لا تفرح يا عصيد، إن الله لا يحب الفرحين

1 680

استقبل كثير من العلمانيين المغاربة الدعوة الملكية الداعية إلى إعادة النظر في برامج التربية الإسلامية، التي يدرسها تلاميذنا بمختلف الأسلاك التعليمية، بكثير من الابتهاج زائد عن اللازم إلى حد فتح شهيتهم و مخيلتهم لبث هرطقيات لا تدل إلا عن جهلهم أولا بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف أو تجاهلهم لرسالته التي هي رسالة رحمة للعالمين، وثانيا كعنوان لتصوراتهم التي لا ترى في الدين سوى التطرف والإرهاب والتخلف ولا تقيم له وزنا، وثالثا لأن خلفياتهم الفكرية النتنة لا يمكن لها أن تبرز أو تقوم إلا برفع شعار العداء لهذا الدين. طبعا ليس بمقدورهم أن يعلنوا هذا العداء علانية وسط مجتمع مسلم محافظ ودولة ينص دستورها على أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلد، لكن خرجاتهم تدل على هذا العداء الذي يصل في كثير من الأحيان إلى التجرؤ على كتاب الله وسنة رسوله. ولا أدل عن ذلك من مطالبة بعضهم بالنظر في قضايا الإرث رغم أنها لم تكن في يوم من الأيام مطلبا شعبيا وليست من الأولويات التي تقض مضجع الشعب المغربي. وربما يوحي هذا بأن أصحاب هذه الدعاوى يريدون أن يشغلوا الرأي العام عن مشاكله الحقيقية كالفقر والبطالة ومشاكل التعليم والصحة وغيرها من المشاكل التي وجب على المجلس – المجلس الذي لا يجد من حائط قصير يعلق عليه فشله في مقاربة مثل هذه القضايا الكبرى سوى الإسلام – التعاطي معها بكل جرأة وجدية .

أما كبيرهم عصيد، فإنه يفتخر بكونه السباق لهذه المراجعة التي دعا إليها منذ ما يربو عن عشر سنوات! لكن الشيء الذي يجب أن يعلمه عصيد أن دعوته هاته لا يمكن لها أن تلبى أو تتحقق وإنها حتما ستختلف مع الدعوة الملكية التي ستأخذ بعين الاعتبار لا محالة قيم المجتمع الإسلامي المغربي وتقاليده وأعرافه وتنتصر للدستور الذي ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للمملكة، لا كما يحلم عصيد مثلا بإلغاء تدريس الغزوات: تلك الغزوات التي علمتنا حب الوطن والدفاع عنه من أجل الكرامة. ألم تكن هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هروبا من أذى المشركين؟ ألم يخرج عليه السلام وهو يتأمل مكة ويخاطبها بأحب أرض الله إليه ولولا أن قومه أخرجوه منها ما خرج؟ ألم تعلمنا الغزوات الوفاء بالعهود والجنوح للسلم الذي هو الأصل؟ ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله﴾ ألم نتعلم من الغزوات قيم التسامح و العفو و الصفح؟ (اذهبوا فأنتم الطلقاء) قالها عليه السلام و هو في أوج عزه و قوته و هو يفتح مكة! لمن قالها؟ للمخالفين الأعداء الذين أخرجوه من دياره و حاصروه و عذبوا أصحابه..فهل بعد كل هذا نقول أن تدريس الغزوات يعلم الكراهية و العنف و التطرف؟ يجب أن يعلم عصيد و زمرته أن الإسلام دين يحرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أن من اعتدى عليها أو قتلها فحكمه كمن قتل الناس جميعا . أما قوله أن الفاتحة تحرض على العنف و الكراهية في قوله تعالى ﴿غير المغضوب عليهم و لا الضالين﴾ في ثنايا تفسير المغضوب عليهم: “باليهود” و الضالين: “بالنصارى”، فأقول: هذا قول الله وحكمه فيهم و هو خالقنا و خالقهم و حسابهم عنده، العبرة فيه للمسلمين الموحدين حتى لا ينحرفوا عن الصراط المستقيم و يتبعوا طريقة اليهود و النصارى، أما في الدنيا فإننا مأمورون شرعا بالتعامل و التعايش معهم بالحسنى و المودة . و لا يجب أن يفهم من الكلام آن نغضب عليهم في كل وقت و حين و نقسو عليهم بلا مبرر. و المودة شعار المسلم .يقول الله سبحانه و تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ . الخطاب هنا موجه إلى الناس كافة بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم و لسانهم . الهدف من الخلق و اختلافه شعوبا و قبائلا كما تنص عليه الآية هو التعارف والتعايش في الدنيا على أساس المصالح المشتركة من أجل تعمير الأرض بعيدا عن كل فساد أو إفساد. و لا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى التي تحسم الأمور يوم القيامة لا في هذه الدنيا. و قد وصل الحقد بهؤلاء العلمانيين حد مطالبة أحدهم بحذف التربية الدينية و استبدالها بالتربية على المواطنة ملفقين أسباب التطرف و الإرهاب و الغلو-الغلو الذي يذمه الإسلام – إلى هذه المادة التي يدرسها الطلبة في المدارس بضع ساعات في الأسبوع. و الأدلة و الواقع يكذبهم . أتحداهم أن يقدموا لنا اسم إرهابي فجر نفسه أو قام بأعمال إجرامية، تخرج مثلا من القرويين بفاس أو من إحدى كليات الشريعة التابعة لها .أتحداهم أن يقدموا لنا اسم إرهابي تخرج من كليات الدراسات الإسلامية أو من المعاهد الدينية العتيقة و ما أكثرها و لله الحمد بالمغرب .

