قصة بسيطة مع ألة تصوير رقمية صغيرة
لي حكاية بسيطة مع ألة تصويررقمية صغيرة من صنع شركة صوني اليابانية،اقتنيتها جديدة ب3000درهم لألتقط بها صوراجديرة بذلك اثناء بعض تنقلاتي ورحلاتي البسيطة داخل البلاد او خارجه.
في الصيف الماضي، بعد ان التقطت صورا لبعض المواقع الأثرية في بلاد الأندلس خاصة مع صومعة الخيرالدا الإسلامية الشهيرة،اتجهت شمالا الى حيث توجد عروسة منطقة كاتالونيا المطلة على البحر الأبيض المتوسط والتي هي مدينة برشلونة الساحرة.وفي ساحة الرامبلة وسط المدينة حيث تمثال كريستوف كولومب يقف شامخا على عموده وهو يشير الى القارة الأمريكية، وبعدها الى المعلمة التاريخية التي تفتخر بها كاتالونيا والمتمثلة في معلمة لاكرادا لافاميليا.. وبعد ألتقاط صورتين بالتمام للمعلمة العجيبة، تفاجأت بتوقف اشتغال الة تصويري الجديدة..عدت الى البيت حيث يقيم أخي بحي سانطا كولوما الشعبي الذي يعج بجنسيات مختلفة: اسيوية، وعربية، وأمريكية لاتينية ..مكونة جيوبا عرقية مختلفة داخل المدينة .. انتظرت عودته طويلا الى المساء ليدلني على بكستاني ماهر لإصلاحها، وما اكثر الباكستانيين الذين يشتغلون في ميدان إصلاح الألات الأكترونية في المدينة..لا أعرف اللغة الكاتالانية ولا الإسبانية ولا البكستانية.. الشعب الكاتالاني يقدس لغته ،وان تحدثت مع أحدهم بإنجليزية سليمة، رغم شهرتها وصيتها في العالم ، يسخر منك، لأنها في نظرهم لغة رعاة البقر الأمريكان، فما بالك حين تتحدث مع احدهم بلغة انجليزية عرجاء بلكنة مغربية كما أفعل..
في المساء، لسوء حظي مع هذه الألة الرقمية الصغيرة، هاتفني أخي ليخبرني انه غادر المدينة مع شريكه الإسباني في رحلة عمل عاجلة الى جزيرة مايوركا عبر مطار برشلونة الدولي، وأخبرني بانه سيمكث هناك لمدة أكثر من شهر في تلك الجزيرة المعروفة بسياحتها المزدهرة..وضعت ألة تصويري في حقيبة سفري بعد ان استعرضت البوم الصور التي ألتقطتها باسبانيا وأخرى فوق سماء الدار البيضاء على مثن إحدى الطائرات التابعة لشركة ” جيت فور يو ” الإنجليزية.. حين عدت الى المغرب ،ومن مطار الدار البيضاء الى الجنوب الشرقي للبلاد بالرشيدية .. ومن الراشيدية الى مراكش الحمراء ..وبعد ايام تذكرت من جديد ألة تصويري الصغيرة التي لاتشتغل..سألت عن متخصص لإصلاحها، دلني الناس على واحد منهم.. قصدت محله مرار وأنا اعود في كل مرة بخف حنين..لم اعثر على هذا الرجل الا بعد انتظارات طويلة وكثيرة أمام محله الذي لايظهر فيه في الغالب إلا بالليل بعد صلاة العشاء..قدمت له الألة، وفحصها جيدا ..وقال لي بلحيته الإخوانيةالكثة بأنها غير قابلة للإصلاح أبدا، وطلب مني بيعها له لأنها في نظره لم تعد صالحة للإستعمال..تذكرت حكايات سمعتها أيام طفولتي عن مراكش المدينة السياحية الساحرة، وحكايات أخرى عن اللصوص خاصة في جامع لفنا ..وهذا الإنطباع والتصور هو الذي ترسخ في ذهني حول مدينة مراكش رغم انها مدينة جميلة ومدينة سبعة رجال صالحين كما يقول أو يدعي اهلها.وربما لم أخطىء في انطباعي هذا ،فحتى المسلسل الكارتوني الأمريكي في شخص هومر بطل مسلسل عائلة سمبسون الشهير، صور مدينة مراكش في إحدى حلقاته الكوميدية المضحكة على أنها مدينة السياحة العجيبة بامتياز، ومدينة اللصوص وتجار المخدرات واستهلاكها أيضا..
