هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع بين القانون 17/08 و القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات

الحسن كنكو- طالب باحث بكلية الحقوق، جامعة القاضي عياض- مراكش

0 7٬327

يحظى الموضوع الذي بين أيدينا بأهمية بالغة من حيث كونه سيساهم في بلورة تصور شامل حول الهيئة و استيعاب أدوارها ومجالات اشتغالها، في سياق التحول التدريجي الذي تعرفه الوحدات الترابية التي أصبحت منفتحة[1]– بحكم تدخلها التنموي على المستوى الترابي- على باقي الفاعلين الترابيين على رأسهم جمعيات المجتمع المدني. على اعتبار أن المجتمع المدني لعب ولازال، أدوارا أساسية في تكريس ديمقراطية القرب وكذا قيم التضامن والفعالية و النجاعة و الحكامة الجيدة على المستويين الترابي و الوطني .

      معلوم أن التنصيص على هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع في القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات، ليس بالأمر الجديد، بل تعود هذه التجربة إلى القانون 17-08 لسنة 2009المعدل و المتمم للميثاق الجماعي 78-00 الصادر في 2002 ، وان الاسم الذي تحمله الهيئة، لدليل واضح على  رغبة المشرع في محاكاة  التجارب التي طالت دول أمريكا اللاتينية[2] وكذا الاستجابة للجيل الثالث من حقوق الإنسان كالحق في التنمية و التضامن و البيئة السليمة المشاركة..  دون أن ننسى  أصوات المجتمع المدني  التي تعالت ونادت بضرورة إعادة النظر في أساليب تدبير الشأن العام  التي أبانت عن فشل مجموعة من البرامج المتبناة المعتمدة على المقاربة العمودية حيث يتم صنع وبلورة القرار العمومي من الأعلى إلى الأسفل، مما يوطد دعائم النظام الاستبدادي المركزي الذي يهيمن ويسيطر على المجال في إقصاء تام لمجموعة من الفاعلين، والاعتماد بالتالي على الديمقراطية التشاركية في تدبير الشأن العام كبديل لا غنى عنه في أي تدبير معقلن.

 

 

     وعليه، فالحديث عن الهيئة يحيلنا لا محالة، إلى الحديث عن طبيعة العلاقة القائمة بين الدولة والهيئات العامة وبين المجتمع المدني، و التي انتقلت من علاقة يطبعها الهاجس الأمني و التوجس و الحيطة و الحذر إلى علاقة مبنية على أساس التعاون و التشارك و التواصل و الحوار و التشاور… إذ بالرجوع إلى مقتضيات الدستور و كذا القانون التنظيمي للجماعات الترابية، لاتضح من الوهلة الأولى أن كلاهما يرمي في جوهره  إلى  تكريس الخيار الديمقراطي الذي أصبح من الثوابت التي تستند عليها الأمة في تدبير شؤونها، ودراسة موضوع هيأة المساواة وتكافؤ الفرص و مقاربة النوع يستدعي الانطلاق من مسألة أساسية مؤداها العلاقة التلازمية الدائمة التطور بين المجتمع المدني و الهيئات العامة و التي انتقلت من طغيان الهاجس الأمني وكذا الحيطة و الحذر و التوجس إلى علاقة تستند إلى الثقة و توحيد الرؤى و الانسجام، وبالتالي فالالتقائية تبدو أمرا بديهيا بالنظر إلى ما يقوم به المجتمع المدني من تعبئة اجتماعية تساهم قدر الإمكان في تحصين مكتسبات الانتقال الديمقراطي

 

لجنة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع في ظل القانون 17/08

 

     عمل المشرع المغربي على تعديل الميثاق الجماعي 00-78  بمقتضى القانون 17/08 وذلك لتعزيز وتدعيم الإصلاحات التي عرفها مسلسل اللامركزية منذ إصلاح 30 شتنبر 1976 إلى غاية صدور الميثاق في 2002 و الذي جعل من الجماعات المحلية فاعلا تنمويا واقتصاديا لا محيد عنه إلى جانب الدولة و القطاع الخاص من جهة، وتمكين الجماعات من أداء المهام المنوطة بها على أكمل وجه في ظل التطور المتزايد  والسريع لقضايا القرب و الحاجيات الملحة للساكنة المحلية من جهة أخرى، كما أصبحت المشاركة المدنية على المستوى المحلي و المبنية على التضامن مرهونة بتمكين جميع الفئات الاجتماعية من أسباب المشاركة، وهو ما يستدعي تشجيع مشاركة من لا يتوفرون عن الفرص الكافية للبروز الاجتماعي إما بسبب الجنس وإما بسبب وضعيتهم الجسدية وإما بسبب فئتهم العمرية.