إن من بين أسباب التطرف التي يغفل عنها الكثيرون، التطرف العلماني الحداثي الذي لا يكف عن استفزاز مشاعر المسلمين بادعاءاته الباطلة الغريبة عن المجتمع و التي تصدم الشباب المندفع المثقل أصلا بهموم و مشاكل لا قبل له بها، و عوض أن يتعاطى المفكر العلماني مع المشاكل الحقيقية لهذا الشباب، نراه يزيد الطين بلة باحتقار هذا الشباب في معتقداته و هي أغلى و أعز ما يملك ويفتخر بها . ما الذي دفع ثلة من الشباب المسلم غير المتمكن من علوم الدين بحكم نشأته في الغرب أن يقوم بأعمال إرهابية بحق “شارلي إيبدو بفرنسا”؟ أليست هذه الوكالة من أعطتهم الضوء الأخضر باستفزازهم في شخص إنسان عزيز عليهم يحبونه أكثر من حبهم لأنفسهم؟ . لا نبرر هذه الأعمال بقدر ما نود أن نفسر لهؤلاء العلمانيين أن تطرفهم الفكري و تكفيرهم الحداثي هو الذي يؤجج الأوضاع و يخلق فتنا و تطرفا مضادا . قلت تكفير حداثي لأنهم أي العلمانيين يرمون هم أيضا مخالفيهم بأحكام قاسية و دليلي ما حدث في لقاء بين عصيد و الوزير الداودي . إن سبب ما نعانيه في المشرق و المغرب من حروب و قتال و إرهاب كما يحدث في سوريا و العراق و اليمن و ليبيا هو بسبب الاستبداد العلماني لسنوات طوال، و لم يثبت أن شعبا عربيا خرج في مظاهرة يطالب بالتمكين للعلمانية ببلاد العرب و المسلمين.

فالعلمانية دخلت إلى البلاد الإسلامية على ظهر الدبابات و حكمت بالسلاح و النار رافعة شعارات الوحدة كافرة بالدين . الم يقل أحد شعرائهم:

مرحى بكفر يوحد بيننا      و أهلا و سهلا بعده بجهنم

فلا الوحدة تحققت و لا فلسطين تحررت و لا الشعوب تقدمت و لما ضاقت الشعوب بهذا الاستبداد ثارت و خرجت في ربيع عربي يروم التغيير نحو الأفضل و القطع مع عهد العلمانية الفاشلة التي أدت بنا إلى كل هذه الويلات. و هنا فتح المجال لكل غاضب ورافض لا يعرف كيف تنتزع الحقوق إلا بالعنف و باسم الإسلام و لا يضر الإسلام في شيء أن يرتكب جاهل متطرف جرائم بإسمه، فالإسلام لا يؤخذ من أعمال المنتسبين إليه . و صدق أحد الفلاسفة حين قال: (حتى السارق حينما يضع المفتاح في قفل الخزانة ليسرق يقول باسم الله). لتكن لك الجرأة يا عصيد فتعلن أن سبب ما وصلنا إليه هو علمانية أمثال صدام حسين و بشار الأسد و معمر القدافي و زين العابدين بن علي و مبارك … كل هؤلاء علمانيون و إلا فأين يصنفهم عصيد؟ . لتكن لعصيد الجرأة لإدانة التطرف و الإرهاب الصهيونيين و يعلن للرأي العام موقفه من تلميذه النجيب المدعو منير كجي الذي أخذ صورا تذكارية و ببشاشة مع المجندات الإسرائيليات اللواتي لم تجف بعد أياديهن من دماء أطفال فلسطين! .لتكن لعصيد الجرأة فيعمد إلى نقد أفكاره المتطرفة و العنصرية و التي جسدها أحد المعجبين بمشروعه الأمازيغي حين دعا بمؤتمر في مركش إلى حمل السلاح لطرد العرب من المغرب .

