عذرا أيها الزمان
نتفكر أحيانا حينما تضيق بنا الدنيا ذلك السؤال القديم الجديد والبسيط المعقد، لماذا ولدنا في هذا الزمان؟
ألم يكن ممكنا أن نولد قبل أو بعد هذا التاريخ؟. ونعود لنقول عذرا أيها الزمان ليس نحن من اختار أن يولد في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ، تاريخ تعاسة وضرب من الفكر المتناقض، أو بالأحرى حقيقة اللامنطق. قد يتساءل البعض عن هذا القول أو حوله. لكن سيعرف البعض الآخر الإجابة لكونه يغرق في نفس الزمان زماننا العاهر الشاد الذي لا يعترف بأبنائه، فأصبح لزاما فيه على من يريد فرض مكانته أن يقول ما يفعل وحتى ما لا يفعل، ما يعرف وأن يتحدث حتى فيما لا يعرف.
أصبح لزاما في زمان نهاية الزمان الرحمة بالأغنياء والشقاء على الفقراء، وربما لم يعد قول “نعيب زماننا” صحيحا، لأن الزمان أصبح عيبا علينا وأصبحنا فيه بعيوبنا، فلم يعد يُحترم الفكر والإنسان فينا، ينتشر اعتراف فقط بغطرسة القوي وقانون الغاب يتعدى كل القوانين الإنسانية ليس فقط بمكاننا بل في كل مكان، وحتى هذه اللحظة التي تكتب فيها هذه السطور أعيش عزلتي وسط هذا الزمان الذي يفرض علي أن أعيش معزولا لأن الاجتماع له ثمن وثمنه غال غلاء الماء والخبز والسكر…
وفي كل جانب بؤس وحرمان فقد كَتبت مسبقا أنني لو كنت وزيرا لأنقدت الكل ولأصبحْت القائد الأول للتنمية وصاحبها.
ليس مشكل هذا الزمان اقتصاد رأسمالي أو اشتراكي لكن مشكلها اقتصاد الوحوش والحيوانات الضخمة التي تلتهم كل شيء. قلمي الآن ليس له مسار لأن هذا الزمان له أمواج نلتطم بها، فتارة تغير مسارنا وتارة نمشي معها حسب قوة المد والجزر.
ليس لهذا الزمان إلا رب قادر نلجئ إليه كل مرة وحين فكل مكلوم لا يعلم بحدة عذابه إلا ألمه، أحيانا يخرج في شكل أنين، فالبارحة كانت الإبنة تموت أمام المستشفى المغلق وأمها تبكي بقلة حيلة.
يأخذني صخب موسيقى لم يعد يعترف بها ذا الزمان، وداعا عزلتي ليست إلا مجرد إشاعة عندي، لكن عند صاحبها ربما كابوس جديد أو تجربة ناجحة في المستقبل.
لم أعد أكتب على صفحة عذرا أيها الزمان التي كان شعارها أن “الجمال لم يكن يوما شفيعا لسوء الأخلاق” لأنني تهاوت علي أفكار لم تعد تناسب الزائرين لها فاكتفيت بالملاحظة، ملاحظة ليست بسيطة فهي تحاول تحليل كل ما في هذا الزمان في كل مرة أفكار وتحليل جديد، فلا يمكن ربط انتحار البوعزيزي فقط بالإهانة كما وصفها “المنجرة” في كتابه، لربما شيء آخر، فلهذا الزمان تحليلات أخرى أعمق لا تستثني التحليل البسيط للأشياء.
زمان تآمر فيه الكل علينا فهو الزمان الذي يتداعى فيه علينا الكل كما يتداعى الأكلة إلى قصعتهم، زمان أبكانا ليس من غلبة الدين أو قهر الرجال لكن بشدة المرض والأوجاع.