    وهذا المنهج المبني على التعبئة الاجتماعية و التحفيز على المشاركة يفرض السعي نحو اعتماد المناصفة و التمييز الايجابي لإتاحة الفرصة أمام النساء و الشباب و الأشخاص في وضعية الإعاقة للمشاركة في  مختلف أجهزة الحكامة التشاركية، كما يفرض تدريجيا نحو مقاربة النوع في إعداد وتوزيع الموارد المالية لبرامج التنمية القطاعية ومخططات التنمية الترابية ويستلزم بالتالي توافر آليات وقنوات للبروز الاجتماعي،و هو ما حدا بالمشرع إلى إجراء تعديلات على الميثاق الجماعي ل2002 بمقتضى القانون 17-08 حيث تتجلى ابرز التعديلات التي جاء بها  تلك المتعلقة- حسب المادة 14- بضرورة إحداث لجنة استشارية تسمى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص لدى مجلس الجماعة تتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي، يرأس هذه اللجنة رئيس المجلس الجماعي أو من ينوب عنه ويتولى إعداد جدول أعمال اجتماعاتها، وتبدي اللجنة رأيها، كلما دعت الضرورة، بطلب من المجلس أو رئيسه في القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي، ويمكن لأعضاء اللجنة تقديم اقتراحات تدخل في مجال اختصاصاتها.

فمن خلال مقتضيات المادة 14  المشار إليها أعلاه نلاحظ:

     * أن المشرع أورد هذه اللجنة في الباب المتعلق بالأجهزة المساعدة للمجلس.

     * أن رئيس المجلس الجماعي هو الذي يترأسها ويقوم بإعداد جدول أعمال اجتماعاتها مما يعني أنه لا تتمتع بالاستقلال العضوي و الموضوعي.

     *  هذه اللجنة تبدو معزولة عن باقي لجان المجلس بحيث لا يمكن أن تقدم رأيها إلا في حالة الضرورة، كما أنه لا ينظمها النظام الداخلي للجماعة كما هو الشأن بالنسبة لباقي اللجن.

     * أن المشرع لم يحدد  طبيعة تمثيلية الجمعيات مما يترتب عنه اختلال في تشكيلتها ويطرح أكثر من سيناريو للتفسير، فهناك من اعتبرها لجنة خاصة بالمرأة، وهناك من اعتبرها لجنة لإدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية، هذا ناهيك عن وقوع اختيار رئيس الجماعة على جمعيات محسوبة عليه وموالية له في ظل غياب معايير وشروط موضوعية للاختيار.

وعليه نستنتج أن اللجنة في العديد من الجماعات المحلية طيلة فترة العمل بمقتضيات ميثاق 17-08 ولدت ميتة بفعل عدة عوامل:

* غياب قانون داخلي للجنة يحدد هيكلتها وينظم اجتماعاتها ومهامها،

* ترأس رئيس الجماعة لها، علما أن على عاتقه مجموعة من الاختصاصات التي عمل المشرع على توسيعها، هذا إضافة إلى أن الرئيس قد لا يكون له امتداد جمعوي و قد لا يتوفر على  تجربة جمعوية تمكنه من استيعاب وتفعيل ادوار اللجنة،

* أن اغلب الرؤساء قاموا بتشكيل اللجنة فقط على الورق إرضاء للنص القانوني وتلافيا للمساءلة.

     الشيء  الذي دفع بالمشرع إلى إعادة النظر في كل ما يتعلق باللجنة مبتغيا في ذلك الارتقاء بها و تمكينها من القيام بالأدوار المنوطة بها بكل استقلالية وفعالية من خلال القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات.

 

هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي في ظل القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات

         نجد على مستوى القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات أن المشرع تماشيا مع مقتضيات الدستور قد نص على آليات تشاركية للحوار و التشاور في الباب الخامس، تمكن الجماعة من التواصل المستمر و المباشر مع المواطنات و المواطنين وفعاليات المجتمع المدني من خلال تيسير مساهمة المواطنين و الجمعيات في إعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعها، وكذا إحداث هيئة استشارية تسمى هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع،إضافة إلى تقديم العرائض للمجلس قصد إدراج نقطة تدخل في اختصاصاته ضمن جدول الأعمال.

    وعليه فالمشرع قد انتقل بلجنة المساواة من جهاز مساعد في ظل القانون 17-08 إلى هيئة تنتمي إلى الآليات التشاركية للحوار و التشاور في إطار تعزيز وتقوية  الديمقراطية التشاركية التي تعتبر الحجر الأساس في تقليص تكلفة القرار العمومي، وافرد لها الفصل 120 من القانون التنظيمي 113-14 حيث جاء فيه ” تحدث لدى مجلس الجماعة هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى (هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع)

يحدد النظام الداخلي للمجلس كيفيات تأليف هذه الهيئة وتسييرها”

 مما يدفعنا إلى طرح سؤال حول  الجديد و المجدد من القديم فيما يتعلق بالهيئة؟

* الجديد مقارنة مع القانون 17-08 يتجلى في التسمية: من اللجنة إلى الهيئة وهو ما يدل على نوع من الاستقلالية الذي تتمتع به الهيئة.

* لم يعد رئيس المجلس الجماعي هو الذي يترأسها بل شخصية تنتمي إلى جمعيات المجتمع المدني، وهذا تطور ملحوظ في اتجاه ضمان الحرية و الاستقلال من خلال كون الهيئة تبقى سيدة نفسها عبر جدول أعمال اجتماعاتها.

