الحكومة المتباكية والمعارضة الناقمة: محاولة للفهم

1 353

حينما يسود الغموض ويتم تعتيم الرؤية ويغيب الفعل الحقيقي لمباشرة التغيير والإصلاح، يفقد المجتمع البوصلة ويعم الإحباط.وما ذلك إلا باختلال المعايير الحاكمة للأنظمة والغياب التام للإرادة والإنجاز.

المتعارف عليه في العمل السياسي أن المعارضة تقوم بدور محوري في ترشيد السياسات ومراقبة الفاعل الحكومي ومدى التزامه بتنفيذ برنامجه والتحديات التي تعترضه في الوفاء بوعوده الانتخابية ومدى استجابته لانتظارات المواطنين…

في الأنظمة الديمقراطية العريقة، لا تلعب المعارضة دور المخالف دوما للسياسات الحكومية وليس لها لونان فحسب تنظر به للأمور الأبيض والأسود، وإنما تمارس المعارضة انطلاقا من مبدأ الإنصاف تزكي كل الأعمال الصالحة وترفض المشاريع التي تكون نقمة على المجتمع حسب منظورها واجتهادها.

وفي أسوا الأحوال، تمثل المعارضة الطرف الأضعف في العملية السياسية. غالبا ما تلجأ لأسلوب التشكي في مرحلة الاستضعاف، وأسلوب التشفي في مرحلة الاستقواء، إذا ما ابتليت بفاعل حكومي ضعيف ومتردد.

حسب المنطق السياسي، كل شكوى صادرة من المعارضة يمكن فهمها وتبريرها بمقتضى التعاطي مع الأقلية ونظرا لضرورة توفر التحالف الحكومي على الأغلبية لضمان استمراره وتطبيق برنامجه في ظروف مريحة ومستقرة.

أما أن تتعامل الحكومة بمنطق المعارضة في الصراخ والشعور بالمظلومية واستنكار بعض الممارسات المنبثقة من قرارات من داخل الحكومة نفسها، فهذا منتهى الخبل السياسي…

حينما يستنكر حزب العدالة والتنمية وهو القائد للتحالف الحكومي ويمارس أمينه العام منصب رئيس الحكومة، قرار وزارة الداخلية بمنع نشاط لشبيبة الحزب، فهذا التصرف لا يمكن فهمه في نظري إلا في ثلاث حالات:

إما أن القرار صدر من حكومة الظل ونفذته الجهة النظيرة في حكومة الواجهة، وهذا لعمري ضرب للدستور الجديد وإصابته في مقتل، وتكذيب للشعارات التي رفعها النظام من قبيل القطع مع التحكم وسياسة التعليمات.

وإما أن الحزب الذي يقود الحكومة خضع لقرارات فوقية ليست نابعة من اختصاصاتها المكفولة لها دستوريا. وهذا و أيم الله جبن سياسي يقتضي إعادة النظر في العملية السياسية برمتها، والتحلي بالشجاعة والجرأة الكافيتين لمقاومة التماسيح والعفاريت – حسب تعبير رئيس الحكومة – التي تعمل جاهدة لوضع العصا في عجلة الإصلاح، وتثير حربا ضروسا من الإشاعات والتهويل لتشويه صورة الحكومة ورئيسها وحزبه بالخصوص.               

 أو أن وزارة الداخلية التي هي عضو في الحكومة ووزيرها مرؤوس تابع لرئيسه رئيس الحكومة أصدرت قرار المنع دون استشارة هذا الأخير، وهذا سلوك تراجيدي يحيلنا على العبث السياسي، ويعطي الانطباع بأن رئيس الحكومة لا يملك من أمره شيئا تجاه وزيره في الداخلية الذي كانت وزارته تسمى قبل العهد الجديد أم الوزارات…ويحق لنا التساؤل: من يرأس من إذن؟؟؟؟

منذ تعيين هذه الحكومة، تمت الإشارة إلى حكومة الظل التي يوجد يطاقمها مجموعة من المستشارين الملكيين يملكون مفاصل الدولة في تخصصاتها، ودق ناقوس الخطر آنذاك من مجموعة من الفاعلين السياسيين أبرزهم حركة 20 فبراير، وقلنا بأن هذه مبالغات وحساسية مفرطة تجاه المخزن، وتشكيك في مسيرة الإصلاح لا داعي له. أما اليوم فهذه التخوفات بدأت تجد ما يبررها بفعل هذه المؤشرات الملموسة والاستدلال على بقاء دار لقمان على حالها.

 أتمنى صادقا أن أكون مخطئا في هذه الاستنتاجات، وألا أكون متسرعا في هذه الأحكام، من منطلق الغيرة على الوطن أولا. لأن نجاح الحكومة نجاح للدولة في ظل الاستقرار ونبذ الفتنة، ومن باب الغيرة على الحزب الذي أنتمي إليه ثانيا لأنه شكل الأمل المتبقي للشعب المغربي في تحقيق التنمية والتقدم. وأملي كبير في تضافر جهود جميع الفاعلين في الحقل السياسي والمدني لضمان التنزيل السليم للدستور، والتيقن من أن رياح الربيع العربي أو الديمقراطي مازالت في عز هبوبها وسارية المفعول، بمصطلح فقهاء القانون، حفظ الله البلاد والعباد.

ذ.عبد الواحد رزاقي


تعليق 1
  1. الحائر يقول

    الله اخرج العاقبة على خير وخلاص فعلا تساؤلات معقولة وواردة بإلحاح.
    إلى القضية فيها حكومة الظل راه ما لا عبينش…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.