احتفضت بألة تصويري الجديدة لشهور حتى عاد أخي من اسبانيا في احدى العطل لزيارتي بمدينة ازيلال على رأس قمم جبال الأطلس الخلابة ،وأعطيت له الألة ليصلحها حين يعود الى الديار الإسبانية ..«لا ثقة في المعلمين المغاربة رغم انهم مسلمون فهم يغشون..لم تعد تهمنا الألة وإنما حيل الحرامية الذين يودون سرقتها..هم يقولون: هي خاسرة، هل تبيع؟ ».عندما قال لي أخي هذا الكلام، ولكي أرسخ في ذهنه فكرة اننا علماء فطاحل في الغش والسرقة، حكيت له القصة التالية:
حكت لي امرأة التقيتها صدفة و لا أعرفها أمام محل أحد مصلحي الإجهزة الإلكترونية بمدينة بني ملال وسط المغرب كيف وجدت رضيعها قد عبث بفمه بهاتفها النقال حين نسيته الى جانبه، وبسبب البلل ،توقف عن التشغيل .وحكت لي كيف ان صاحب المحل طلب منها ان تعود الى هاتفها في اليوم الموالي، هذا الهاتف الذي لايحتاج شيئا سوى تجفيفه بمجفف الشعر ويعود الى حالته العادية .وهذا ما لاتعرفه تلك المرأة المسكينة الا عن طريق إحدى صديقاتها بعد ان حكت لها القصة.وهذا ما قام به صاحب المحل لمدة لاتتجاوز 30 ثانية وراء الحاجز الخشبي الذي يشتغل فيه ليطلب منها في اليوم الموالي 30درهما.وأضافت المرأة قائلة: ولهذا ترى دائما المعلمون لايرغبون في إصلاح الالات الناس أمام أعينهم، فأغلبهم يختبؤون وراء حاجز يحول بينهم وبين رؤية زبنائهم ما يفعلون أثناء إصلاح آلاتهم..
حين سمع أخي الذي عاش في اسبانيا لمدة طويلة هذه الحكاية ضحك كثيرا، وتأسف كيف كان يمزق الإنسان المغربي لحم أخيه حيا مثلما فعل هذا المعلم مع هذه المرأة المسكينة ،ومثلما اراد ان يفعله معي معلم مراكش الذي طلب مني شراء آلتي الرقمية بدعوى انها معطلة وغير قابلة للإصلاح ..وهذا ما لايفعله الناس في الغرب، وربما هذا سبب تقدمهم ونهضتهم،و كان هذا أيضا سبب تأخرنا وتخلفنا نحن كمسلمين.فالحضارة سلوك ومبادىء وأخلاق ومعاملات..
عاد أخي الى مدينة الرشيدية عبر مراكش محتفظا بهده القصة في ذهنه .الا انه توقف في مدينة بومالن بورزازات ،وبحث في تلك المدينة الجنوبية عن معلم آخر ليستطلع رأيه حول الالة..وبعد أن عثر عليه ،فحصها جيدا وطلب منه 350 درهما ثمن إصلاحها بشرط ان ينتظر اسبوعا.. أخي العابر لهذه المدينة كمسافر لم تسمح له ظروفه الإنتظار أكثر من يوم واحد، وهذا ما حال لحسن حظه بينه وبين ترك ألة تصويره للمعلم ببومالن.. في الرشيدية، فتحها، ونظف غبارها بالنفخ على أجزائها، وما هي الا لحظة، حتى عادت الى الإشتغال بشكل عادي من تلقاء ذاتها ..
حين أخبرني اخي بعودة اشتغال الألة بشكلها العادي، تذكرت يوم شراءها،و تذكرنا الصور التي التقطتها في اسبانيا، وتذكرنا اسماء بعض محلات الإسبان والباكستانيين ونزاهتهم ..وتذكرنا المعلم بمراكش، وقصة المرأة والهاتف ومجفف الشعر ببني ملال وسط المغرب، وقصة معلم بومالن في الجنوب، وتذكرنا الله رب العالمين ،والضمير الإنساني والمهني لدى العديد من المعلمين المغاربة المسلمين الذين يستغلون جهل الناس وهم يسرقون جيوبهم في واضحة النهار.وتذكرت أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال “من غش فليس منا” .العديد من المعلمين في بلدنا ليسوا من المسلمين بناء على هذا الحديث.ليس فقط المعلمون ، بل أيضا حتى بعض الأطباء دوي العيادات الخاصة والإداريين والمقاولين والقضاة والمدرسين والمنتخبين…وكل من يسعى الى الغش، والمراوغة، والتربح ،والتكسب السريع على حساب جهل الناس وأميتهم،.يجب علينا ان نتعلم ونعرف ان من يعيش بالحق والعدل والنظام ويتقن عمله هو من يبني الحضارة و ينال رضا الناس وثواب الدنيا والآخرة، ونتعلم أن الناس يحيون للبناء وتعمير الأرض وليس لخرابها،فالحضارة بناء لاهدم والإنسان خليفة الله على الأرض وعليه ان يجسد هذا الدور الكبير …
محمد حداوي
مع الاسف الشديد هدا واقع