جماعة أكدز بدون برنامج عمل !!!
الحسن كنكو - طالب باحث في القانون العام الداخلي و تنظيم الجماعات الترابية- القاضي عياض مراكش
تفاديا للعشوائية التي تطال تدبير الشأن العام الترابي و التي تنعكس سلبا على مستقبل الجماعة و حاجيات الساكنة، ورغبة في وضع تصور مستقبلي للجماعة يحدد توجهاتها التنموية ، ألزم المشرع المغربي الجماعات اعتماد آلية التخطيط و البرمجة لمختلف المشاريع و البرامج التي تزمع تنفيذها طيلة فترة الانتداب المحددة في 6 سنوات كأسلوب إداري حديث يروم عقلنة وحوكمة التدبير، في اطار بيئة موسومة بالتعقيد و التغير السريع و التطور المتزايد؛ أي بمعنى آخر أن برنامج عمل الجماعة يشبه إلى حد بعيد البرنامج الحكومي الذي يعتبر خريطة طريق لعمل الحكومة و بمثابة التزام قانوني بتحقيق نتائج ملموسة تلامس الواقع المعيشي للمواطن وليس التزاما ببذل سعي، وبالتالي يمكن اعتبار برنامج عمل الجماعة التزام ذو نزعة سياسية وقانونية بتحقيق نتيجة تحقيق تنمية شاملة ومندمجة على الصعيد الترابي بالاعتماد على أسلوب تدبير الميزانية على أساس النتائج.
وبرنامج عمل الجماعة[1] حسب المادة 2 من المرسوم 2.16.301 [2] عبارة عن وثيقة مرجعية، لبرمجة المشاريع و الأنشطة ذات الأولوية المقرر أو المزمع انجازها بتراب الجماعة، بهدف تقديم خدمات القرب للمواطنات و المواطنين، كما يدخل ضمن السلطة التقريرية للمنتخبين في قيادة التنمية الترابية، بيد أن المشرع قد أورده ضمن الاختصاصات الذاتية للجماعة.
وتعتبر جماعة اكدز جماعة “حضرية” تنتمي إلى إقليم زاكورة، وقد عرفت في السنوات الأخيرة نموا ديموغرافيا مهما، ناتج عن توافد مجموعة من العائلات و الأسر إليها من مختلف المناطق المجاورة، لما تتوفر عليه من بنية تحتية مهمة، وظروف عيش ملائمة مقارنة بباقي المناطق. مما يتطلب من الفاعلين الترابيين على رأسهم الجماعة، التدخل من اجل الاستجابة للحاجيات الضرورية و الأساسية للساكنة( قنوات تصريف المياه العادمة، وبناء مرافق حيوية، وملاعب القرب…) وتحدي الإختلالات و العشوائية التي قد تطال مجالها الترابي من انتشار للبناء غير القانوني و العشوائي دون مراعاة لمخطط تهيئة الجماعة الذي يلزم المؤسسات و الأفراد.
- السنة الأولى من مدة الانتداب:[3]
مما لاشك فيه أن الهدر الزمني لمدة انتداب المجلس من خلال التأخر في إعداد وثيقة برنامج عمل الجماعة، سيؤثر لا محالة في التنمية المحلية كعملية إستراتيجية تأخذ بعين عنصر الزمن كمورد أساسي لا محيد عنه في أي تخطيط استراتيجي يروم تنظيم ومواكبة وتشكيل واتخاذ القرارات المناسبة لبناء مستقبل مرغوب فيه. الشيء الذي دفع بالمشرع المغربي إلى تحديد السقف الزمني لإعداد برنامج عمل الجماعة، حيث جاء في المادة 78 من القانون التنظيمي113-14 المتعلق بالجماعات “… يتم إعداد برنامج عمل الجماعة في السنة الأولى من مدة انتداب المجلس على ابعد تقدير…”.
