ندوة علمية في موضوع: العمل الجماعي والجمعوي بالمجالات القروية، أسئلة الحكامة والتنمية الترابية

0 991

نظمت دار الشباب تازاراين بمبادرة من طلبة باحثين وأساتذة ندوة علمية بتاريخ 6 فبراير 2017 في موضوع ” العمل الجماعي والجمعوي بالمجالات القروية، أسئلة الحكامة والتنمية الترابية”، حيث جرت أشغال هذه الندوة برحاب دار الشباب تازارين وتميزت بمناقشة ثلاثة محاور أساسية، خصص الأول للدور التنموي للجماعات الترابية، حالة جماعة تازارين، والثاني حول “المجتمع المدني بالمغرب، مستجدات دستور 2011 ومساءلة التجربة المحلية”، والثالث حول “الحكامة الجيدة والتنمية الترابية، الجماعة الترابية تازارين أنموذجا”.

شارك في تأطير ومناقشة محاور هذه الندوة كل من مدير مصالح الجماعة الترابية تازارين، والأستاذ رضوان الحداوي والباحث الحسين ابعسين.

في البداية استهل المنسق العام للندوة العلمية حديثه بالمقولة الخلدونية التي مفادها أن “أول العمل آخر الفكرة، وآخر الفكرة أول العمل”، ليقوم بعد ذلك بتقديم كلمة شكر للمشاركين والحضور الكريم متمنيا النجاح والتوفيق لأشغال الندوة، وكذلك بتذكير الحاضرين بالورقة التأطيرية للندوة حيث تطرق إلى السياق العام الذي نظمت فيه، مشيرا بذلك إلى أن المغرب عرف كسائر معظم دول العالم الثالث تحولات وديناميات جديدة على جميع المستويات، تحولات أملتها ظروف داخلية (نمو ديموغرافي متسارع، الهجرة، التمدين وتوسع المجالات الحضرية والقروية وما يطرحه من تعقد في العلاقات الاجتماعية وفي طرق تدبيرها ومقارباتها…)، وأخرى خارجية غير متحكم فيها من قبيل العولمة بشتى تجلياتها، لينتقل بعد ذلك إلى التنويه بمسألة أساسية تتجلى في كون المجالات القروية بدورها أصبحت تعرف ديناميات عميقة، الأمر الذي أصبح معه تدبير هاته المجالات يطرح تحديات كثيرة أمام مختلف الفاعلين التنمويين بما في ذلك الجماعات الترابية ومختلف الهيئات المدنية من جمعيات وتعاونيات ومختلف التنظيمات. خاصة في ظل المرحلة الانتقالية الحاسمة جدا التي يعرفها المغرب، إن على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكذا ورش تنزيل مشروع الجهوية الموسعة.

كما ألح على أن معالجة قضايا الحكامة والتنمية الترابية من زاوية العمل الجماعي والجمعوي في المجالات القروية يقتضي الأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد ووجهات نظر مختلف الفاعلين التنمويين وآراء المواطنين لتعميق الفهم ومُساءلة التجارب المحلية في أفق تحقيق التنمية الترابية من خلال آلية الحكامة الجيدة لتدبير وتنفيذ مختلف السياسات العمومية.

بعد ذلك، منحت الكلمة للمتدخل الأول السيد محمد توفيق مدير مصالح الجماعة الترابية تازارين الذي تحدث عن دور الجماعات الترابية في التنمية بالمغرب، حيث تطرق إلى أدوارها وصلاحياتها واختصاصاتها التي خولها لها القانون مقسما إياها إلى المنقولة والمشتركة وفصّل في كل منهما، ليعرج بعد ذلك إلى الحديث عن الموارد البشرية للجماعات الترابية بشكل عام والجماعة الترابية تازارين بشكل خاص وارتباط ذلك بمسألة النهوض بالشأن التنموي المحلي، وكذا المشاكل التي تتخبط منها والتي تتعلق بإكراهات ضعف التأطير والتكوين الأمر الذي يعيق مسلسل التنمية بها، كما تطرق كذلك إلى مشكل الرقابة الإدارية التي تحد من عمل الجماعات الترابية، إلى جانب ذلك أشار إلى الشق المتعلق بمالية الجماعات الترابية حيث ميز بين ميزانية ميزانية التسيير والتجهيز.

