العطلة الصيفية…موسم الهجرة إلى العمل وانتهاك حقوق الطفولة

0 536

“أريد أن أحصل على المال الكافي من أجل شراء الكتب المدرسية وملابس جديدة للموسم المدرسي المقبل..” بهذا الجواب المقتضب رد عمر، 15 سنة، قبل أن يعتمر قبعة صفراء بهت لونها بسبب الغبار وكثرة الاستعمال، ثم التقط مترا ومنشارا، واختفى وسط القطع الخشبية المتناثرة في إحدى ورشات النجارة بعين السبع، الدار البيضاء.

عمر مثال لعديد من الأطفال المغاربة الذين لا يستجيبون لنداء وزارة الشباب والرياضة السنوي للتخييم، ويضطرون إلى قضاء العطلة الصيفية في العمل من أجل الحصول على المال الكافي لتغطية متطلبات الموسم الدراسي المقبل. فما إن تغلق المدرسة أبوابها، حتى تجدهم في مواقف السيارات، الأسواق الشعبية، قرب المطاعم، في المقاهي، على الأرصفة، في الحدائق أو في ورشات العمل. كل شيء في سبيل عدم الرضوخ لواقعهم الاجتماعي الصعب، واكمال دراستهم.

العطلة ليست للجميع

عاد عمر للتحدث عن تجربته بعد أن أنهى يوما شاقا في الورشة، قائلا إنه يشعر بالإحراج وبالغيض حينما يشرع زملاء الدراسة في الحديث عن روعة عطلتهم الصيفية مع عائلاتهم بداية كل موسم دراسي. “والدي لا يتوفر على عمل قار. والمال الذي يجنيه بالكاد يؤمن مأكل الأسرة. وبالتالي أضطر للعمل في ورشة النجارة خلال العطلة الصيفية من أجل الحصول على المال لشراء اللوازم المدرسية وملابس جديدة،” يضيف عمر.

بيع الخضر والفواكه هو المصدر الوحيد لدخل أسرة عمر، حيث يمضي والده اليوم بأكمله مع عربته أمام مسجد الأمان بعين السبع. يشرح عمر قائلا: “والدي لم يذهب إلى المدرسة ولا يتقن أي حرفة. لذلك يبيع الخضر والفواكه. شعرت بالحقد تجاهه حين كنت في الثامنة من عمري لما رفض أن يرسلني إلى المخيم بعد أن طلبت منه ذلك، لكنني الآن أتفهم معاناته وأحاول أن أساعده عن طريق تغطية مصاريفي بنفسي.”

وعن أرباحه ومعاناته اليومية مع مهنته الصيفية، يقول عمر: “أجني حوالي 200 درهم في الأسبوع. رب عملي الحالي لطيف ويعطيني 20 درهما إضافية كل يوم سبت من أجل الذهاب إلى الشاطئ يوم الأحد. لكنني مررت من تجارب أخرى صعبة، إذ كان بعض أرباب عملي السابقين يعاملونني بقسوة وفي بعض الأحيان يرفضون أن يدفعوا لي، نظرا لأنني ما زلت أتعلم ولا أقدم للورشة أية إضافة على حد تعبيرهم، رغم أني أعمل بجد طوال اليوم”.

سلمى عاملة البيوت الموسمية

وغير بعيد عن الورشة التي يعمل فيها عمر، تقطن سلمى، 16 سنة، في حي صفيحي مهمش بعين السبع رفقة والدتها وشقيقها ذو السبع سنوات. بعد نهاية الموسم الدراسي الحالي، انتقلت من “كوخها القصديري” الكائن بحي الوفاق، إلى منزل إحدى العائلات الميسورة بالمعاريف من أجل خدمتهم ورعاية أطفالهم الصغار.

“أقضي أيام الأسبوع كلها في المعاريف ما عدا يومي السبت والأحد، اللذان أمضيهما مع والدتي وأخي بعين السبع،” تحكي سلمى، مشيرة إلى أنها عملت كخادمة بيوت لدى نفس العائلة خلال الصيف الماضي، وقررت العودة نظرا لحسن تعاملهم معها.

وعن مهامها اليومية بالمنزل تقول سلمى: “مُشغّلتي تعمل خلال الصيف وزوجها كذلك، لذلك تكلفني كل صيف برعاية طفليها، الأولى تبلغ سبع سنوات والآخر خمس سنوات. أبقى معهما طوال اليوم في المنزل لرعايتهما، كما أقوم بأعمال الكنس والتنظيف. إن مُشغّلتي تعاملني بلطف، لكن مع ذلك أشع بالحزن لأنني مجبرة على العمل أثناء العطلة الصيفية، عوض الاستمتاع بها.”

تضيف سلمى: “أعمل لأشتري الكتب المدرسية لي ولأخي؛ لأن أمي لا تستطيع أن توفر لنا ما يكفي من عملها في البيوت، وأبي توفي منذ زمن بعيد. لم تكن والدتي لتوافق أن أعمل كخادمة بيوت، لو لم تكن على دراية بحسن تعامل العائلة التي أشتغل عنها. فوالدتي تعرف المُشغّلة جيدا، حيث سبق لها الاشتغال عندها أيضا من قبل. “

أرقام مخيفة

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ظاهرة تشغيل الأطفال مستفحلة في المغرب. إذ تفيد معطيات المندوبية السامية للتخطيط، في بحث أجرته وطنيًا عام 2015 حول تطور ظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب، أن الظاهرة تهم حوالي 69 ألف طفل بين سن السابعة و15 سنة، وهي منتشرة خصوصا في البوادي.

ويمثل الذكور 60,1 في المائة من مجموع الأطفال المشتغلين على الصعيد الوطني، فيما يمثل الإناث 39,9 في المائة، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط.

ووفق نفس المصدر، فإن 76,8 في المائة من الأطفال المشتغلين لا يتوفرون على أية شهادة، و26 في المائة لا يتوفرون على أي مستوى دراسي، و24,2 في المائة يعتبرون أميين، في حين أن 35 في المائة من هؤلاء الأطفال فقط يشتغلون بالموازاة مع تمدرسهم.

وعن عدم الالتحاق بالمدرسة، تعزى الأسباب الأساسية المصرح بها من طرف المعنيين بالأمر، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط، إلى عدم اهتمام الطفل بالدراسة (34,1 في المائة) أو عدم تواجد مؤسسة تعليمية بمحل الإقامة، بعد المؤسسة، صعوبات جغرافية أو مناخية (23,1 في المائة) أو انعدام الوسائل المادية لتغطية مصاريف التمدرس (13,8 في المائة) وإلى ضرورة مساعدة الأسرة في أنشطتها المهنية (7,5 في المائة).

image_F6c6tsc.image_corps_article

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.