همسات أمازيغي في أذن عصيد
فيما يبدو أنه رد على مقال لي يحمل عنوان “لا تفرح يا عصيد,إن الله لا يحب الفرحين”خص المدعو عصيد جريدة إلكترونية محلية رائدة في الجهة التي أنتمي إليها –جهة درعة تافيلالت- بمقال عنونه ب “معنى احترام الآخر”, حاول من خلاله هذا الكاتب أن يتقمص دور الناصح المرشد حتى ليتوهم القارئ أن عصيد مثال يحتدى في المجادلة بالتي هي أحسن, وأسوة في قيمة الاحترام,وما على الناس سوى توقيره, وتبجيله, ومهابته.
لن أكلف نفسي عناء مناقشة أفكار مقال يختلط فيه الحابل بالنابل, وهو يتحدث عن إشكالية لا توجد إلا في مخيلته, وهي إشكالية الأقليات التي استفاض في الحديث عنها , ونصحنا باحترامها, وبضرورة خضوع الأغلبية لرغبات الأقلية لأن ذلك من دواعي الديمقراطية.ولست أدري عن أي شعب يتحدث , وما هي الأقليات التي تحتاج منا إلى كل هذا العطف و الاحترام؟
الاحترام يا عصيد قيمة إنسانية نبيلة وحميدة , تأتي على رأس ما سمته منظمة –اليونسكو- بالقيم النشيطة.وتتعدد صور هذا الاحترام لتشمل: احترام الذات, احترام المجتمع وقيمه, احترام العلماء, احترام غير المسلمين بحفظ كراماتهم وآدميتهم, احترام المرأة…وسأركز في هذه المقالة على الصور الثلاثة الأولى لأنها هي التي تهمنا في هذا المقام.
أولا في احترام الذات:
مشكلة عصيد أنه يتكلم كثيرا, ويتطاول على الناس, ولا يتأثر بالرسائل التي يتلقاها من الآخرين, فتكثر أخطاؤه ما يؤدي إلى زعزعة احترامه لنفسه, واحترام الآخرين له.عصيد لا يحترم ذاته لأنه بكل بساطة لا يحترم هويته الأمازيغية التي يتبجح بأنه يدافع عنها.يمكن لنا أن نصدقه إذا تعلق الأمر باستغلال الأمازيغية لمآرب أخرى غير التي يعلن عنها , ومنها تقويض الدين الإسلامي.
ألم يصرح عصيد في إحدى خرجاته أن الإسلام لا يعني الأمازيغ؟ في واقع الأمر الإسلام فعلا لا يعني الأمازيغ الخائنين المرتمين وسط أحضان إسرائيل , الذين يهتفون بحياتها سرا وعلانية, ويسعون إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر حركات ثقافية أمازيغية, يتربص بها الموساد الإسرائيلي لاختراقها, ولاستقطاب عدد من شبابها وتوظيفهم عملاء.هذا الكلام الخطير فجره الكاتب اليهودي المغربي الأصل والمناهض للحركة الصهيونية –يعقوب كوهين- ويمكن للقارئ الكريم أن يرجع إلى مؤلف للكاتب عنوانه “ربيع سيانيم” ليقف على مخططات الموساد لتوظيف العملاء من أجل ضرب القضية الفلسطينية.وسبق للناشط الحقوقي الأمازيغي الدكتور –أحمد ويحمان- رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أن خص قناة منبر إعلامي بمدينة تنجداد جنوب شرق المملكة بشريط وجه خلاله تحذيراته من مخطط صهيوني لتقسيم المغرب إلى دويلات , ونبهنا –نحن أبناء الجنوب الشرقي- إلى أن هذا المخطط ينطلق ويبدأ من بطاحنا وبأيادي أمازيغية , فالحركة الأمازيغية هي “البوابة المشرعة للإختراق”.
الإسلام لا يعني أيضا الأمازيغ من أمثال العلماني المتطرف كمال هشتار, مخرج الشريط السينمائي “تنغير جيروزاليم”. ولا يشرف أبناء الجنوب الشرقي من أحفاد بطل معركة بوكافرعَسُّو أُبَسْلامْ رحمه الله أن تكون أرضهم منطلقا للتطبيع مع إسرائيل باسم الفن.
الإسلام لا يعني الأمازيغ من أمثال الناشط الأمازيغي المدعو منير كجي الذي زار إسرائيل وأخذ صورا مع الإرهابي بنيامين نتانياهو.
على القارئ الكريم أن يعلم السر وراء العداء لهذا الدين, الإسلام يعبئ دعوات رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري الذي يعتبره غلاة الأمازيغ إلى جانب الشعب الأمازيغي تعرض للإجتثاث و الإغتصاب الهويتي.وهذا ما يفسر خروجهم عن الإجماع الوطني حول أن القضية الفلسطينية قضية وطنية.
