هل من سبيل لإيقاف العنف الجامعي؟

0 379

حساين المامون - أستاذ باحث

هل تحولت الجامعة المغربية من ساحة للاحتكاك الفكري و النقاش الجاد و المنتج للأفكار و التصورات، و منبعا للأطر السياسية في الأمس القريب لتصبح اليوم حلبة للصراعات و المشاجرات بالسيوف و العصي، و ساحة للقتل و التقتيل، إنها فعلا صورة أخرى للتخلف، و للرجعية و تحجر الأفكار، و نبذ الاختلاف و تجدر الأنانية و القبلية الموغلة.
في كل سنة تشهد بعض المواقع مواجهات عنف بين فصائل طلابية خلفت قتلى و جرحى و معتقلين، وخير مثال على ذلك ما شهدته جامعة القاضي عياض بكلية العلوم السملالية مؤخرا  حيت تسود حالة من الذعر و التذمر داخل الجامعة و خارجها، و هذا في نظري استنزاف للطاقات الطلابية، و كذا انعكاس للوضع العام الذي يعيشه قطاع التعليم بالمغرب، و الوضع الذي تعيشه الجامعة المغربية على وجه الخصوص، كما يعتبر ذلك انعكاسا للوضع داخل الدولة، و للحالة السياسية التي تعتبر الجامعة مرآة حقيقية لها. فالشارع السياسي المغربي يتميز بدوره بالتشرذم، و غياب الإطار المرجعي و الفكري لدى أغلب التنظيمات، و نبذ الاختلاف و حرية الرأي، و غياب الوازع الأخلاقي في العمل السياسي، و غلبة الصراعات الهامشية، و الحزازات الشخصية على حساب الأولويات السياسية، و الضرورات الملحة للوطن و المواطن، و هو ما يمكن اعتباره تبنيا سيئا للمذهب السياسي الميكيافلي.
فهل هذه المواجهات داخل الجامعات تعد مجرد مناوشات عابرة بين الطلبة؟ أم أنها لا تعدو سوى امتداد للصراعات السياسية التي كرسها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بتاريخه المتسم بالخلافات السياسية ؟ أم أن هذه المواجهات ما هي إلا تحصيل حاصل لأزمة الجامعة المغربية؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك لتكون الجامعة مجرد مسرح لصراع يحدث خارج أسوارها؟
على ما يبدو أن ما شهدته كلية العلوم مراكش وباقي المواقع الجامعية في كل موسم لا يعتبر مجرد حالات عابرة لأن هذه المواجهات تعم أهم المواقع الجامعية بالمغرب، كما أنها تعتبر استمرارا لمواجهات زادت حدتها في السنوات القليلة الأخيرة حيث بدأت تزداد وتيرتها سنة بعد أخرى كما أن مخلفاتها ليست بالهينة على المستوى البشري فقد خلفت قتيلين و جرحى، و مصابين بعاهات، و معتقلين في السنة الماضية  كما أن تداعيات هذه المواجهات وصل مداها إلى المستوى العالمي، و ذلك بإصدار بلاغات و رسائل، و مذكرات دولية، ثم أن ما يبرز أكثر حدة هذه المواجهات هو أن الفصائل الطلابية، و التيارات السياسية و الفكرية المتدخلة فيها كثيرة من فصيل الطلبة الصحراويين و فصيل الحركة الثقافية الأمازيغية MCA التي بالمناسبة و من أجل التوضيح تعتبر فصيلا طلابيا يتبنى أفكار الحركة الأمازيغية المطالبة بحقوق الإنسان الأمازيغي، و لا يرتبط هذا الفصيل بمنظمات الشارع السياسي و الجمعوي الأمازيغي من أحزاب و جمعيات و تنسيقات جمعوية فهو يحتفظ لنفسه باستقلالية تامة في مواقفه، و استراتيجيته و تصوراته.
كما أن هذه الأحداث عرفت دخول طرف فصيل النهج الديمقراطي القاعدي بأحد تياراته الفكرية و الذي بدوره لا تربطه أية علاقة تنظيمية مع حزب النهج الديمقراطي الذي يحمل أفكارا يسارية. هذا و قد عرفت كذلك هذه المواجهات بروز فصيل طلابي ظهر بشكل عفوي يسمى بالوحدويون حيث يعتبرون أنفسهم خصوما للطلبة الصحراويون الذين يحملون أفكارا من قبيل حق “الشعب الصحراوي” في تقرير المصير، و “استقلال الصحراء”المغربية .

من هنا يتضح إذن مدى حدة الصراع الذي شهدته الجامعة، و تداخل أطرافه، و تجاذباته السياسية.
إن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب UNEM كإطار تنظيمي للطلبة بالمغرب الذي أسس في 26 دجنبر 1956 يمكن اعتباره امتدادا لبعض المنظمات الطلابية التي ظهرت في عهد الحماية الفرنسية كجمعية طلبة المسلمين بشمال إفريقيا، و اتحاد طلاب المغرب، ولقد أثرت الأجواء السياسية العامة التي عاشها المغرب بعد الاستقلال على هذه المنظمة الطلابية بشكل كبير خصوصا انشقاق الجناح اليساري عن حزب الاستقلال، و تأسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،كما مر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سنوات الستينات من مرحلة قمع من طرف الدولة، حيث شهدت صفوف مناضليه اعتقالات و محاكمات صورية. و في أواخر السبعينيات و مطلع الثمانينات بدأ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يعرف خلافات سياسية و تنظيمية حادة بداخله لاسيما بعد الانشقاق الذي عرفه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هذه الوضعية أصبحت المنظمة الطلابية تتخبط فيها طيلة عقد الثمانينات حتى بدأ يطفو المد الإسلامي على الجامعة المغربية مع موجة ما يسمى “الصحوة الإسلامية” التي عرفها العالم، ليعرف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب انفصاما، و ازدواجية حيث أصبح الإسلاميون خصوصا فصيل العدل و الإحسان يتحدثون باسمه، و هياكله، كما أصبحت الفصائل السياسية التاريخية و الحديثة داخل الجامعة تتحدث باسم الاتحاد، و تعتبر نفسها تحت مظلته و هكذا أصبحنا أمام ما يمكن تسميته ب”الاتحادات الوطنية لطلبة المغرب”.
لكن في الحقيقة هذا التشرذم و هذه الازدواجية و هذه الصراعات و التطاحنات السياسية و العنف اللفظي بين الفصائل لن يخدم مصالحها السياسية، أو مطالبها النقابية في شيء، لأن المستفيد الأكبر من هذه الوضعية هي البرامج الحكومية المتعاقبة التي تعتبر الجامعات كمختبرات لتجريب البرامج الفاشلة، و الطلبة كفئران شاهدة على الإصلاحات المحكومة أصلا بالفشل. كما أن هذه الصراعات بدأت تزحف و تميت ما حققه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من مكتسبات داخل الساحة الجامعية، و بالتالي فإن كافة الفصائل الطلابية و التيارات السياسية داخل الجامعة لا سبيل أمامها في الوقت الراهن سوى تبني ميثاق شرف لنبذ العنف بكل أشكاله داخل الساحة الجامعية و هو ما سيسجله التاريخ لهذا الجيل الطلابي و هذا الميثاق سيكون لا محال مفتاحا لانفراج الأجواء داخل الجامعة، و رفع حالة الطوارئ التي تعيشها منذ سنوات، لتبدأ كافة الفصائل الطلابية في إعادة بناء الإطار العتيد الذي قدم شهداء و تضحيات من أجل عزة و كرامة الشعب المغربي، لأنه من العار أن يصل إطار من عيار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى ما نراه اليوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.