وعليه، فإذا كانت الانتخابات الجماعية قد أجريت في شتنبر 2015 فهذا معناه أن مدة الانتداب قد بدأت منذ انتخاب الرئيس ومكتبه و اللجان، وإجراء عملية تسليم السلط التي لا تتعدى شهر من الزمن، ومادام أن المشرع قد حدد للمجلس ثلاث دورات عادية للانعقاد في السنة خلال أشهر فبراير ومايو وأكتوبر(المادة 33) ناهيك عن الدورات الاستثنائية(المادة36)، وما دام كذلك، أن هناك ارتباط عضوي بين الميزانية وبرنامج عمل الجماعة (المادة183) حيث حٌدد أجل اعتماد الميزانية في تاريخ أقصاه 15 نونبر، فإن كل هذه المعطيات توحي بأن المقصود بالسنة الأولى من مدة الانتداب لا يمكن أن تتعدى في ابعد تقدير السنة المالية التي تنتهي في 31 دجنبر، أي 31 دجنبر 2016.
بمعنى آخر وبالاعتماد على لغة الحسابات، فإن المجلس الحالي لجماعة اكدز قد عقد وجوبا خمس دورات -إلى حدود كتابة هذه الأسطر – منذ انتخابه في شتنبر 2015 وهي:
– دورة أكتوبر 2015،
– دورة فبراير2016،
– دورة مايو 2016،
– دورة اكتوبر2016،
– دورة فبراير 2017،
بغض النظر عن الدورات الاستثنائية، دون أن تكون هناك إشارة ولو بسيطة حول إعداد برنامج عمل الجماعة في الأجل الذي حدده المشرع ولا حتى بعد انتهائه، هذا في ظل غياب جزاء قانوني عن عدم احترام الأجل، و انعدام إلزامية تعليل التأخر الحاصل، عكس مقتضيات المرسوم المنسوخ المتعلق بإعداد المخطط الجماعي للتنمية ،حيث جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 5 ما يلي”… إذا لم يتم إعداد المخطط الجماعي للتنمية داخل الأجل المحدد، لأي سبب من الأسباب، يمكن لسلطة الوصاية بقرار معلل أن تمدد هذا الأجل بمبادرة منها أو بطلب من رئيس المجلس” وهو ما لا نجد له اثر يذكر في المرسوم الجديد، وترك الأبواب على مصراعيها لعديد من الجماعات في إعداد برامجها في أي وقت شاءت.
- دلائل دامغة عن غياب برنامج عمل جماعة اكدز
لا مراء أن وزارة الداخلية ملزمة بإصدار مجموعة من النصوص التنظيمية التي أحال عليها القانون التنظيمي للجماعات الترابية في اجل أقصاه 30 شهرا من دخوله حيز التنفيذ (المادة280)، تلافيا للبطء الذي يمكن أن تقع فيه الجماعات نتيجة الوضع الانتقالي الذي تعيشه، واستمرارا في تدبير الشأن العام وفق أساليب ومقاربات تتواءم والمقتضيات الجديدة التي جاء بها القانون التنظيمي. ولحد الآن نجد أنها قد أصدرت 5 مراسيم،أهمها المرسوم 2.16.301 المتعلق بمسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة.
لكن، إذا كان مبرر جماعة اكدز هو الانتظار إلى حين صدور النص التنظيمي المتعلق ببرنامج عمل الجماعة و النصوص المرتبطة به، فما الذي منعها من العمل بمقتضيات المرسوم القديم الصادر في ابريل 2011 المتعلق بالمخطط الجماعي للتنمية و الذي لا يختلف عن المرسوم الجديد اختلافا كثيرا من حيث مسطرة الإعداد؟ ثم انه وتطبيقا للمادة 5 من المرسوم الجديد الصادر في يوليوز2016 -ونحن على مشارف الدورة الثانية من 2017-، لم يعلق بمقر الجماعة القرار الذي اتخذه رئيس الجماعة بشأن إعداد مشروع برنامج العمل ا داخل اجل 15 يوما الموالية لانعقاد الاجتماع الإخباري و التشاوري[4]
كما أن المقاربة التشاركية التي يجب أن تعتمد في إعداد البرنامج، تلزم على رئيس المجلس اجراء مشاورات مع المواطنين و المواطنين و الجمعيات وفق الآليات التشاركية للحوار و التشاور، و التشاور كذلك مع الهيئة الاستشارية المكلفة بتفعيل المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، و كذا التنسيق مع عامل العمالة أو الإقليم، الشيء الذي لم تقم به جماعة اكدز التي دخلت في النصف الثاني من العام الثاني من ولايتها دون أن تكون لديها خريطة طريق تسترشد بها ورؤية واضحة ولشركائها الاجتماعيين و الاقتصاديين و كذلك للمواطنين و المواطنات.