إذا عدنا إلى التاريخ يا عصيد نجد أن الأمازيغ أسلموا قبل الفتح الإسلامي.التاريخ يحفظ لنا أسماء علماء وفقهاء أجلاء أمازيغيين خدموا الإسلام, من أمثال أبي عبد الله عكرمة بن عبد الله البربري المدني مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنه, أحد التابعين والمفسرين والعلماء الربانيين.تعلم على يد كثير من الصحابة ونهل من علمهم.فقد روى عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ونهل من علم أم المؤمنين “عائشة” رضي الله عنها.وكان سفيان الثوري يقول :خذوا المناسك عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة.وقال أيضا :خذوا التفسير عن أربعة:سعيد بن جبير, مجاهد وعكرمة والضحاك.وقد ذكره مالك رحمه الله في الموطأ في الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس .
هل يعلم عصيد أن راوي موطأ الإمام مالك رحمه الله هو الفقيه الأمازيغي يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس ( بكسر الواو, ويزاد بعد السين نون, فيقال : وسلاسن, ومعناه بالأمازيغية : سيدهم ) المصمودي الليثي الأندلسي القرطبي (152-234هجري) ورواية يحيى بن يحيى الليثي من أشهر روايات الموطأ على الإطلاق, فهي المتداولة المشتهرة شرقا وغربا, ومسلم في صحيحه يروي من طريق يحيى بن يحيى الليثي الذي لقبه إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله بعاقل الأندلس, ورواية يحيى بن يحيى الليثي من آخر الروايات التي عرضت على مالك رضي الله عنه.وكان أحمد بن خالد يقول: ” لم يعط أحد من أهل العلم بالأندلس منذ دخلها الإسلام من الحظوة, وعظم القدر, وجلال الذكر ما أعطيه يحيى بن يحيى.”
وهل يعلم عصيد أن عبد الرحمن الداخل كانت أمه من قبيلة من قبائل الأمازيغ, وعندما طارده العباسيون هرب إلى أخواله جهة المغرب.وفي سنة 136هجرية / 753ميلادية بدأ يعد العدة لدخول الأندلس, ومن بين ما عمل عليه أنه راسل الأمازيغ يطلب مساعدتهم ومعونتهم, فاستجابوا له, وكانوا على خلاف شديد مع يوسف بن عبد الرحمان الفهري لأنه فرق بينهم وبين العرب.وها هو عصيد يريد أن يحذو بعنصريته حذو يوسف بن عبد الرحمان الفهري هذا, ليفرق بيننا وبين إخواننا العرب, رغم استحالة الحديث عن عرق خالص بفعل انصهار أواصر الدم والقرابة.
وهل يعلم عصيد أن فاتح جزر المالديف البالغ عددها 1190جزيرة هو الحافظ أبو البركات يوسف البربري عام 548هجرية /1153ميلادية ؟ وهو داعية أمازيغي حافظ لكتاب الله تعالى. وقد زار هذه الجزر الرحالة محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة, وعمل فيها قاضيا لفترة من الزمن.وابن بطوطة أيضا رحالة, مؤرخ, قاضي وفقيه أمازيغي.
وقائع التاريخ يا عصيد تؤكد أن الأمازيغ المغاربة احتضنوا الفاتحين المسلمين, وماكان للإسلام أن ينتشر داخل هذه الربوع لولا هذا الاحتضان, ولولا مجهودات العلماء الأمازيغ الذين واصلوا نشر الدعوة الإسلامية, وتعليم الناس اللغة العربية التي هي لغة القرآن.
الإسلام لم يفرض على الأمازيغ بالقوة كما يزعم بعض النشطاء الأمازيغ, والأمازيغي الحر لا ينظر إلى العربية لغة المستعمر كما يدعون. وما أكثر العلماء الأمازيغ الذين خدموا اللغة العربية وعلومها ! نذكر على سبيل المثال: محمد ابن آجروم, وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن داود الصنهاجي صاحب كتاب الآجرومية الذي يعتبر من أهم كتب النحو العربية ونذكر أيضا المؤرخ والأديب والعالم المجاهد محمد المختار بن علي بن أحمد السوسي الإلغي الملقب بـرضا الله والمعروف بـمحمد المختار السوسي . وقد ألف في هذا المجال عدة كتب, أهمها :”رجال العلوم العربية بسوس” وكتاب “سوس العالمة”…
ما كان لمجد هؤلاء الأعلام النبلاء أن يتعالى فيدخلون التاريخ من أبوابه الواسعة, مساهمين في الحضارة الإنسانية لولا الإسلام الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للناس كافة. فهو الدين الْمُوَحِّدُ الذي يجعل من طلب العلم والعمل عبادات يثاب عليها المرء.الإسلام يا عصيد رسالة رحمة للعالمين.جاء للعرب كما جاء للأمازيغ ولغيرهم .إنه دين يخاطب الناس جميعا, لذلك نجد الإسلام في أبهى صوره في دول غير عربية كماليزيا وأندونيسيا والأقاليم الإسلامية القوقازية, وعند الأمازيغ الذين يعتزون بهذا الدين أيما اعتزاز .فنجدهم حتى في أشعارهم وغنائهم يفتتحون بالثناء على الله, وبالصلاة على نبيه المختار, ويختتمون دائما بخاتمة دينية. ولا يكاد يخلو مدشر من مداشرهم من مسجد ومدرسة عتيقة أو كتاب قرآني. لو كان عصيد مهتما فعلا بالتراث الأمازيغي, والثقافة الأمازيغية لأدرك من خلال التراث والنَّظْم الأمازيغيين مدى تشبت الأمازيغ بدينهم واعتزازهم به, ولما تجرأ على القول بأن الإسلام لا يعني الأمازيغ. ترى من خول له حق الحديث بهذه الطريقة الإستفزازية وباسم الأمازيغ؟هل فوضه أحد؟ ألا يعرف عصيد أن عددا كبيرا من الأمازيغ الأحرار يُحَوْلِقونَ كلما سمعوا باسم عصيد؟ بينما إذا ذُكِرَ واحد من هؤلاء الأعلام الأمازيغ الذين أتينا على ذكرهم سابقا رضوا عنهم وترحموا عليهم؟والتاريخ سجل أسماءهم الخالدة بمداد من ذهب لا يمحى.
