البطالة ونشر السرطان بالتقسيط !!

0 520

     في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، تسريح العمال وتفشي معضلة البطالة، وإقرار رئيس الحكومة ابن كيران بفشله في تدبير ملف التشغيل إلى جانب محاربة الفساد، لاسيما بعد أن دقت المندوبية السامية للتخطيط ناقوس الخطر، حول ارتفاع معدل البطالة إثر تفاقم الأزمات الاقتصادية وتواصل الإجراءات الخانقة، تزايدت أعداد اللاجئين إلى الحرف البسيطة من أجل الكسب والاسترزاق، ولعل أكثرها رواجا وخطورة هي: بيع السجائر بالتقسيط.

   والتدخين، سلوك سيء قبل أن يكون آفة اجتماعية خطيرة، لم يفتأ ينتشر بسرعة وحرية تامة، تجاوز دائرة الرجال، ليشمل النساء والأطفال من مختلف المستويات الاجتماعية، جراء الفراغ الموحش، الضغوطات النفسية، انعدام الوعي الصحي، تخلي الأسرة عن دورها الرقابي والتربوي، رفاق السوء… وتفنن شركات التبغ في التصنيع والتسويق على نطاق واسع بفضل تقنيات متقدمة ومغرية.

     فالكثير من المدخنين يجهلون أن دخان السيجارة يحتوي على آلاف المركبات الكيميائية، التي تبلغ الجهاز التنفسي وتؤثر على حيويته وسلامته، ومن ثم تتسرب إلى الدم عبر أوعية دقيقة في الرئة، لتنتقل تدريجيا إلى باقي الأعضاء كالمخ والقلب والشرايين. ويضم أيضا ما لا يقل عن 15 مادة، تتسبب في الإصابة بسرطان الفم والرئة والمريء وأعضاء أخرى… وتفيد الدراسات العلمية والأبحاث الطبية في العالم، أن أغلب المدخنين ينتمون إلى الفئة العمرية دون سن الثامنة عشرة، لاسيما أن المراهق حسب الاختصاصيين والأطباء النفسيين يرغب في تقمص شخصية الكبار ومحاكاة نجوم السينما…

     والدولة، التي كانت حريصة على مطاردة باعة السجائر بالتقسيط، وفرض غرامات قاسية على المتورطين، تراجعت إلى الخلف تاركة الحبل على الغارب، فصار التدخين في متناول الأطفال والشباب، بالأحياء السكنية وأمام المؤسسات التعليمية والحدائق والمقاهي… وأينما يولي الإنسان وجهه، يجد مدخنين من الجنسين ومختلف الأعمار في الأماكن العمومية. علما أن المغرب يتوفر على قانون رقم: 91-15 منذ 1991، صادر بالجريدة الرسمية عدد 4318 بتاريخ: 2 غشت 1995، دخل حيز التنفيذ يوم 3 فبراير 1996 وتم تعديله خلال يوليوز 2008، ينص على منع التدخين في الأماكن العمومية والإشهار والدعاية له، إلا أنه بقي مركونا في الرفوف. فالحكومة، التي يقودها حزب إسلامي، المفروض فيه رفض إلقاء الإنسان بنفسه إلى التهلكة، لم تتخذ أي إجراء ملموس في اتجاه مكافحة الآفة، لغياب الإرادة السياسية في مواجهة اللوبي المستفيد من الوضع القائم. إذ مازال التدخين مستشريا بين الموظفين والمسؤولين، في الوزارات والإدارات والمؤسسات التعليمية والمستشفيات… ولم يعد للدولة من هم بعد تحرير قطاع التبغ وخوصصته، عدا رفع مداخيل الضرائب والرسوم عن استهلاك السجائر، متناسية أن التدخين من أقوى مصادر ظهور الأمراض الفتاكة بالإنسان وتلويث الهواء، وتساهم مخلفاته من علب فارغة وأعقاب السجائر في إفساد البيئة.

     وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يؤدي التدخين إلى وفاة حوالي خمسة ملايين شخصا، لأنه يفتك بالصدر ويتسبب في السرطان الرئوي وأمراض القلب والشرايين، فضلا عن أمراض الجهاز العصبي والمخ، وله آثار مدمرة على الحمل والإنجاب، والاضطرابات أثناء النوم والضعف الجنسي وغيرها… وإدمان التبغ لا يضر بالمدخن وحده، بل يمتد إلى من حوله وبالمجتمع ككل، ويشكل خسارة اقتصادية كبرى. وتشير الإحصائيات المتوفرة، إلى أن هناك حوالي 90 % من المصابين بسرطان الفم والبلعوم والحنجرة والرئة، هم ضحايا السيجارة، وقد ترتفع نسبة الإصابة كلما زادت كمية الاستهلاك وطالت مدته. والسرطان، من بين أشهر الأمراض المزمنة، ذات الوقع السيء على المريض وعائلته، ورغم ما توصل إليه العلم من علاجات متطورة، فإنه من العسير التغلب عليه، ما لم نحرص على الكشف المبكر والإقلاع الفوري عن التدخين.

     فانعدام الوعي لدى المدخن بمخاطر التدخين وأضراره، وعدم استيعابه لعواقب ممارساته الخاطئة، من مثل عادات الإدمان على تناول السجائر بإفراط، سيؤدي به بعد معاناة شديدة مع المرض إلى القبر. وللتبغ آثار صحية ونفسية واقتصادية جد معقدة، ويسبب في 30 % حالة وفاة من بينها 87 % إصابة بسرطان الرئة، ولا يقتصر تأثيرها على الرئتين وحسب، بل يمكن للداء أن ينتقل إلى الكلى، البنكرياس، عنق الرحم، المعدة، الدم والنخاع الشوكي… وليس هناك من سبيل أمثل لتفادي الوقوع في حبال السرطان الناجم عن التدخين، سوى الامتناع عن تناول أول سيجارة، التي من اليسير أن تتحول في غفلة من الجميع إلى علبة ثم إدمان فسرطان…

     والمغرب، الذي يتغاضى اليوم عن ظاهرة بيع السجائر بالتقسيط، لامتصاص جزء من العاطلين، أصبح فيه الإدمان منتشرا بنسبة 18 % لدى البالغين 15 سنة فما فوق، وتتعرض نسبة 91 % من الساكنة للتدخين السلبي في البيوت والإدارات والمقاهي… ويعد من أكبر بلدان المنطقة المتوسطية استهلاكا للسجائر، بما يفوق 15 مليار سيجارة سنويا، وأظهرت التقارير الطبية أن المصابين بسرطان الرئة يشكلون نسبة 31,5 % لدى الرجال وحوالي 3,3 عند النساء. وجدير بالذكر، أن التدخين يولد لدى الأطفال سلوكا عدوانيا، يؤدي إلى الهدر المدرسي ويشجع على تعاطي المخدرات المتنوعة…

     فالتدخين، يشكل إلى جانب آثاره الصحية الخطيرة، استنزافا صارخا لجيب المواطن وخزينة الدولة، ليس فقط على مستوى سعر السجائر، بل كذلك على صعيد التكاليف الباهظة لعلاج المصابين ورعايتهم الصحية. وهناك أبرياء كثر من غير المدخنين، يقعون ضحايا لذات المخاطر جراء تواجدهم مع المدخنين بنفس المكان، حيث يلبث الدخان بنسبة 50 % في الهواء لمدة طويلة، وكثيرا ما يتعرض أبناء المدمنين دون غيرهم لنوبات الالتهابات الرئوية… مما يفرض على الدولة التعجيل بإيجاد حلول ناجعة لمشاكل البطالة، تفعيل قانون:91-15 السالف الذكر، ووضع استراتيجية وطنية مندمجة، بمساهمة القطاعات الحكومية والخاصة وكافة مكونات المجتمع من أسرة ومدرسة وإعلام… للحد من هذه الآفة المؤرقة والحيلولة دون مواصلة زحفها بيننا، لما لها من كلفة مادية وعواقب وخيمة على البلاد والعباد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.