معنى أنك طالب جامعي؟
الطِّلْبة بحسب ما ذهب إليه صاحب اللسان ما كان لك عند آخر من حق تطالبه به، وإن أنت تطلب إنسانا بحق لك عنده فأنت مُطالب، والطالب هو شخص يحاول إيجاد شيء وأخذه، لكن ما هو هذا الشيء الذي يطلبه هذا الطالب ومن هو هذا الذي يطلبه؟
الطالب يطلب شيئا وهذا الشيء مفقود يجهله أو بالأحرى يتجاهله هذا الذي يطلبه منه. ولسوء الفهم له ظنوه طالبا لأنه يطلب العلم ويطلب المعرفة، وفي الحقيقة هو لا يطلب العلم والمعرفة لأن الزمن كفيل بهما، وإن كان هذا الطالب يظهر أنه يطلب العلم والمعرفة فإنه يطلب شيئا آخر خفي يحجبه من ورائهما وهذا الشيء هو يدركه جيدا. العلم ينتفع به صاحبه لوحده، وبهذا يكون هذا الطالب كابن الحمارة لا ينتفع بحليب أمه غيره، الجامعة هنا هي الحمارة والطالب جحشها، وهو لا يرضى بهذه الصورة، أن يكون جحشا، لذلك يطلب شيئا آخر ينفع به أهله أقاربه والذين من حوله!
وحقيقة هذا الطالب أنه شخص فقير انقطعت به السبل واختلطت عليه الأمور فقصد الجامعة ليطلب معاشه، يكد ويجتهد ويقاتل علَّه يضمن كسرة خبز له ولعشيرته والفراخ التي تنتظره، هذا الطالب نتاج مؤسسات مركبة عقيمة عجنته وكورته ولفظته في رحم الجامعة ليطلب زهره، ليطلب العلم لأنه يطلب المادة ويطلب الشرع! يطلب الأولياء الصاحين ويطلب رجال البلاد ويطلب رضاء الوالدين ويطلب الله أن يفرج عليه ويطلب منه أن تمر التجربة وتنتهي بخير…
وأن تكون طالبا جامعيا بمعنى أن تغادر مدينتك وتغترب عن أهلك وأحبابك لشهور وتكتري غرفة من مترين مكعبين بأغلى ثمن وتقتات ب “الشعرية” و”البصارة” و”العدس”، وأحيانا تظل فارغ الجوف وجيوبك يداعبها الفراغ. أن تقترض من هنا وهناك لتوفر ما تسد به الرمق وتقضي ضرورياتك ريثما يحن عليك الخالق، أن يحتقرك البقال حين تقترض منه درهما من السكر أو درهما من الزيت أو نصف خبزة. وحين تتأزم ويبلغ السيل الزبى تهتف من أجل حقك المشروع فتجد أمامك جيش من المخزن مسلح بكل وسائل القمع ويشهر عليك هراوته لتحني رأسك وتضرب الطّم. تضع ذلك جانبا اعتبار للشيء المفقود الذي تطلبه، وتأخذ الأمور بجدية فتتقيد بالصبر وتبلغ قصارى جهدك لأنك في حاجة إلى الشيء الذي تطلبه. يثقل كاهلك بالكتب والمطبوعات لفكرة الكم التي ترسخ عندهم ويقيدونك بضيق الوقت فتجد نفسك تائها لا تعرف رأسك من رجلك. يجعلون منك آلة للنسخ تلتهم الحروف لتتجشأها على ورقة الامتحان وتظل ذاكرتك جوفاء، لتجد نفسك في السنة الثانية أو الثالثة من الجامعة وقد ابتاعوك شهادة مغشوشة وأنت لا تستطيع أن تكوّن رأي أو تناقش فكرة.
تنقضي المدة التي تطلب فيها الشيء المفقود وقد أعياك البحث والتفتيش وتقصد الشار ع وتهتف بحقك وتطالب بشيء آخر هو القنطرة إلى ما تطلبه! وهذا الذي تطلبه وحقه عندك لا ينصت إليك، لذلك تقاتل من أجل أن تحارب هذه العادة السيئة، عادة المطالبة، وتحتج من أجل أن تسقط عنك هذا اللقب اللعين لقب الطالب وتنال لقبا آخر…!