فواعجبا ! يرفضون استغلال الدين من أجل السياسة بينما هم يستغلون الأمازيغية في السياسة, وفي تقويض الإسلام, وفي ضرب الوحدة الوطنية بعنصريتهم, و في إشغال المجتمع وإلهائه عن مشاكله الحقيقية .كما يستغلون الأمازيغية حتى في الجنس وفي البحث عن الشهرة مطبقين مقولة “خالف تعرف” . ماذا قدم عصيد للأمازيغية غير أقوال مستفزة, وتصريحات همجية, لا تقدم شيئا ولا تخدم مصالح الأمة ؟ يقول الشاعر:
وَكُلُّهُمْ في لَهِيبِ الْْقَوْلِ عَنْتَرَةٌ وَكُلُّهُمْ فِي لَهِيبِ الْفِعْلِ كَالْوَتَدِ.
ثانيا في احترام العلماء :
من قيم الإحترام الهامة يا عصيد احترام العلماء لأن الله رفع قدرهم. ومن رفع الله قدره وجب احترامه.قال الله تعالى :”يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ” كان عكرمة رضي الله عنه ( وهو من التابعين الأمازيغ) يقول : “إياكم أن تؤذوا أحدا من العلماء , فإن من آذى عالما فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم.”
ألم يخرج عصيد بدون حياء معقبا على شريط قديم عمره ربع قرن للعالم الجليل فضيلة الدكتور مصطفى بنحمزة تم التصرف فيه من لدن من استحضره لأغراض مشبوهة, وقال بأن هذا الشيخ خارج عن الإسلام ؟ لو أن شخصا من العامة هو الذي صدر منه مثل هذا الكلام لاتهم بالتكفير والتطرف.
ثالثا في احترام المجتمع وقيمه :
من صور احترام المجتمع عدم إيذاء شعور الآخرين.عصيد لا يقيم وزنا لشعور المغاربة الشرفاء الذين يعتزون بدينهم الذي هو عصمة أمرهم.ألا يُعْتَبَرُ استفزازا لمشاعرهم عندما يدعو عصيد مثلا إلى إلغاء المادة 219 من القانون الجنائي المغربي التي تجرم ازدراء الأديان, والاستهزاء أو الإساءة إلى الله, أو الأنبياء والرسل, بينما يعتبر الفن مقدسا ولا يجوز التضييق على هذا الإبداع الراقي حسب زعمهم مهما بلغت جرأته؟ فمن وجهة نظر عصيد مثلا فالإباحية المدعوة لبنى أبيضاربطلة فيلم “الزين لي فيك” المثير للجدل لمخرجه “نبيل عيوش” (والتي بالمناسبة لم تستسغ أن يخرج المغاربة في مظاهرات حاشدة بالرباط للاحتجاج على الانزلاقات الأخيرة ل”بان كي مون”) أَقْدَسُ عند عصيد من الله, ومن رسوله والعياذ بالله !وكاتب رواية ” آيات شيطانية ” أحب إليه من نفسه, ومن الله, ومن رسول الله !
ويتمادى هذا العلماني المتطرف في استفزاز مشاعر المسلمين المغاربة, حين يدعو إلى الإفطار العلني في رمضان, ليفسد على المؤمنين تلك الأجواء الروحانية, وتلك الصورة الايمانية الجميلة التي يضفيها هذا الشهر المبارك الكريم على ربوع بلد الأولياء.تلك الأجواء الربانية التي تهفو إليها النفوس, وتنتظرها بكل شوق .
ما كنت لأرد لولا غيرتي على أبناء هذا الوطن العزيز من الذين يجهلون حقيقة هذا الرجل ومازال بعضهم مخدوعا فيه . ما كنت لأرد لولا إلحاح بعض الإخوة الأمازيغ الغيورين على دينهم, ووحدة وطنهم, و الذين عليهم أن يعلموا أن الهدف الأسمى لمشروع عصيد هو تقويض الإسلام الذي يشك في أنه الدين الصحيح الوحيد, ناسيا أو متناسيا قوله تعالى :
“إن الدين عند الله الإسلام ” صدق الله العظيم والسلام”