ، فمنذ حكومة ” البكــاي بن مبارك ” 1956م نسمع جـــملة » نُــــريد إصلاح التعليـــم » من طرف الذين يدرّسون أبنـــائهم في فرنســـا وبريطانيــا والولايات المتحدة الأمريكية وهم الذين يستفيدون لحد السّـــــاعة من الريـــــع السياسي والإقتصادي والنفوذ والمـــال بالمملكة المعدنية .