لأنه أوهمه كما أوهم معه الكثيرين من الأتباع أن المغرب بلد أمازيغي . لتكن له إذن الجرأة و يتحمل مسؤوليته المعنوية. أما أن جيل الحسن الثاني رحمه الله، الذي لا يعول عصيد عليه في تنفيذ مشروع إصلاح برامج التربية الدينية، لأنه و حسب زعمه جيل متشبع بأفكار متطرفة زرعت فيه زمن النظام السابق لمحاصرة المد اليساري، فأقول له إن عشيقتك -مليكة مزان- من ذلك الجيل أي جيل الحسن الثاني، ومن المفارقات العجيبة أنها كانت أستاذة للتربية الإسلامية ولم تكن متطرفة دينيا و إنما متطرفة علمانية خارجة عن إجماع الشعب المغربي، إذ قُذف في قلبها (حب إسرائيل و حب إلهها أكوش) بل و أخذتها العزة بالإثم إلى عرض جسدها على مقاتلين أكراد تجسيدا لحقدها لكل ما هو عربي و إسلامي، و إعلانها لتضامنها مع شعب تعتقد أن معاناته تشبه معاناة الأمازيغ الذين تنتمي إليهم و تنعتهم بالنعاج و الدجاج لأنهم ليست لديهم شجاعة الأكراد فيحملون السلاح و يطرون الأعداء الذين هم بطبيعة الحال العرب ( رؤية انفصالية ).

فهل تعلمت مزان هذه الأفكار من التربية الإسلامية التي درستها؟ . و هل عشيقتك هي التي تصلح لحمل مشروع إصلاح برامج التربية الدينية؟. و أنت أيضا: ألست خريج جيل الحسن الثاني؟ و لست أدري: هل من حسن حظنا أو من سوء حظنا أنك لست متطرفا دينيا و إنما متطرف علماني؟. لا تستغرب أيها المغربي المسلم، إذا خرج علينا عصيد يوما يدعو إلى منع صلاة الجمعة لأنها تجمع غير مرخص و جلسات تعلم دينا متطرفا يخالف المواثيق الدولية التي يقدسونها أكثر من كلام الله! .لا تستغرب أيها المغربي المسلم إذا خرج علينا عصيد يوما فيحذو حذو معلمهم الأكبر كمال أتاتورك ليطالب باستبدال حروف اللغة العربية بتيفناغ كما فعل أتاتورك بحروف اللغة التركية التي كانت تكتب بالعربية!لا تستغرب أيها المغربي المسلم إذا خرج علينا عصيد يطالب بإستبدال عيد الاضحى بعيد الحب، نتبادل فيه التهاني بإسم إلهه أكوش كما فعل مؤخرا مع عشيقته مزان!.

لا تفرح يا عصيد إن الله لا يحب الفرحين نحن شعب مسلم عربا و أمازيغا نثق في ملكنا الذي لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يستجيب لهرطقتك و يترك المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه و الحريص دوما على ثوابت الأمة التي لن تتبدل حتى يرث الله الأرض و من عليها . ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون﴾ . صدق الله العظيم .

تعليق 1
  1. عمر بلمين يقول

    يقول الله عز وجل “ان في خلق السماوات و الارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب, الذين يذكرون الله قياما وقعودا و على جنوبهم …”
    ان الذي يقرا هذا المقال يتصور الكاتب فقيها ذا صورة مغايرة لما نراه امامنا,
    لكن الاستاذ المقتدر السيد المصطفى محبوب أبو هبة, جازاه الله عن المسلمين خيرا, ذكرنا بمضمون وتفسير الايات المذكورة اعلاه, حيث ان الانتماء للاسلام لا يمكن ان يكون بكثرة الصلاة و الزكاة و الحج واهمال ما تبقى من الاخلاق و المعاملات النبيلة التي يدعو اليها هذا الدين الحنيف, اقول و بدون مجازفة لو كانت اخلاق و معاملات مسئولينا (قولا و عملا) كما كان تصرف الاستاذ الكريم لما صلح حالنا و لو عشنا عشرات السنين من الجفاف, فان كان من ورش للاصلاح, فانا لا ارى اولى من اصلاح خلق مسئولينا, خاصة منهم الذين سبق و ان صبطوا في اختلاسات اموال الشعب المغربي الذي يعيش في فقر مادي و معنوي من عطالة وتدهور للبنية التحتية.
    اما عن المحكى عليه “عصيد” فانا لا اعرفه اصلا, و لم اسمع منه شيئا, لذا ان كانت نواياه فعلا كما جاء في هذا المقال, فارجوه ان يكف اذاه عن الشعب المغربي النقي الطاهر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.