أي دور للمنتخب المحلي في إنقاذ والدفاع عن التراث الحضاري؟؟؟
عبد الواحد غنامي
لعل أول شيء يتبادر للذهن هو استعمالنا لمفهوم ” إنقاذ “عوض الحماية أو الترميم لما يحمله المصطلح من دلالة وحمولة، فلا يخفى على أي مشاهد الوضعية التي آلت إليها المعالم التراثية في وطننا الحبيب من تدمير وإتلاف لبعضها البعض، لدى وجب على كل غيور على البلاد من دولة وجمعيات ومواطنين ـ ات التدخل الكل حسب إمكانيته الخاصة، وبالتالي هذا ما حدى بنا إلى توظيف هذه الكلمة تجسيدا لنوعية التدخل المتاح قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه و حتي يتسنى للأجيال المقبلة مشاهدة ما خلفه السلف والوعي بمزاياه التاريخية. من هنا نتساءل عن مدى مساهمة المنتخب المحلي في الدفاع وإنقاذ هذا الإرث الحضاري عبر مشاريع ومخططات استعجالية ـ تنموية.
إن التطرق لدور المنتخب في حماية التراث الثقافي والتاريخي يستوجب مساءلة دور المنتخب عموما، أو بمعنى آخر التوقف عند فكرة الانتخاب سلوكا وتجسيدا، وهو المفهوم الذي لا يمكن فصله عن التطور التاريخي لفكرة الديمقراطية وضرورة وجود نخبة يختارها الشعب للقيام على الشأن العام بما يصلحه. واعتبارا لكون حماية التراث الثقافي والتاريخي من مهام الجماعة البشرية، التي ينتمي إليها هذا التراث، أولا وقبل غيرها من دارسين وباحثين ومهتمين، فإن المهمة تنتقل تلقائيا لمن يفترض أن الجماعة البشرية قد اختارتهم ليقوموا مقامها ويسهروا على تدبير شؤونها العامة ألا وهو المنتخب. هذا على المستوى النظري العام، لكن واقع الحال يحيل بشكل أساسي لنطاق اشتغال هذا المنتخب، أو الإطار القانوني الضابط لهذه المهمة، وهو ما يجعلني في السياق المغربي، أقارب الموضوع أساسا على مستوى الجماعات الترابية، عبر رصد إشارات أولية لمحاولة استجماع عناصر الموضوع في سياقه العام. فمقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، والذي حدد في مادته 77 الاختصاصات المنوطة بالجماعة داخل دائرتها الترابية في “مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين في إطار الاختصاصات المسندة إليها بموجب القانون التنظيمي للجماعات وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، ولهذه الغاية تمارس الجماعة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة”، ومن هذه المهام أو الاختصاصات التي تقوم بها الجماعة مع الدولة “اختصاص تثمين المواقع الأثرية”، بحيث تورد المادة 87 من بين هذه الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة، اختصاص “المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته”، وهو ما يقتضي القيام بعدة مبادرات منها على سبيل المثال لا الحصر” إحداث المركبات الثقافية؛ إحداث المكتبات الجماعية؛ إحداث المتاحف والمسارح والمعاهد الفنية والموسيقية والتأهيل والتثمين السياحي للمدن العتيقة والمعالم السياحية والمواقع التاريخية”. هذا إذاً على مستوى الاختصاصات المشتركة، أما على مستوى الاختصاصات المنقولة، فإن نفس القانون التنظيمي للجماعات وعلى وجه التخصيص ينص على الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجماعة في مادته 90 محددا إياها في اختصاصين أولهما هو «حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية”، بل إنه واعتبارا لمركزية موقع رئيس المجلس الجماعي لم يغفل المشرع دوره في حماية التراث الثقافي والتاريخي، بحيث تشير المادة 100 إلى أن رئيس مجلس الجماعة يضطلع بصلاحيات عدة، ذكر البعض منها على وجه الخصوص، ومن ضمنها أورد ”المساهمة في الحفاظ على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وحمايتها وذلك باتخاذ التدابير اللازمة لهذه الغاية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل“. لكن ومن خلال مقاربتنا لهذه النصوص القانونية سيتبين أنه ورغم عدم إغفال المشرع لدور المنتخب المحلي على مستوى الجماعات الترابية في حماية التراث الثقافي والتاريخي، إلا أنه حصر هذه المهمة في الاختصاصات المنقولة والمشتركة، وهو ما يعيق عمليا دور الجماعات المحلية في هذا الإطار في ظل عدم إدراجها كاختصاص ذاتي للجماعات الترابية عكس ما ذهب إليه المشرع في ما يتعلق بمهام الجهة وفق التعديلات المنصوص عليها في إطار التوجه الجديد للدولة الرامي لتأسيس نموذج مغربي للجهوية المتقدمة، وهو ما يعني أن هامش تحرك المنتخب المحلي يبقى محدودا ومرتهنا بإرادات أخرى، لكن هذا لا ينفي عنه المسؤولية وأساسا ضرورة الترافع المؤسساتي من أجل تحقيق هدف حماية الذاكرة الجماعية والتراث الثقافي والتاريخي، فالمسؤولية تبقى مسؤولية الجميع. أحزابا وجمعيات، فاعلين ومؤسسات. إنها قضية تاريخ وذاكرة جماعية تستلزم تضافر مجهوداتنا المتكاملة لحمايتها من التلاشي والاندثار.