جولة في واقع عربي مر
إن المتأمل للواقع العربي وما الت إلية أوضاع الأمة العربية من تشرذم وتفكك,من اقتتال داخلي حول السلطة وما خلفه من الآلآف من الأرامل والثكالى,والمشردين على بيوتهم والمهجرين قسرا من بلدانهم إلى بلدان أخرى,يشعر بمرارة كمرارة العلقم.
فهاهي بلاد الرافدين العراق, منارة العلم والشموخ,وذات التاريخ التليد,أصبحت دولة أشباح, ومدنها كمدن القرن التاسع عشر بعدما أكل الارهاب جمالها ,واتعب الناس واقعها الاقتصادي والاجتماعي المزري بعدما كانت قبلة للمثقفين والعمال العرب على حد سواء.
وهاهي سوريا الشام,من أجل كرسي حكم,فليمت كل السوريين وليتوزعوا على بلاد العرب والعجم,هي ثورة سورية فعلا بحثا عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحكم الشعب,لكن ثمنها كان غاليا,فقدت أيقونة الشام بريقها,ودك الاقتتال, الأخضر واليابس,الإنسان والشجر والحجر.
ولبنان الذي خرج أخيرا من أزمة الكرسي الفارغ,بانتخاب ميشيل عون رئيسا بعد أزمة سياسية عمرت طويلا,لكون لبنان كانت ومازالت مكانا لتجاذب القوى الإقليمية (السعودية وإيران)والمصالح الأجنبية خصوصا الفرنسية.
وفلسطين الجريحة,التي ترزح تحت احتلال صهيوني غاشم,وانقسام داخلي بين قطاع غزة التابع لحكم حماس والضفة الغربية الذي تحكمه حركة فتح,فضاعت القضية بين الانقسام الداخلي والواقع العربي المزري الذي يعيش أكبر الانتكاسات في تاريخه.
أما اليمن الفقير,والشعب الطيب الضائع بين صراع حول السلطة ومصالح الجيران,فثورته ضد نظام صالح, جعلته يعيش اللأمن واللأستقرار,لينضافا إلى مشاكل الإنسان اليمني الإجتماعية والإقتصادية.
وما حال ليبيا ببعيد عن ذلك,فبعد ثورة أسقطت نظام العقيد,توحد حولها الشعب بحثا عن الحرية والنماء,وتفرق بعد الثورة إلى فصائل بحثا عن الغنيمة,فضاعت الثورة بضياع الأمن والاستقرار,رغم محاولات الخروج من عنق الزجاجة( إتفاق الصخيرات).
بلاد الفراعنة والتاريخ الموغل في القدم,ثورثها المجيدة التي أسقطت نظام حسني مبارك واوصلت محمد مرسي للسلطة,لكن بنجاح الثورة المضادة عادت مصر إلى حكم العسكر وسنوات إلى الوراء ,فقدت معه بريقها ومكانتها في مخيال المثقف والعامي العربي على حد سواء.
وتبقى تونس الخضراء,ملهمة الشعوب العربية الإستثناء في بلدان الربيع العربي،فبعدما أسقطت إحدى أعثى الديكتاتوريات التي تربعت على السلطة ردحا من الزمن من خلال ثورة الياسمين،التي أعلنت ميلاد الربيع العربي، الذي تحول خريفا في مصر واليمن وليبيا وسوريا وجعل الشعوب تلعن هاته الثورات,لما خلفته من دمار في البنى و الأقوات،ما عدا التجربة التونسية التي نجحت في إرساء تجربة فريدة في العمل السياسي ، باجتيازها للمرحلة الانتقالية رغم الأشواك (إغتيال شكري بلعيد و البرهمي و العمليات الإرهابية التي استهدفت الجيش في جبل الشعانبي) بنجاح، من خلال إنتخابات برلمانية شفافة و نزيهة،ثوجت بتصدر حزب نداء تونس المشهد السياسي التونسي.لتجرى الإنتخابات الرئاسية بين المنصف المرزوقي والقايد باجي السبسي والتي انتهت بجعل الثاني رئيسا لكل التونسيين، لتكمل اخر جولات الانتقال نحو الديمقراطية .الا أنه وجبت الإشارة أن هذا ما كان ليتحقق، لولا وجود نخبة سياسية محنكة بإسلامييها و علمانييها،حكمت منطق العقل على التهور، و مصلحة الوطن عوض الإنجراف نحو الشخصانية الضيقة,رغم ما تعانيه تونس من تنامي الأعمال الإرهابية الهادفة لإفشال المسلسل الديمقراطي( هجوم متحف باردو الإرهابي و الذي ضرب مدينة سوسة وضرب معها السياحة التونسية في الصميم كمثال)،نخبة أمنت أنه يمكن لدولة عربية أن تحقق الانتقال الديمقراطي من خلال ثورة سلمية,ويبقى الرهانين الإجتماعي والاقتصادي معركة تونس القادمة.
أما في المغرب,فهناك ثورة هادئة,ثورة تروم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية,وجعل المغرب رافعة للتنمية في القارة الإفريقية,ونموذجا للتغيير في ظل الإستقرار,ومثالا في احترام المنطق الديمقراطي رغم بعض المنزلقات التي تحدث بين الفينة والأخرى,وذلك يعتبر طبيعيا في فترة انتقالية,هاته الثورة يقودها ملك شاب هو محمد السادس.
هاته جولة بسيطة في جزء من واقعنا العربي المر,رغم وجود بعض الإشراقات في ظلمته وعتمته.