الأمة من الوجود إلى الشهود
أسئلة مقلقة تحير كل من يهتم بأمور هذه الأمة المغلوبة على أمرها، طرحهاالكثير من الناس وأعيدها مرة أخرى، لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟ ماهو سبب انحطاط المسلمين؟ هذه الأسئلة وغيرها، كتب العديد من المفكرين كتابات وأطروحات من أجل الوقوف على مكمن الخلل، ومع كامل الأسف دار لقمان لازالت على حالها، حيث الشعوب العربية والمسلمة تعيش الذل والهوان، واستطاع الغرب أن يركّع شعوبنا. وأصبحت الأمة صَيْدًا سهلا، وديارها وأعراضهامستباحة لقوى الشر من أهل الاستعمار، وتداعت عليها الأمم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، فإذا ما تأملنا في القرآن الكريم نجد أن الله عزوجل أثنى على هذه الأمة، ووصفها بالخيرية والوسطية، يقول في كتابه العزيز في سورة آل عمران:( كُنتُم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وقال أيضا في سورة البقرة: (وجعلناكم أمة وسطا)، فخاصّية الوسطية من المقومات الأساسية لهذه الأمة، وأنها ربانية المصدر، في تشريعها، وأخلاقها وقيمها، في اقتصادها وسياستها.
إن الوسطية والخيرية ليست شعاراً يرفع بدون مضمون، إنما عنوانا يمثل حقيقة الأمة الشاهدة، وجسد هذا العنوان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فقد ترجمو الكتاب المسطور في هذا الكون المنظورإلى عمل ملموس.
إن الموقع المراد لهذه الأمة هو الخيرية والوسطية والاعتدال كما كان عليه السلف الصالح من جيل الدعوة، وتقود البشرية انطلاقا من تصوراتها وأخلاقها وقيمها، وليس ما نعيشه في واقعنا المعاصر، من التبعية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فكل الأمم تدعي الخيرية، اليهود يقولون هم شعب الله المختار، يقول الله عزوجل في سورة البقرة:(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء، وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم)، فهذه سنة الله في الكون، أي أن تزيين الأعمال كان منذ القدم، فينشأ عنه الاختلاف والصراع بين الشعوب والطوائف، كل حزب بما لديهم فرحون، وما وجود هذا الاقتتال الذي يشهده العالم إلا بسبب غياب المسلم الوسطي الذي يعتبر مركز الكون في قيادة سفينة الحياة، حتى ظهرت مجموعة من الأمراض التي ابتليت بها الأمة، فأصبحنا نسمع صيحات تتعالى هنا وهناك باسم الدين، هذا سني والآخر شيعي، هذا داعشي والآخر وحشي، كل واحد يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة لهذا الدين ويدَّعي الخيرية.
نحتاج إلى بناء الأمة الشاهدة باستحضار هذه الآية الكريمة (وكذالك جعلناكم أمة وسطا)، الآية الاخرى(كُنتُم خيرأمة أخرجت للناس)، فاجتماع الوسطية والخيرية لا يتحقق إلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال مارسمه القرآن الكريم.
صدّرت كلماتي هذه بأسئلة مهمة، لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟ وماسبب انحطاطنا؟
فما نحن فيه من التبعية الاقتصادية، والرِّدة الفكرية، والاستلاب الاجتماعي، بماكسبت أيدينا، أمامنا تاريخ مجيد ومع كامل الأسف لم نطلع عليه، أو نقرؤه بعقول غائبة و قلوب تائهة، فعشنا زمن التيه الحضاري وفقدنا الهوية الاسلامية، في مقرارتنا، في قوانيننا، في أسرنا وفي حياتنا، فلابد إذن من الحضور الثقافي و الفكري في الزمان والمكان حتى نحقق الشهود الحضاري، لأن الإشكال ليس في الوجود، فالأمة موجودة، وليست حاضرة بالفعل، وممارسة القيادة والشهود على كل الأمم، وما أتألم له هو أن أغلب مفكرينا ومثقفينا كتبوا ونظَّروا للواقع المريض الذي نعيش فيه، ومع ذلك حالنا لازال منصوباً بالحروب ومجروراً بالتبعية للغرب، لم نستطع أن نفك العقدة مع الغرب في سياسته، ولا أن نحقق المناعة الذاتية للوقاية من الأمراض الفكرية والنفسية و الاجتماعية.
فرق بين مارسمه القرآن الكريم حول مفهوم الأمة الاسلامية، ومايعيشه المسلمون، كالفرق بين الثرى والثريا، فعندما نعيش الحضور في الزمان والمكان سنحقق الشهود الحضاري، فاللهم هيأ لهذه الأمة أمر رشدها، ووفق قادتها لما فيه خيرالبلاد والعباد حتى يبنوا حضارة الأمجاد.