بعد ذلك تناول المتدخل الثاني الباحث الحسين ابعسين في مداخلته “المجتمع المدني بالمغرب، السياق، مستجدات دستور 2011 ومساءلة التجربة المحلية”، حيث تحدث بداية عن المجتمع المدني وفق مقاربة تاريخية للمفهوم، لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن علاقة المجتمع المدني بالدولة ومختلف الأدوار الجديدة التي منحها الدستور المغربي لسنة 2011 للجمعيات وهيئات المجتمع المدني، حيث قام الباحث بذكر أهم الفصول (الفصل 12- 13-14- 15، الفصل 33، الفصل 139، الفصل 146) وكذا المبادئ المؤطرة للعمل الجمعوي وفق مقتضياتها، ليطرح في نفس الاتجاه تساؤولات من قبيل: هل المجتمع المدني شريك في التنمية الترابية وتدبير الشأن العام المحلي أم مؤسسات لا تعدو أن تكون استشارية فقط؟ أي بتعبير أخر أنها تقترح فقط دون المشاركة الفعلية في صناعة القرار؟ وكيف أمكن مساءلة التجارب المحلية للعمل الجمعوي في ظل دستور 2011 الذي يقر بإشراك الجمعيات كقوة اقتراحية في إنجاز وتنفيذ وتقييم وتتبع مختلف المشاريع التنموية إلى جانب مجالس الجماعات الترابية؟، وبعد ذلك اختتم مداخلته بمساءلة التجربة المحلية من خلال تقديمه معطيات ميدانية وأرقام إحصائية تهم تطور المجتمع المدني المحلي وتواريخ تأسيسه، حيث وظف مقاربة تاريخية تهم فترات تأسيسه منذ 1985 إلى سنة 2013، ليستخلص أن غالبية الجمعيات تزامن تأسيسها بوثيرة تصاعدية وتناسلت بدرجة غريبة خاصة مع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 وما تلاها، بعدها تطرق إلى توزيع أنشطة الجمعيات حسب ميادين التدخل والمستوى الثقافي لرؤسائها، لينتقل مباشرة للحديث عن إكراهات العمل الجمعوي في تحقيق التنمية، حيث لخصها في نقاط أساسية أولها أن أغلبية الجمعيات تفتقر إلى تصور محلي شمولي يأخذ بعين الاعتبار أولويات المواطنين وحاجياتهم في إطار تخطيط منهجي يرتكز على مقاربة توفق بين المؤهلات المحلية وتلبية متطلبات الساكنة، ثم محدودية التنسيق بين الجمعيات ومختلف الفاعلين التنمويين داخل تراب الجماعة؛ إلى جانب قصور الجمعيات في تحرير محاضر الاجتماعات والاهتمام بالأرشفة التي تعد مظهرا أساسيا يعكس مدى احترافية عمل الجمعيات، وكذا تشابه برامج وأفكار غالبية الجمعيات…إلخ، وأشار إلى مسألة أساسية تتعلق بكون أن هناك من الفاعلين الجمعويين من فهِم “الجمعية بمنطق “التعاونية” وهناك من فهِم “التعاونية” بمنطق “الجمعية” وهذا شرخ في فهم العمل الجمعوي على الفاعل المدني المحلي استيعابه وتقبله. ليعطي في الأخير بعض الحلول للنهوض بأدوار العمل الجمعوي للمساهمة الفعلية في التنمية الترابية. ليختم مداخلته بالمقولة التالية: “أن لا تنمية بدون حكامة جيدة ولا حكامة بدون مشاركة، ولا مشاركة بدون إرادة تعكسها النصوص المرجعية القانونية”.

أما المتدخل الثالث الأستاذ رضوان الحداوي، الذي تحدث في مداخلته حول: “الحكامة الجيدة والتنمية الترابية، الجماعة الترابية تازارين انموذجا”، حيث قام بداية بالتطرق لبعض مميزات المجالات المغربية لينتقل مباشرة إلى الحديث عن سياق مفهوم الحكامة مشيرا إلى استعمالاته الأولى التي تعود إلى نهاية الثمانينات، إذ هناك -حسب ما جاء في مداخلة الأستاذ- من اعتبر الحكامة أنها: “أسلوب ممارسة السلطة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد من اجل التنمية”، وهناك من اعتبرها “مقاربة ورؤيا وفلسفة جديدة للتغيير، لها مضمون اقتصادي مالي اجتماعي وسياسي باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي”، بعد ذلك انتقل إلى الحديث عن الغاية من تكريس آلية الحكامة الترابية في تحقيق التنمية ومختلف معاييرها، إذ اعتمد على ثلاثة معايير منها منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية، معايير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ثم معايير البنك الدولي بالنسبة لشمال إفريقيا. بعد ذلك تطرق إلى علاقة الحكامة بالتنمية الترابية كمقاربة جديدة ترتكز على مبدأ التجديد في مختلف القطاعات، وتعبئة الفاعلين المحليين (جماعات محلية، وجمعيات المجتمع المدني والساكنة…)، بعد ذلك وفي إطار ربط مسألة الحكامة بالجماعة الترابية تازارين انتقل إلى الحديث عن أهم الفاعلين المتدخلين على مستوى هاته الجماعة، ثم مؤشرات الفقر والهشاشة. كما قام بإدراج بعض المشاريع التنموية بالجماعة متسائلا في معرض حديثه إلى أي حد يتم تطبيق آلية الحكامة في إنجازها وتنفيذها وتتبعها وتقييمها، ليشير بعد ذلك إلى رأي الساكنة حول تدخلات المجلس الجماعي وفي تقييم مختلف المشاريع التنموية كالطرق والإنارة العمومية والبنيات التحتية، وفي الأخير قدم بعض التوصيات لخصها فيما يلي:


يتعين على الجماعات الترابية أن تتقاسم المسؤولية مع الفاعلين المحليين الآخرين لاسيما المجتمع المدني، مع ضرورة خلق فضاءات للتشاور والتداول والتبادل بين مختلف الفاعلين بالمجال الترابي، ودعى إلى ضرورة ضبط عدة مفاهيم أساسية في مجال تدبير الشأن المحلي من قبيل المشاركة المحلية، الديمقراطية التمثيلية، الديمقراطية التشاركــية، ميكانيــزمات مشاركة المجتمع المدني والمواطنين ومبادئ الحكامة المحلية، المشاريع المحلية، التنمية المحلية…إلخ.
بعد الانتهاء من تقديم المداخلات من طرف المشاركين، تم فتح باب المناقشة والتساؤولات، ومن بين الملاحظات التي سجلها المتدخلون كون العمل الجمعوي بهاته المجالات ما زال يتسم بالعشوائية والارتجالية، وكذا محدودية التنظيم الداخلي وعدم فهم أدوار المجتمع المدني وعدم مسايرة المستجدات، كما أن الكثير من الجمعيات مؤطرة سياسيا، ويتم تغليب المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة، وأقر أخرون بأن محدودية التواصل بين السكان والمنتخبين الجماعيين من جهة، وبين جمعيات المجتمع المدني والمجلس الجماعي من جهة ثانية، وهذا يشكل أكبر عائق لبلوغ التنمية المنشودة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.