والمقاربة التشاركية كما هو معلوم، تستوجب إشراك كافة الفعاليات السياسية المحلية، و الفاعلين الاجتماعيين و الاقتصاديين، و النسيج الجمعوي المحلي، و الهياكل التقليدية، مع إعطاء أهمية كبيرة لتمثيلية الساكنة ذات الأوضاع الهشة (النساء، الأطفال، الشباب، المسنين، المعاقين…) في مسلسل إعداد البرنامج لا سيما مرحلة التهييء والانطلاق التي تعتبر مرحلة حاسمة تسمح بإغناء التصور و التشخيص بتوفير معلومات متنوعة ملموسة وتقديم تحاليل مختلفة للوضعية وتقارب وجهات نظر مختلف الفاعلين وبالتالي بلورة تصور مشترك لهؤلاء الفاعلين حول الوضع الحالي وحول التكامل الممكن تفعيله.
ويهدف الإعلان الرسمي لانطلاق مسلسل إعداد برنامج العمل، إلى إخبار وتحسيس السلطات و الشركاء المؤسساتيين للجماعة و السكان للمشاركة في الاعداد، وذلك بالعمل على تعبئة كل القنوات المحلية للتواصل (المقدمون، الشيوخ، “البراحة” الإذاعة المحلية ومنشطو ومنشطات محو الأمية، المرشدون و المرشدات الفلاحيون… واجتماعات إخبارية تحسيسية. الشيء الذي لم تقم به جماعة اكدز، اللهم إذا قامت بتخطي مراحل إعداد برنامج العمل( الإعداد و الانطلاقة، الحالة الراهنة(المونوغرافية)، التشخيص التشاركي، التخطيط الاستراتيجي و البرمجة، عملية الانسجام، تقديم الحصيلة و المصادقة من طرف المجلس الجماعي) واعدته بسرية تامة بدون حسيب ولا رقيب، او قامت فقط بتحيين المخطط الجماعي القديم، ضاربة عرض الحائط كل المكتسبات الديمقراطية وقواعد الحكامة الجيدة التي جاء بها الدستور، هذا علما انه رصدت أموالا طائلة لإعداد البرنامج.
وعليه، وأمام هذا الوضع، وما دامت مسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة تستلزم سنة واحدة[5] من الزمن، فإن عمر تنفيذ برنامج عمل جماعة اكدز لن يتعدى سنتين من الزمن، أي جماعة بدون برنامج عمل، وبدون خريطة للاستثمار و التنمية، في ظل تضخم مجموعة من البرامج و الشراكات و الاتفاقيات على مستوى جماعة اكدز، في مقابل غياب جدولة زمنية لها.
– هذا البرنامج عمل حل محل المخطط الجماعي للتنمية السائد في تجربة الميثاق الجماعي 2002. [1]
[2] – مرسوم يحدد مسطرة اعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه واليات الحوار والتشاور لإعداده، منشور بالجريدة الرسمية عدد6482 في 14 يوليوز2016، صص: -5348 -5346.
[3]– جدير بالإشارة إلى أن المشرع من خلال القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، قد حدد مجموعة من الأعمال التي يتعين القيام بها في السنة الأولى من الانتداب، كالموافقة على النظام الداخلي للجماعة (المادة32) وإعداد برنامج عمل الجماعة (المادة 78و98)…
[4] – جاء في المادة 4 من المرسوم المتعلق بمسطرة إعداد برنامج عمل الجماعة” يتخذ رئيس مجلس الجماعة، خلال السنة الأولى من مدة انتداب المجلس ، قرار اعداد مشروع برنامج عمل ، بعد اجتماع اخباري وتشاوري يدعو له أعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم وكاتب المجلس، يحضر عامل العمالة او الاقليم او من يمثله هذا الاجتماع…”
[5] – بحيث:
– مرحلة الاعداد و الانطلاقة تتطلب شهرين،
– اما الحالة الراهنة و التشخيص التشاركي و التوافق حول التشخيص تتطلب خمسة اشهر،
– مرحلة الانسجام:شهرين،
– تقديم النتائج و المصادقة على المخطط وتعبئة الموارد والشراكة: ثلاثة أشهر