* القانون التنظيمي لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن أعضاء الهيئة يتم اقتراحهم من قبل رئيس المجلس الجماعي بل أن إحداث الهيئة يتم بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني. لكن على مستوى الممارسة، نجد مجموعة من الرؤساء  قد عمدوا إلى اقتراح أعضاء الهيئة اعتقادا منهم أن النص القانوني يخول لهم هذا الحق كما هو الشأن في ظل القانون 17-08، وبالتالي يطرح السؤال حول كيفية تأليف الهيئة ؟

* فيما يخص التأليف والتسيير، نلاحظ أن المشرع قد أحال في ذلك على النظام الداخلي[3] للجماعة، الذي ينص على أن الرئيس الجماعة هو من يتولى اقتراح أعضاء الهيئة. وعليه، تبقى الهيئة حبيسة ورهينة النظام الداخلي للجماعة و الذي من خلاله يحدد التأليف و التسيير و المهام، فإذا كانت الجماعة منفتحة على المجتمع المدني و تسيرها نخبة مشبعة بثقافة الحوار و التشاور و التواصل، لها حس جمعوي مدني، فإنها لا محالة  ستعطي هامشا واسعا للهيئة لكي تتحرك، أما إذا كانت الجماعة بنية منغلقة على ذاتها ترفض وتقاوم كل ما  هو خارجي و تقوم بأدوار إدارية تقليدية، فإن الهيئة ستبقى حبرا على ورق، كما أن أعضاء الهيئة من جهتهم مطالبون  بالتسلح بمكنيزمات التشاور و التحاور و التواصل في علاقتهم بالجماعة، وكذا معرفة أين يبتدئ تدخلهم وأين ينتهي، واعيين بمدلولات المساواة و تكافؤ الفرص ومقاربة النوع وسبل إدماجها في السياسات العمومية الترابية.

* لم يعد دورها مقتصرا فقط على إبداء الرأي، بل تعداه إلى دراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص و مقاربة النوع.

 

       وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فالهيئة حسب الدستور و القانون التنظيمي تنتمي إلى هيئات التشاور و التشارك و الحوار على المستوى المحلي و بالتالي فهي تبقى القناة الفضلى لتفعيل الديمقراطية التشاركية وتعزيز انخراط الموطنين في الشأن العمومي.

  وبالتالي فأدوار الهيئة محددة في تمكين الفئات التي لا تتوفر على الفرص الكافية للبروز الاجتماعي من أسباب المشاركة و بالتالي تساهم في التعبئة الاجتماعية و تعزيز ثقة المتعاملين مع الجماعة الترابية، إذ يلاحظ على المستوى المحلي أن الفئة الفقيرة و المعوزة وكذا فئة النساء هي التي تشارك بكثافة في العملية الانتخابية تعبئة وتصويتا و بالتالي لا يعقل أن يتم استغلال هذه الفئات في الفترة الانتخابية دون التفكير في الاستجابة لحاجياتها عبر سياسات عمومية تلامس الواقع المعيشي لها.

 وتأسيسا على ما سبق فدور الهيئة يتجلى في:

* دراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع

* إبداء الرأي عند إعداد برنامج عمل الجماعة باعتباره نشاط ذو نزعة سياسية يقود لبناء لمستقبل الجماعة أخذا بعين الاعتبار إدماج تجارب النساء و الرجال و الفتيان و الفتيات في بلورة وانجاز وتتبع وتقييم البرامج الجماعية حتى يستفيدوا منها بالتساوي.

    و بالعودة إلى القانون التنظيمي والى الشق المتعلق بالاختصاصات سنلاحظ أن الهيئة  يمكن لها أن تتدخل من اجل ضمان تفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع عبر التشاور و إصدار مجموعة من التوصيات و الملتمسات فيما هو مناط بالجماعة من اختصاصات ذاتية و المشتركة مع الدولة و المنقولة.

– لم تعد الجماعة عبارة عن ملحقة إدارية تابعة لوزارة الداخلية تقوم بوظائف تقليدية محددة في التصديق على الإمضاء وشؤون الحالة المدنية.[1]

[2]  – الموجة التي طالت دول أمريكا اللاتينية (البرازيل، البيرو، المكسيك…) و التي انتشرت في باقي دول العالم، هذه الموجة تتجلى في الديمقراطية التشاركية التي تعمل على ملء بياضات الديمقراطية  التمثيلية التي تحصر دور المواطن في الإدلاء بصوته أثناء الانتخابات فقط، و بالتالي فهي ديمقراطية فاقدة المضمون و المحتوى لا وقع لها على صعيد الحياة اليومية للمواطن، لتأتي الديمقراطية التشاركية من اجل منح المواطن فرصة  المساهمة في الإعداد و التتبع و التقييم للسياسات العامة المحلية عبر قناة المجتمع المدني.

 

[3]على اعتبار ان النظام  الداخلي للجماعات عبارة عن وثيقة شكلية نموذجية formulaire  تحضر من قبل وزارة الداخلية، و يتم تعبئتها من قبل رئيس المجلس، مما يمكن القول معه بأن هناك  نظام داخلي واحد يتداول بين الجماعات المختلفة فيما بينها

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.